الحوثيون يستغلون الخلافات بين أطراف الحكومة اليمنية لتحقيق مكاسب ميدانية في ثلاث محافظات.
ماذا ينتظر اليمن بعد تقدم الحوثيين واستمرار توقف قطار السلام
تراجعت أي قراءة متفائلة وإن كانت ضئيلة عن إمكانية تحريك قطار المفاوضات المتوقف بين الفرقاء اليمنيين، بعد تصاعد هجمات المتمردين الحوثيين والسيطرة على محافظة البيضاء وأجزاء من محافظة شبوة بغية اقتحام مدينة مأرب الاستراتيجية.
ويتزامن تقدم الحوثيين مع انتهاء أول جولة للمبعوث الأممي الرابع لليمن هانز غروندبرغ في السعودية وسلطنة عمان الوسيط المقبول من الأطراف المتحاربة، دون تحقيق أي تقدم يذكر في العودة إلى طاولة التفاوض وإنهاء الحرب المستمرة منذ سبعة أعوام في اليمن.
وتأتي هذه التطورات وسط استمرار الهجمات التي يشنها الحوثيون على السعودية، باستخدام صواريخ بالستية وطائرات مسيرة، ما يشكل عائقا أمام استمرار الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف الحرب.
وأودت الحرب بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة الشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي، التي تحظى بدعم السعودية وتحالف عربي، بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 في المئة من سكان اليمن البالغ عددهم نحو ثلاثين مليون نسمة يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
وتطابقت تصريحات الحوثيين مع تصريحات مصادر في الجيش اليمني بشأن تكثيف الحوثيين حملتهم للزحف صوب مدينة مأرب في وسط البلاد والواقعة تحت سيطرة الحكومة، بالتوازي مع تكثيف عمليات القتال في الجنوب.
وقال يحيى سريع المتحدث العسكري باسم الحوثيين إن “مقاتلي الجماعة أصبحوا عند المشارف الغربية لمدينة مأرب ويتقدمون على جبهات أخرى بعد أن كبدوا الطرف الآخر العديد من الخسائر خلال الأشهر الماضية”.
وقال مصدر في الجيش الحكومي اليمني إن “قوات الحوثيين موجودة على بعد نحو 18 كيلومترا غربي مدينة مأرب لكن المعارك الأساسية تدور في شبوة بالجنوب التي فيها العديد من حقول النفط ومنصة الغاز الطبيعي المسال الوحيدة في البلاد”.
وتتقدم القوات الحوثية صوب عسيلان في شبوة، حيث يوجد حقل جنة النفطي.
ودعا الشيخ والبرلماني الشبواني صالح بن فريد العولقي أبناء المحافظة إلى نبذ الخلافات “والوقوف معه في معركة الدفاع عن شبوة وحفظ كرامتها وأمنها”، مؤكداً أن محاولة اختراق ميليشيا الحوثي مناطق فيها جاءت بسبب “الصراعات البينية التي لا تخدم القضية، ووجد العدو ضالته فيها”.
وناشد الشيخ القبلي الأبرز في شبوة أبناء محافظته “ترك مفردات خطاب التخلي عن القيام بالواجب بحجة الاختلافات وأن المعركة لا تعني الطرف الفلاني وتخص الطرف العلاني”، داعياً إلى الاقتداء بـ”مواقف إخوتنا وجيراننا في مأرب الذين يستميتون في الدفاع عن محافظتهم”.
وتقع مأرب على بعد نحو 120 كيلومترا إلى الشرق من العاصمة صنعاء التي سيطر عليها الحوثيون المتحالفون مع إيران وأغلب شمال البلاد في 2014 عندما أخرجوا حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دوليا من العاصمة.
ومنذ أوائل العام الجاري تقدم الحوثيون على ثلاث جبهات صوب منطقة مأرب، وهي آخر معقل للحكومة في الشمال وبها أكبر حقول الغاز في البلاد.
وتمكن الحوثيون من السيطرة على آخر معاقل الحكومة اليمنية في محافظة البيضاء الاستراتيجية وسط البلاد.
وجاء التقدم الحوثي بعد سلسلة من الهجمات تمكنت فيها الجماعة من السيطرة على مركز مديرية الصومعة في البيضاء -آخر معاقل القوات الحكومية في المحافظة- وتهديد محافظتي أبين وشبوة جنوبي البلاد.
وشكّل التقدم العسكري للحوثيين في البيضاء انتكاسة حقيقية لقوات الجيش التي بدأت قبل أسابيع عملية هجومية لتحرير المحافظة، غير أنها فشلت نتيجة عدم وجود إسناد ودعم، وفق مصادر عسكرية.
وتعد البيضاء واحدة من المحافظات الاستراتيجية التي يحرص على كسبها طرفا الصراع، بفعل المميزات الكثيرة التي تتمتع بها.
وتتكون المحافظة من عشرين مديرية، وتوصف بأنها قلب اليمن كونها تتوسط بين شمالي البلاد وجنوبها.
وتحاذي هذه المحافظة أربع محافظات جنوبية هي أبين ولحج والضالع وشبوة، إضافة إلى محاذاتها لأربع محافظات شمالية هي مأرب وإب وذمار وصنعاء.
وتعيش المكونات المناهضة للحوثيين حالة من الانقسام وعدم الانسجام، ما يؤدي أحيانا إلى مواجهات مسلحة، كما حصل في المعارك التي دارت أكثر من مرة بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي عدن وأبين جنوبي البلاد.
وتراجعت حالة الانسجام بين الحكومة اليمنية التي تتخذ من الرياض مقرا لها والتحالف العربي بقيادة السعودية.
كما تتصاعد الاحتجاجات الشعبية في المحافظات الجنوبية على التدهور الاقتصادي وانهيار قيمة الريال وانعدام الخدمات.
ويختلف المحللون السياسيون والمهتمون بالشأن اليمني في القراءات التي يقدمها المسؤولون اليمنيون المناهضون عن أسباب تقدم قوات الحوثيين.
وقال المستشار الإعلامي لرئيس المجلس الانتقالي الأكاديمي صدام عبدالله إن “حزب الإصلاح تسبب في إطالة أمد الحرب وسقوط اليمن بيد الحوثي”.
وكتب عبدالله “المتتبع للحرب الحوثية يجد أن أكبر العقد التي واجهت أبناء الجنوب والتحالف وكل شرفاء اليمن الذين يتصدون للمد الحوثي هي خيانة قادة حزب الإصلاح ووقوفهم ومساندتهم لميليشيا الحوثي. ما تسبب في إطالة أمد الحرب وسقوط اليمن بيد الحوثي والآن يحاولون إسقاط الجنوب”.
غير أن مسعد الصلاحي، المدير العام لمديرية ناطع في البيضاء، عزا انتكاسة الجيش في المحافظة إلى ضعف الترتيبات العسكرية من جانب القوات الحكومية في الفترة الأخيرة.
وقال الصلاحي إن تقدم الحوثيين في محافظة البيضاء جاء أيضا بسبب وجود تخاذل من جانب السلطات الشرعية، إضافة إلى وجود صراعات ومماحكات داخل المكونات المناهضة للحوثيين، ما جعل الأخيرين يستغلونها في تحقيق مكاسب ميدانية.
ولفت إلى أن تقدم جماعة الحوثي لا يعني أنها قوية؛ بل جاء بسبب الخلافات بين أطراف “الشرعية”.
وبشأن استمرار تقدم الحوثيين عسكريا قال الكاتب السياسي يعقوب العتواني “ليس العامل في انتكاسة الجيش الوطني بمحافظة البيضاء خاصاً بطبيعة المعركة التي تدور هناك، بل هو ضمن جملة عوامل عامة وراء انتكاسة القوات الحكومية المستمرة في البلاد منذ 2019 بالتحديد”.
وأضاف العتواني “ما يحدث في البيضاء هو امتداد لما حصل قبل ذلك في مديرية نهم، شرقي العاصمة صنعاء، ومدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف، شمالي البلاد، اللتين سيطر عليهما الحوثيون عام 2020”.
وعبر عن تشاؤمه من مسار المعارك الذي أقرّ بأنه لا يدعو إلى التفاؤل بالنسبة إلى مؤيدي “الشرعية” ما لم يتم تحسين أدائها، وما لم تقتنع السعودية بضرورة المضي بالمعركة إلى نهايتها التي من المفترض أن يتم فيها هزْم الحوثيين تماماً.
إلا أن محافظ شبوة محمد بن عديو قال “نطمئن أبناء شبوة بأن الرجال صامدون وسيصمدون وأن شبوة كما تحررت عام 2015 ستتحرر مرة أخرى، وخصوصا المديريات الثلاث التي سقطت منها أجزاء، ولن يطول فرح الحوثي، ستتم ملاحقته وسينتهي بإذن الله هو ومشروعه السلالي العنصري”.