جدل حول نزاع حزب العمال الكردستاني في ظل غياب الضمانات التركية
يبرز اليوم جدل حاسم في مشهد سياسي معقد بين تركيا وحزب العمال الكردستاني حول عملية نزع سلاح الحزب، كشف عنه وزير داخلية إقليم كردستان العراق، ريبر أحمد، ما يضع مصير السلام في المنطقة على المحك، ويغذيه غياب الضمانات التركية الملموسة في مقابل القرار التاريخي الذي اتخذه الحزب بحل كيانه وتسليم السلاح.
وقال ريبر أحمد، للصحافيين على هامش معرض أربيل الدولي للبناء والطاقة بنسخته الـ15، بأن "الجانبين، تركيا وحزب العمال الكردستاني، يجريان محادثات بشأن عملية نزع السلاح، ولكن لم يتم اتخاذ أي خطوات عملية لغاية الآن".
وأضاف أن "إقليم كردستان، حكومة وقيادة سياسية، أدى دوره في التقريب بين الطرفين، وأدى دورا في العديد من مراحل السلام الأخرى، وسيستمر على هذا المنوال في المستقبل".
وتابع الوزير مؤكدا "لا تزال هناك بعض الأمور غير واضحة للمفاوضين، خاصة حول كيفية إجراء عملية نزع السلاح، متى وأين ستتم؟ أعتقد أنه يتعين أن تكون هناك مزيد من النقاشات".
ويكمن جزء من هذا الغموض في توجس حزب العمال الكردستاني، الذي يرى أن تركيا لم تقدم أي ضمانات فعلية لتسهيل عملية السلام، مما يثير مخاوف الحزب من أن يكون السلام "مغشوشًا" أو مجرد مناورة عسكرية.
هذا التضارب الجوهري يضع مصير السلام على المحك ويشير إلى أن الثقة المفقودة لا تزال هي العقبة الأكبر أمام أي حل حقيقي.
وقال زاغروس هيوا، المتحدث باسم الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني لوكالة الصحافة الفرنسية مساء الاثنين، إن الحزب أبدى "جدية في السلام"، لكن "حتى الآن لم تقدم الدولة التركية أي ضمانات ولم تتخذ أي إجراء لتسهيل العملية"، مضيفاً أن تركيا واصلت "قصفها المدفعي" لمواقع الحزب، وهو ما يتناقض مع دعوات السلام.
وأكد هيوا أن "السلام الحقيقي يتطلب الاندماج، وليس النفي"، مضيفا "إذا كانت الدولة التركية تريد السلام بصدق وجدية، فيتعين عليها إجراء التعديلات القانونية اللازمة لدمج أعضاء حزب العمال الكردستاني في مجتمع ديمقراطي". وشدد على أن "النفي يتعارض مع السلام وأي حل ديمقراطي".
وتأتي هذه التطورات في ظل تصريحات قوية لمؤسس حزب العمال الكردستاني المسجون، عبدالله أوجلان، الأحد قائلا إن هناك حاجة إلى تحول جذري لإصلاح العلاقات بين تركيا والأكراد، في رسالة إلى أنقرة تفيد بأن الأكراد قاموا بما عليهم من خلال إحداث تحول جذري وأن الدور الآن على تركيا لتفي بتعهداتها.
ونقل أوجلان الضغط بوضوح إلى تركيا، خاصة بعد دوره المحوري في قرار حل الحزب، وفق المراقبين الذي يرون أن فشل تركيا في هذا الاختبار قد ينهي دور أوجلان التاريخي كزعيم لأكراد تركيا، ما يدفع إلى تذكير الأتراك بضرورة تنفيذ ما يتعلق بهم في مسار "التحول الكبير" وإعادة تأسيس "الأخوة الكردية-التركية" التي أضعفتها أربعون عاما من القتال.
وأعرب أوجلان عن توجسه من الموقف التركي الذي اكتفى بـ"إشادة باردة" وربط أي تفاعل بإنهاء الحزب إلقاء سلاحه بشكل كامل، وهو أمر يبدو صعبا لأن الحزب يطالب بخطوات تركية على الأرض تظهر جدية أنقرة في السير على طريق السلام قبل الاستمرار في تنفيذ خطوة نزع السلاح.
وتتعدد جهات القرار في تركيا، بين المسؤولين السياسيين والمؤسسة العسكرية والأمنية المناوئة للخيار التفاوضي، وتيار قومي يميني يرفض أي تنازلات للأكراد. وهذا المشهد المعقد يغذي مخاوف أوجلان من عدم التزام تركيا بالسلام الشامل، ويجعل مستقبل العلاقة التركية-الكردية محفوفا بالمخاطر.
وفي المقابل، يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ضرورة تسليم الحزب الكردي لسلاحه بالكامل وإنهاء ممارساته غير الشرعية كشرط لفتح "عصر جديد تماماً".
والأسبوع الماضي، صرّح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بأنه سيكون هناك تعاون بين بغداد وأربيل وأنقرة لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني.
وبدأ الصراع بين حزب العمال الكردستاني وتركيا عام 1984، بهدف إقامة دولة للأكراد الذين يشكّلون حوالي 20 في المئة من سكان تركيا البالغ عددهم 85 مليون نسمة. وقد قُتل منذ ذلك الحين أكثر من 40 ألف شخص.
ووصف أوجلان العلاقة التركية-الكردية بأنها "أشبه بعلاقة أخوية مقطوعة. يتقاتل الإخوة والأخوات، لكنهم لا يستطيعون العيش دون بعضهم بعضاً" داعياً إلى "اتفاق جديد قائم على مفهوم الأخوة". وأضاف "يجب أن نزيل (...) كل الفخاخ وحقول الألغام التي تفسد هذه العلاقة، وإصلاح الطرق والجسور المقطوعة".