من الإعدام إلى التهريج… بزشكيان في مرآة الواقع الإيراني

من الإعدام إلى التهريج… بزشكيان في مرآة الواقع الإيراني

عندما تستمع إلى خطابات مسعود بزشكيان أو تقرأ تصريحاته، يخال لك أنك أمام رجل هبط لتوّه على إيران، لا يعلم شيئاً عن واقعها، ولا كأنه رئيس لجمهوريةٍ غارقة في القمع والفقر والتدهور.

من الإعدام إلى التهريج… بزشكيان في مرآة الواقع الإيراني

حفظ الصورة
مهدي عقبائي
وکالة الانباء حضر موت

رئيس مقرّب من خامنئي، يتهرّب من واقع الإعدامات والفقر والهجرة… ويقدّم الوهم بدل الحلول 

عندما تستمع إلى خطابات مسعود بزشكيان أو تقرأ تصريحاته، يخال لك أنك أمام رجل هبط لتوّه على إيران، لا يعلم شيئاً عن واقعها، ولا كأنه رئيس لجمهوريةٍ غارقة في القمع والفقر والتدهور. يتحدّث وكأنّه لم يُقسم الولاء للولي الفقيه، ولم يكن شريكاً مباشراً في نظامٍ حطّم البلاد، ولم يشهد عقوداً من الجرائم، بل يظهر كواعظٍ أخلاقي، ينصح الناس ويُلقي عليهم مسؤولية الفشل، بينما هو يتنصّل من كل دور فعلي في المأساة الجارية. 

وفي أحدث تصريحاته، قال بزشكيان إنّ «مستقبل البلاد يُصنع من خلال الأطفال، وكلّ ما نعلّمه لهم سيكون شكل الغد». لكن هل بزشكيان يجهل فعلاً ما يُعلَّم في مدارس الجمهورية الإسلامية؟ هل لا يعلم أنّ كتب اللغة الفارسية تصوّر مشاهد الإعدام في الشوارع؟ هل لا يعلم أنّ الكتب المدرسية تُلقّن الأطفال الرياضيات من خلال أرقام التظاهرات الرسمية، وأنّ المدارس تخضع لضوابط أمنية ومذهبية، وأنّ شرطة الأخلاق تدخل الصفوف باسم العقيدة والانضباط؟ 

هل يجهل بزشكيان أنّ نظامه أرسل مئات آلاف الأطفال إلى جبهات الموت خلال حرب الثمانينات، باسم الجهاد والولاية؟ هل لا يعلم أنّ مئات آلاف الطلاب تركوا الدراسة فقط لأنهم لا يملكون تكلفة الحقيبة والكتاب؟ وهل لم يرَ كيف تحوّلت الجامعات إلى ثكنات فكرية وأمنية، تُفرَض فيها الإيديولوجيا بالقوة؟ هل لم يُدرك بعد أن هذه «التربية» التي يتحدث عنها هي التي خرّجت جيلاً غاضباً شارك في انتفاضة 2022 مردّداً: «الموت لخامنئي» و«لا لولاية الفقيه»؟ 

لكن بزشكيان لا يقف هنا. إذ يصف الشباب الذين يهاجرون بسبب القمع أو الضائقة المعيشية بأنهم «ضعفاء»، ويقول عنهم: «يجب أن يواجهوا المشاكل بدل أن يغادروا». وهذا في وقتٍ تعترف فيه حتى الصحف الحكومية بأنّ 70% من الإيرانيين لا يستطيعون السفر داخل البلاد، وأنّ الآلاف من الأطباء والمهندسين هربوا من نظام لا يقدّر الكفاءة إلا إن كانت تحت عباءة العمامة

وفي تفسيره لأزمة الكهرباء، قدّم بزشكيان وصفةً عبقريةً لحلّ الأزمة: «نطفئ بعض المصابيح ونرفع درجة المكيّف»، وقال إنّ «الناس هم من يستهلكون الكهرباء بشكل غير معقول». لم يذكر شيئاً عن مزارع البيتكوين الضخمة التي تديرها مافيا الحرس النظام، ولا عن استنزاف الكهرباء لصالح مشاريع مشبوهة، ولا عن تهالك البنية التحتية وسرقة الموارد. بالنسبة له، المشكلة في أن المواطن شغّل ثلاثة مصابيح في الغرفة

بزشكيان في موقعه كرئيس مقرّب من خامنئي، لم يجرؤ حتى على إدانة 1142 حالة إعدام تمّت خلال الأشهر العشرة الأولى من ولايته. لم ينبس ببنت شفة حول جرائم القضاء، ولا تحدث عن التمييز، ولا عن الاعتقالات، ولا عن النساء المحرومات من أبسط حقوقهن. لكنه لا يتوقّف عن تقديم النصائح حول كيف نصبح «أمة متقدمة»! 

هذا الرجل، في نهاية المطاف، ليس غريباً عن النظام، بل هو نتاجه وممثله الرسمي، بصفته رئيساً مُعيّناً من قبل خامنئي، تمّ فرضه عبر انتخابات صورية قاطعها معظم الشعب. هو ليس فقط شاهد زور على جرائم النظام، بل أحد أدوات تلميعه وتبريره. وكلامه لا يعدو كونه محاولة باهتة لتضليل الرأي العام وإخفاء الحقيقة الساطعة: أنّ النظام برمّته، ومعه كلّ من يخدمه، بات عارياً أمام الشعب، وأيّ محاولة للتهريج لم تعد تجدي في وجه جيلٍ لم يعد يساوم على كرامته وحقه في الحرية