فرنسا تحاول استعادة زمام المبادرة الأوروبية في الملف الأوكراني

وكالة أنباء حضرموت

 في أجواء مشحونة بالتوتر وميدان مثقل بالدمار، استضافت العاصمة الفرنسية سلسلة اجتماعات أولية حول أوكرانيا الخميس، جمعت مسؤولين من الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا، في محاولة جديدة لإحياء مفاوضات وقف إطلاق النار التي أطلقتها واشنطن وتعثر مسارها في الأسابيع الأخيرة.

ووصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو اللقاء بأنه “صريح ومفتوح للغاية،” ما مثّل خطوة نادرة جمعت الأطراف الثلاثة الرئيسية للمرة الأولى حول طاولة واحدة، في وقت تسعى فيه باريس، ومعها العواصم الأوروبية، إلى تثبيت حضورها في أيّ تسوية مرتقبة للنزاع الذي دخل عامه الرابع.

وأشار بارو إلى أن المباحثات سمحت بتحفيز التفكير المشترك بين الأوروبيين والأوكرانيين والأميركيين، مضيفًا أن الاتفاق تم على عقد جولة جديدة من المحادثات الأسبوع المقبل في لندن، على أمل أن تنضم روسيا لاحقا إلى مسار وقف إطلاق النار. إلا أن هذا الطموح يصطدم بواقع ميداني معقد واصطفافات سياسية غير مستقرة.

ورأت الرئاسة الفرنسية أن أيّ وقف لإطلاق النار لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا، وهو ما يمثل نقطة خلاف جوهرية، خصوصا مع ما تراه موسكو خطوطًا حمراء، أبرزها وجود أيّ قوة عسكرية متعددة الجنسيات على الأراضي الأوكرانية حتى في حال التوصل إلى سلام.

ولم يخف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استياءه من بعض الأطراف، متهمًا المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف بـ“تبني الإستراتيجية الروسية،” ما يعكس عمق الهوة بين واشنطن وكييف بشأن شروط التسوية.

وبينما كان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو يغرّد عن هدف “إنهاء الحرب ووقف حمام الدم،” كانت الضربات الروسية تواصل قصفها، موقعة 12 قتيلًا الخميس، و35 آخرين قبل أيام في سومي، فيما شهدت مدينة دنيبرو هجومًا ضخمًا بطائرة مسيّرة أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين.

◙ محللون يرون أنه مع الضغط الأميركي الذي دفع كييف للموافقة على هدنة مؤقتة لمدة 30 يومًا يبدو أن الطريق نحو تسوية لا يزال طويلا وشاقا

وفي ظل هذا التصعيد، لا تبدو روسيا مستعدة لأيّ تهدئة، إذ اتهم المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الأوروبيين بأنهم “يريدون مواصلة الحرب،” كما اتهم مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين دولًا لم يسمّها بمحاولة تعطيل الحوار المتجدد بين موسكو وواشنطن.

في موازاة ذلك، يتابع ستيف ويتكوف لقاءاته مع المسؤولين الروس، في ثالث زيارة له إلى موسكو منذ بداية الشهر، مشيرًا إلى أن المفاوضات باتت على وشك تحقيق تقدم. ويرى محللون أنه مع الضغط الأميركي الذي دفع كييف للموافقة على هدنة مؤقتة لمدة 30 يومًا، تجاهلتها روسيا تمامًا، يبدو أن الطريق نحو تسوية لا يزال طويلًا وشاقا.

وتحاول باريس، التي تسعى مع لندن إلى قيادة ما يسمى بـ”تحالف المتطوعين” الداعم لأوكرانيا، تأمين شكل من أشكال الحماية في حال تحقق وقف إطلاق النار. إلا أن أيّ وجود عسكري أوروبي يُعد بالنسبة إلى موسكو استفزازا مباشرا.

وفي هذا الإطار، استقبل الرئيس إيمانويل ماكرون نظيره الأميركي روبيو والمبعوث ويتكوف في قصر الإليزيه لغداء عمل، بينما تواصلت اللقاءات طوال اليوم مع مسؤولين أوكرانيين ومستشارين أمنيين بريطانيين وألمان، في مشهد يعكس كثافة التحركات الدبلوماسية وسط انقسام في الأهداف. ولم تكن المباحثات في باريس مقتصرة على الملف الأوكراني، فقد تطرقت أيضًا إلى الوضع الإقليمي والبرنامج النووي الإيراني.

ووسط قلق متزايد من قرب امتلاك إيران لقدرات نووية، كشفت مصادر دبلوماسية عن جولة جديدة من المحادثات بين طهران وواشنطن السبت المقبل في روما، بوساطة عمانية. وتأتي هذه الجولة في وقت تقتصر فيه مشاركة الأوروبيين على دور المراقب، بعد أن كانوا أطرافًا أساسية في اتفاق 2015، في ظل قلق متنامٍ عبّر عنه المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي من طهران، محذرًا من ضيق الوقت المتاح للتوصل إلى حل.

وتجري كل هذه التحركات بينما لا تزال نيران الحرب في أوكرانيا مشتعلة، وتستمر الأطراف الدولية في لعب أدوار متباينة بين الضغط والتقارب والمناورة، في مشهد يعكس تعقيد النزاع وتشابك مصالح اللاعبين الأساسيين.