توقيت الإعلان عن الاتفاق بين الجزائر وموريتانيا أهم من الاتفاق نفسه
وقعت الجزائر وموريتانيا اتفاقا للتعاون العسكري من دون الكشف عن محتواه، ما يجعل الهدف منه بالنسبة إلى الجزائر ليس نتائجه على المستوى الدفاعي، ولكن توقيته في وضع تشعر فيه الجزائر بأنها محاصرة بالتوترات الأمنية والدبلوماسية في ضوء الأزمة مع مالي ودول الساحل وفرنسا، بالإضافة إلى أزمات سابقة مع المغرب وإسبانيا.
ويمثل الاتفاق مع موريتانيا متنفسا للسلطات الجزائرية، تُفرح به نفسها إلى أن تسترد أنفاسها، وتُطمئن به الجزائريين على أن بلادهم ليست في عزلة تامة، وأنها قادرة على المناورة.
وتحس الجزائر بأنها قد ورطت نفسها على أكثر من جهة، ما يمكن أن يجعلها تمعن في ارتكاب المزيد من الأخطاء وزيادة الأعداء في محيطها، ومثل هذه الأخطاء ليست من مصلحة أحد. والوصول إلى اتفاق، بقطع النظر عن محتواه، من شأنه أن يحد من سياسة التصعيد وإطلاق الاتهامات في اتجاهات مختلفة، ويمكن أن يوفر فرصة لمراجعة المواقف والبحث عن توسيع دائرة التهدئة.
ويقلل مراقبون من أهمية النظر إلى الاتفاق الدفاعي بين الجزائر وموريتانيا على أنه تحالف أو اصطفاف في القضايا الإقليمية، مشيرين إلى أن نواكشوط حرصت في أكثر من مناسبة على تأكيد وقوفها على مسافة متساوية بين الجزائر والمغرب، وأنها تحتفظ بعلاقات مميزة معهما، ولا يمكنها أن تكون أداة في يد أي دولة إقليمية ضد أخرى.
الوصول إلى اتفاق، بقطع النظر عن محتواه، من شأنه أن يحد من سياسة التصعيد الجزائرية، ويمكن أن يوفر فرصة للبحث عن توسيع دائرة التهدئة
وبدا الحياد الموريتاني جليا في الموقف من العرض الجزائري بشأن لقاءات التجمع الثلاثي بين الجزائر وتونس وليبيا، حيث لم تبد نواكشوط أي تحمّس لهذا الهيكل. وغاب الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني عن اجتماع الجزائر الذي ضم رؤساء تونس والجزائر وليبيا على هامش قمة الغاز في مارس 2024، وفُسر ذلك بأنه نأي من نواكشوط بنفسها عن هذا الملف.
ورجح المراقبون أن يكون محور الاتفاق الدفاعي بين الجزائر وموريتانيا هو التنسيق بشأن التطورات في مالي نتيجة التوجس من الانفلات الأمني وامتداد المواجهات إلى الداخل الموريتاني أو الجزائري، مستبعدين أن يمهد لأي تدخل مباشر في الصراع بمالي.
وتتواصل ملاحقات الجيش المالي، المدعوم من طرف مجموعة فاغنر الروسية، للفصائل الأزوادية المسلحة إلى المسافة صفر مع الحدود الجزائرية. وتنشط على طول الحدود بين موريتانيا ومالي الكثير من التنظيمات التي توصف بـ”المتشددة”، من بينها فرع “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” وحركة “أزواد”.
ويؤهل متابعون لشؤون المنطقة موريتانيا لأن تكون الوسيط المحتمل الموثوق لرأب الصدع الذي ضرب العلاقات الجزائرية – المالية، وعموم دول الساحل، خاصة بعد حادثة الطائرة المسيرة المالية التي أسقطها الجيش الجزائري مطلع الشهر الجاري بعد اختراقها المجال الجوي.
ووقع الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الجزائري، ورئيس أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة، ووزير الدفاع الموريتاني حننه ولد سيدي، اتفاق تعاون في مجال الدفاع. وعقد الوزيران لقاءات ثنائية وموسعة بين ضباط سامين في المؤسستين العسكريتين، تم خلالها التطرق إلى التطورات الأمنية في منطقة شمال أفريقيا والقارة الأفريقية، كما تبادلا وجهات النظر حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وأكد سعيد شنقريحة على أن “الجزائر وموريتانيا، بحكم الروابط الجغرافية والتاريخية، والثقافية التي تجمعهما، يتقاسمان نفس الطموحات والتحديات، وأن التعاون بين البلدين يعد نموذجا يحتذى به في التعاون والتكامل بين الدول العربية والأفريقية.”
وشدد على “الأهمية الإستراتيجية للعلاقات الجزائرية – الموريتانية، وعلى ضرورة تعزيز العمل المشترك بين البلدين، وفق رؤية متكاملة ترتكز على الحوار والتنسيق وتبادل الخبرات، لاسيما وأن التحديات الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية التي تواجه المنطقة، تتطلب تعزيز العمل المشترك على كافة الأصعدة.”
ومن جانبه أشاد وزير الدفاع الموريتاني بـ”عمق علاقات الأخوة وحسن الجوار التي تجمع الشعبين الشقيقين، والدور الريادي الذي تلعبه الجزائر في سبيل استتباب الأمن في المنطقة.”
وتوسع مستوى التعاون الثنائي بين الجزائر وموريتانيا في السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما انعكس في تبادل الزيارات بين الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والمشاريع المشتركة على غرار بناء طريق بري يربط بين تيندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، على مسافة تقدر بنحو 800 كيلومتر، ومعبر حدودي ومنطقة للتجارة الحرة.
وكان رئيس أركان الجيش الجزائري الجنرال سعيد شنقريحة قد قام في نهاية العام الماضي بزيارة إلى موريتانيا بدعوة من قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية الجنرال المختار بله شعبان، لأغراض مماثلة، وهي الزيارة التي رد عليها بالمثل وزير الدفاع الموريتاني.