سلام في دمشق: خطوة في طريق طويل لتصحيح المسار
تعكس زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام إلى سوريا اليوم الاثنين لمناقشة حلحلة عدة ملفات عالقة مع القياة السورية الجديدة سعيا لبنانيا لتصحيح مسار العلاقات مع دمشق، إلا أن نجاح الزيارة سيقاس بمدى جدية الالتزامات التي ستخرج من دمشق، وقدرة بيروت على تثبيت استقلال قرارها.
وقال مصدر مقرب من رئيس الحكومة اللبنانية، الأحد، إن الزيارة إلى دمشق ستكون “تأسيسية” للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع بهدف “تعزيز الحلقات وتصحيح المسار” في العلاقات بين البلدين. ويرافق سلام في زيارته كل من وزراء الدفاع ميشال منسّى والداخلية أحمد الحجار والخارجية يوسف رجّي.
ولفت المصدر إلى أن الزيارة تهدف أيضا إلى وضع إطار صحي وصحيح لهذه العلاقات على قاعدة دولتين سيدتين في ظل الاحترام المتبادل. وبحسب المصدر ذاته سيتخلل الزيارة بحث ملفات عدة، أهمها ضبط الحدود ومنع التهريب وتشديد الأمن على جميع المعابر الحدودية وإغلاق المعابر غير الشرعية، ومنع تجدد الاشتباكات ومواكبة عملية ترسيم الحدود وفق مبادرة السعودية.
وأشار إلى أن على جدول أعمال الزيارة بحث ملف اللاجئين السوريين في لبنان وكيفية العمل على إعادتهم وكيفية توفير الظروف الملائمة لذلك داخل سوريا. كما كشف المصدر أن الزيارة ستبحث الشروع في استثمارات جديدة، ومسألة المفقودين اللبنانيين الذين كانوا معتقلين أيام نظام البعث المخلوع.
ومنذ إسقاط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر الماضي تعمل الإدارة السورية الجديدة على ضبط الأوضاع الأمنية في البلاد، وبسط السيطرة على الحدود مع دول الجوار، لاسيما لبنان، بما يشمل ملاحقة مهربي المخدرات وفلول النظام السابق الذين يثيرون قلاقل أمنية.
وتعزز هذا التوجه في ضوء التوتر الأمني الذي شهدته الحدود السورية - اللبنانية في منتصف مارس الماضي، إثر اتهام وزارة الدفاع السورية لـحزب الله باختطاف وقتل 3 من عناصرها، وهو ما نفاه الحزب. وتتسم الحدود اللبنانية - السورية بتداخل جغرافي معقد، إذ تتكوّن من جبال وأودية وسهول تخلو في الغالب من علامات واضحة تحدد الخط الفاصل بين البلدين اللذين يرتبطان بستة معابر برية تمتد على طول 375 كيلومترا.
ويرى الخبير في الشؤون الإستراتيجية والعلاقات الدولية، الدكتور إياد المجالي، أن التقارب بين لبنان وسوريا يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى. ويشير المجالي إلى أن هذا التقارب قد يكون خطوة نحو كسر القيود السابقة، أو ربما يكون طوق نجاة للمصالح المشتركة بين البلدين، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهانها.
تواجه كل من سوريا ولبنان جملة من التحديات المشتركة، متداخلة جغرافيا وسياسيا واقتصاديا، وتجعل من أي محاولة لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين عملية معقدة تتجاوز الطابع الثنائي التقليدي، وتمسّ الأمن الإقليمي بمجمله. وتشكل هذه الخلفيات ضغطًا مضاعفًا على نتائج زيارة نواف سلام إلى دمشق، ما يجعلها بداية لاختبار طويل النَفَس على أكثر من مستوى. وأول التحديات هو التهريب عبر الحدود، وهو ملف مزمن يعتبر من أخطر النقاط الساخنة بين البلدين.
ولطالما استخدمت شبكات تهريب منظمة المعابر غير الشرعية في نقل المحروقات والبضائع والمواد المخدرة، لاسيما الكبتاغون، وهو ما ألحق أضرارًا اقتصادية مباشرة بالاقتصاد اللبناني، وسمح بتمويل جماعات خارجة عن القانون داخل سوريا، بمن في ذلك فلول النظام السابق. وعلى الرغم من المحاولات المتفرقة لضبط الحدود، فإن غياب التنسيق الأمني المؤسسي وهيمنة المجموعات المسلحة على بعض المناطق الحدودية أعاقا التقدم في هذا الملف.
ويمثل ملف اللاجئين السوريين في لبنان تحديًا إنسانيًا واجتماعيا وسياسيا في آن واحد، إذ يستضيف لبنان نحو 1.5 مليون لاجئ سوري في ظروف اقتصادية مأساوية، حيث تتعالى الأصوات اللبنانية المطالبة بإعادتهم إلى سوريا، خصوصًا في ظل الضغوط الدولية المتزايدة. إلا أن العودة الآمنة والكريمة لا تزال رهينة تعقيدات أمنية وسياسية في الداخل السوري، فضلًا عن غياب ضمانات حقيقية من دمشق بشأن عدم التعرض للعائدين، ما يعرقل أي خطة لإعادة التوطين أو إعادة الإعمار.
وتمثل تحديات ترسيم الحدود البرية والبحرية، وهي قضية لم تُحسم نهائيًا بين البلدين، أبرز الملفات العالقة ذات الأبعاد الأمنية والسياسية لاسيما في مناطق البقاع الشمالي وعكار، إضافة إلى مناطق في البحر المتوسط.
وتحتاج هذه الملفات إلى آليات تفاوضية متخصصة وحيادية، تنأى عن الحسابات السياسية، وتركز على مصالح الدولتين بعيدًا عن نفوذ الجهات غير الرسمية. وتحاول القيادة السورية الجديدة تقديم إشارات انفتاح، في ظل أولوياتها الرامية إلى إعادة ضبط الداخل السوري ومكافحة فلول النظام السابق والمهربين، وهي ملفات تتقاطع مباشرة مع هواجس الدولة اللبنانية. لكن يبقى التحدي كامنا في المدى الذي ستذهب إليه دمشق في تقديم ضمانات حقيقية، بعيدًا عن التوظيف السياسي أو الابتزاز بالمصالح المتبادلة.
ويرى محللون أن الزيارة بحد ذاتها ليست سوى بداية طريق طويل، يفترض أن تقاس نتائجه بمرور الوقت، عبر مؤشرات واضحة تبدأ بضبط الحدود ووقف التهريب، ولا تنتهي بإعادة اللاجئين وتأمين بيئة سياسية وأمنية تسمح بعودة العلاقات اللبنانية - السورية إلى طبيعتها، على قاعدة السيادة والمصالح المشتركة. ويشير هؤلاء المحللون إلى أنه ما لم تترجم النوايا إلى التزامات حقيقية، ستبقى زيارة سلام خطوة رمزية في مسار لا يزال محفوفًا بالشكوك.