انسداد الأفق أمام بوليساريو يدعم التفاوض على أساس مقاربة الحكم الذاتي
تزايد منسوب فقدان الثقة في المشروع الانفصالي لجبهة بوليساريو، في ظلّ الاحتقان القائم بمخيمات تندوف وموجة عصيان غير مسبوقة ومواجهات بين المحتجزين بالمخيمات والجيش الجزائري، بعد مقتل أحد المدنيين العزل ينتمي إلى قبيلة ولاد دليم، بالرصاص وإصابة آخرين بالقرب من منطقة العركوب.
وتداول رواد صفحات التواصل الاجتماعي مقاطع مصوّرة على منصة إكس لاحتجاجات تضمنت تهديدات من المحتجين بالرحيل إلى المغرب، في ظل تصاعد الغضب من عنف الجيش الجزائري وقمع قوات بوليساريو، ما يعكس أزمة داخل المخيمات تتشابك فيها قضايا إنسانية وسياسية وحقوقية، تهدد استقرار المنطقة التي تديرها الجزائر بدعمها للجبهة الانفصالية.
واندلعت الاشتباكات بعد تدخل الجيش الجزائري بعنف لقمع تحركات احتجاجية، مما أسفر عن سقوط ضحايا، ودفع السكان إلى رفع شعارات تهدّد بالعودة إلى المغرب، في تحدٍّ علني لبوليساريو والجزائر.
وقال منتدى دعم مؤيدي الحكم الذاتي بمخيمات تندوف، (فورساتين)، إن “هذا الحادث الدموي يؤكد مجددا أن المخيمات ليست سوى سجن كبير، تديره أياد جزائرية وتتحكم فيه قيادة وهمية لا تملك من أمرها شيئا، وتستعمل كأداة في لعبة سياسية قذرة، تهدف إلى التغطية على إخفاقات الجزائر الإقليمية.”
وأكد المنتدى في بيان له أن “بوليساريو تواجه انحدارا خطيرا على جميع المستويات، انعكس بشكل مباشر على مقدراتها المالية وتسبب في انهيارها وقرب نفاد مدخراتها بسبب سوء الإنفاق والفساد المالي وتضاعف المصاريف لإطفاء المشاكل المتصاعدة بمختلف المجالات داخليا وخارجيا، وما صاحب ذلك من ضغط مباشر على ميليشياتها التي بسبب كثرة الاحتجاجات والانفلاتات الأمنية.”
وتزامنت هذه الاحتجاجات بالموقف الأميركي الداعم لسيادة المملكة، وانسداد أفق المطالب الانفصالية، حيث دعا الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجزائر وجبهة بوليساريو إلى الدخول في مفاوضات دون تأخير، على أساس مبادرة الحكم الذاتي المغربية التي وصفها بيان رسمي بأنها الإطار الوحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين.
وأوضح خالد شيات أستاذ العلاقات الدولية أنه “مع الموقف الثابت والواضح والدائم لواشنطن من سيادة المغرب على صحرائه ودعم مبادرة الحكم الذاتي، يكبح جموح توجهات دعم الانفصال في الصحراء المغربية من خلالها الجزائر التي تدعم الرؤية الإيرانية في المنطقة، فالمغرب وضع القواعد التي يجب أن تكون فيها مسارات إيجاد الحل لهذا الملف لأن الأمر يتعلق بالصحراء المغربية، وإذا كان الطرف الآخر يريد حل هذا الملف فيجب أن ينضبط للمقررات الأممية في هذا الشأن.”
وأضاف لـ”العرب” أنه “مع الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي وتكرار الجزائر لموقفها كملاحظ، لم يعد يُقنع أحدًا، لأنه يتناقض مع الواقع الذي يشير بوضوح إلى أن الجزائر هي الفاعل الرئيسي في هذا النزاع لكسب الوقت لأنها تدرك أن الظروف الدولية والإقليمية لم تعد في صالحها،” مشيرا إلى أن “الجزائر بسياستها الحالية التي تتّسم بالإصرار على رفض الاعتراف بدورها كطرف في النزاع، وتعيق أيّ فرصة للتوصل إلى حل نهائي، واستمرارها في إنكار هذا الدور، لا يؤدي سوى إلى تعقيد الأمور وإطالة أمد الأزمة دون حلول.”
ولفت شيات إلى أن “هذا الأمر سيكون مؤثرا في الشكل التصاعدي في السنوات القادمة، لدفع باقي أطراف مجلس الأمن للوصول إلى حل تفاوضي جماعي، يكون حلا سلميا واقعيا مستندا على مقترح الحكم الذاتي المغربي، ويحيل أيضا إلى أنه لا بد من حضور طرف آخر في هذا النزاع وطرف أو أطراف مباشرة وأخرى يمكن أن تلتحق بشكل أساسي لإيجاد حل تفاوضي.”
ويشترط المغرب أنه لا يمكن السير في عملية سياسية خارج إطار الموائد المستديرة التي حددتها الأمم المتحدة بمشاركة كاملة من الجزائر وبوليساريو، ولا حلّ خارج إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي، ولا عملية سياسية جدية في وقت ينتهك فيه وقف إطلاق النار يوميا من قبل ميليشيات بوليساريو.
ومع قرب عقد مجلس الأمن الدولي، غدا الاثنين، جلسة بالغة الأهمية، حول ملف الصحراء المغربية، أبلغت المسؤولة الرفيعة للشؤون السياسية بوزارة الخارجية الأميركية ليزا كنا المبعوث الأممي للصحراء ستيفان دي ميستورا، عقب لقائهما، أن مبادرة المغرب للحكم الذاتي، تحت السيادة المغربية، هي الحل الوحيدة لحل ملف الصحراء، ويجب على الأطراف الجلوس إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت للتفاوض على نتيجة مقبولة للطرفين، في سياق هذه المبادرة.
وأعلن النائب الجمهوري جو ويلسون عزمه تقديم مشروع قانون يصنّف بموجبه جبهة بوليساريو كمنظمة إرهابية، متهما قيادة الانفصاليين بـ”لعب دور مشبوه في خدمة مصالح قوى مناوئة للولايات المتحدة، محذرا إيران والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من ترسيخ موطئ قدم لهما في أفريقيا عبر بوليساريو”، مؤكدا أنه “يتقاطع مع موقف السيناتور ماركو روبيو بخصوص وجاهة المبادرة المغربية للحكم الذاتي،” معتبرا إياها “الحل الوحيد القابل للتطبيق في تسوية النزاع.”