أطفال لا تبكي من الألم.. لغز وراثي يحير العلماء

وكالة أنباء حضرموت

في الوقت الذي تبكي فيه معظم الأطفال من أدنى وخزة إبرة أو سقطة على الأرض، هناك أطفال آخرون لا يذرفون دمعة واحدة، حتى مع كسر العظام أو الحروق.

هؤلاء الأطفال يعانون من حالة طبية نادرة تُعرف باسم فقدان الإحساس الخلقي بالألم، وهي اضطراب وراثي نادر يمنع الشخص من الشعور بأي ألم جسدي منذ الولادة.

ما هو فقدان الإحساس الخلقي بالألم؟

ويتسبب في هذه الحالة الغريبة خلل جيني نادر يُعطل قدرة الجسم على إرسال إشارات الألم إلى الدماغ، والأشخاص المصابون به لا يشعرون بالألم إطلاقًا، على الرغم من أنهم قادرون على الإحساس باللمس والحرارة والضغط بدرجات مختلفة.

وهذا يعني أن طفلا مصابا بكسر في الذراع، أو مصابا بحروق خطيرة، قد لا يظهر عليه أي انزعاج، وهو ما يجعل التشخيص والعلاج في الوقت المناسب تحديا كبيرا.

حالة نُدرة للغاية
وبحسب دراسة نُشرت في مجلة "نيتشر ريفيوز نيرولوجي"، تُعد هذه الحالة من أندر الاضطرابات العصبية، حيث تم تسجيل أقل من 100 حالة مؤكدة مستوى العالم حتى العقد الأخير، وغالبا ما تظهر في مجتمعات بها معدلات مرتفعة من الزواج بين الأقارب، مما يزيد احتمال انتقال الجينات المتنحية المسؤولة عن الاضطراب.

خلل في جين ناقل الألم
وتوصل العلماء إلى أن الطفرات في الجين المعروف باسم " SCN9A " هي السبب الأكثر شيوعا في الإصابة، فهذا الجين مسؤول عن إنتاج قناة صوديوم حيوية تُستخدم في إرسال إشارات الألم من الأعصاب إلى الدماغ.

وفي دراسة رائدة نُشرت في مجلة "نيتشر" عام 2006، وجد الباحثون أن الطفرات التي تُعطل عمل هذا الجين تؤدي إلى غياب كامل لإشارات الألم، وبالمفارقة، فإن أدوية تسكين الألم الحديثة أصبحت تُصمم خصيصا لاستهداف هذا الجين، في محاولة لتقليد تأثيره في الحالات العادية.

غياب الألم خطرا قاتلا
وبالرغم من أن غياب الألم قد يبدو وكأنه "قوة خارقة"، إلا أنه في الواقع يشكل خطرا كبيرا. فالألم ليس مجرد إحساس مزعج، بل هو نظام إنذار بيولوجي يحذرنا من الأذى، والأطفال المصابون بهذا الخلل عادة ما يتعرضون لإصابات متكررة، مثل عضّ ألسنتهم حتى النزف دون وعي، المشي على أقدام مكسورة، لمس مواقد ساخنة دون شعور بالحروق.

ووثقت دراسة نُشرت في دورية "برين"، حالة طفلة كانت تأكل دون الشعور بجروح في فمها، مما أدى إلى فقدان معظم أسنانها اللبنية مبكرا بسبب الإصابات المتكررة.

وتقول والدة طفل مصاب من بريطانيا في مقابلة مع "بيبي سي": "في البداية ظننا أنه شجاع للغاية، لا يبكي مهما حدث، لكن سرعان ما أدركنا أن هذه الشجاعة ليست طبيعية، بل مرض خطير يهدد حياته".

وتضيف: "لا نستطيع تركه وحده ولو لدقائق، لأن أي شيء بسيط من سقوط أو حافة حادة، قد يتحول إلى كارثة دون أن يشعر أو يشتكي".

الأمل في العلاج

حتى الآن، لا يوجد علاج نهائي لهذه الحالة الغريبة، لكن الأبحاث مستمرة لفهم آليات الألم في الجسم وتطوير بدائل دوائية أو جينية.

وفي المقابل، تعتمد الوقاية على التوعية الأسرية، واستخدام أدوات حماية خاصة، ومتابعة طبية دقيقة لتفادي الإصابات الصامتة.

ومن ناحية أخرى، ساهمت دراسة هذا الخلل النادر في تطوير جيل جديد من مسكنات الألم التي تستهدف قنوات الصوديوم العصبية المسؤولة عن الألم المزمن، مثل تلك المرتبطة بأمراض السرطان أو الالتهابات العصبية.