البرهان يستعين بالسعودية لوضع حد لتضارب مواقفه في البحر الأحمر

وكالة أنباء حضرموت

 يتجه رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان إلى حسم تناقضاته الخارجية بعد انتصاره في معركة الخرطوم على قوات الدعم السريع عسكريا وسياسيا، وجمعت تصوّراته خلال الفترة الماضية بين قوى كان وجودها في السودان سيغير من بعض المعادلات الإقليمية، فقد بدا منفتحا على روسيا وإيران، ما جعل الأمن في البحر الأحمر في مرمى نيران جديدة، خوفا من أن تضع الدولتان أقدامهما في السودان.

وأراد البرهان من زيارته إلى السعودية، الجمعة، وضع حد لتناقضات مواقفه في البحر الأحمر، وتأكيد أن استخدامه لورقتي موسكو وطهران، كان تكتيكيا والهدف منه الضغط على الولايات المتحدة، ولا يملك رفاهية التوجه الإستراتيجي بالانحياز إلى روسيا وإيران، وهي رسالة أراد الرجل أن تقوم الرياض بتوصيلها إلى واشنطن.

واتجه البرهان إلى السعودية بعد أن حسمت موقفها الرسمي من الوضع في السودان وقرّرت الانحياز إلى فريق الجيش على حساب الدعم السريع، وتجاوزت توقعات سابقة رجحت تأييد كفة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حرب السودان، إذ أرسل بضعة آلاف من جنوده لمساندة السعودية في حرب اليمن وكان أولى أن تسانده الرياض لكنها اختارت طريقا رماديا.

وقال مراقبون إن ظهور ملامح لتفوق الجيش عسكريا لعب دورا مهما في حسم موقف السعودية، والتي تريد أن تستأنف مشروعها بالتعاون مع الولايات المتحدة للعودة إلى التسوية السياسية على قاعدة إعلان منبر جدة الذي تعرض لانتكاسة الفترة الماضية، وهو ما سيفكّر فيه البرهان بعد انتصارات الجيش العسكرية، وفرض شروطه على قوات الدعم السريع التي كسرت شوكتها في الخرطوم.

ويضيف المراقبون أن البرهان كان يريد أن يكرر دور قطر، من حيث جمع الكثير من المتناقضات في آن واحد لتحقيق أهدافه، إلا أن الاستنزاف الذي يعانيه السودان لن يسعفه لتكرار أدوار قطر المركبة في المنطقة، والتي أصبح انفتاحها على جهات متصارعة جزءا من توجهاتها الخارجية.

ومن المتوقع أن يستخدم قائد الجيش السوداني ورقة البحر الأحمر لطمأنة السعودية والتأكيد أنه لا ينوي الموافقة على أي قواعد عسكرية لروسيا أو إيران أو تركيا، وأنه عازم على ترك هذه الورقة، مقابل الحصول على تطمينات بمساعدات اقتصادية منها، وتطوير علاقته مع الإدارة الأميركية الراغبة في إنهاء الحرب والتي تربطها علاقات وطيدة مع الرياض حاليا في مجال تسوية الصراعات الإقليمية والدولية.

وبحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس الوزراء في مكة مع البرهان المستجدات والجهود المبذولة بما يحقق الأمن والاستقرار في السودان، واستعرض الجانبان آفاق التعاون الثنائي، وإنشاء مجلس تنسيق يعنى بتعزيز العلاقات الثنائية في شتى المجالات.

◄ السعودية قررت الانحياز إلى الجيش على حساب الدعم السريع التي سبق وأرسلت قوات لدعم المملكة في اليمن

وحضر لقاء الأمير محمد بن سلمان مع البرهان عدد من المسؤولين السعوديين، من بينهم الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية، والأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع، والأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، ما يوحي باهتمام سعودي بالغ بالزيارة.

وأكدت السعودية على موقفها الثابت تجاه دعم أمن السودان واستقراره، ووحدة أراضيه، ودعت الأطراف المختلفة إلى تغليب مصلحة البلاد على أي مصالح فئوية، وتجنيب السودان مخاطر الانقسام والفوضى.

وزار وفد رفيع برئاسة السفير السعودي في السودان علي بن جعفر بورتسودان قبل أيام، ضم أعضاء من وزارة الخارجية والصندوق السعودي للتنمية، ومركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، وسلّم الوفد سلطات مطار بورتسودان جهازاً للمسح الضوئي على البضائع ضمن حزمة مساعدات للبنية التحتية في السودان.

وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” عن وجود وساطة تقوم بها السعودية لحل الخلافات بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن جهود تبذلها الرياض بالتنسيق مع واشنطن لتهيئة الأجواء أمام العودة إلى منبر جدة، وعدم تجاهل الدور الحيوي الذي لعبته الإمارات في اللجنة الرباعية التي ضمّتها والسعودية والولايات المتحدة والأمم المتحدة قبل اندلاع الحرب بين الجيش والدعم السريع.

وأكدت المصادر ذاتها أن تناقضات البرهان لن تنتهي ما لم يكفّ مسؤولون في الجيش عن توجيه انتقادات إلى دولة الإمارات التي لها مواقف مشرفة في دعم السودان، وينتمي هؤلاء المسؤولون إلى جماعة الإخوان التي تريد قطيعة مع الإمارات بسبب مواقفها الرافضة لتوجهاتهم السياسية ومحاولاتهم إبقاء السودان في مستنقع الحرب.

وحاولت قيادات في الجيش السوداني تشويش التوجه بالتعاون مع أخطر طرفين في المعادلة الإقليمية وهما إيران وتركيا بتوجيه أصابع اتهام عن شكوى للمحكمة الجنائية الدولية تطالبها باتخاذ تدابير طارئة ضد دولة الإمارات.

عادل سيد أحمد: دولة الإمارات قدمت دعما كبيرا ومتنوعا للشعب السوداني وفي أوقات مختلفة

وقالت محكمة العدل الدولية، الجمعة، إنها ستنظر في دعوى رفعها السودان وطالب فيها باتخاذ تدابير طارئة ضد دولة الإمارات، متهما إياها بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، من خلال تسليح قوات شبه عسكرية.

وقال مسؤول إماراتي إن تحرك القوات المسلحة السودانية لدى محكمة العدل الدولية “ليس سوى مناورة سياسية وحيلة دعائية، ومحاولة لجرّ صديق قديم لأفريقيا إلى الصراع الذي أشعلته وأججته بنفسها.. ولا تزال الإمارات متمسكة بالتزامها الإنساني تجاه الشعب السوداني، وتركز على التخفيف من وطأة الكارثة الإنسانية التي تسبب بها الطرفان المتحاربان”.

وأوضح المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد أن دولة الإمارات قدمت دعما كبيرا ومتنوعا للشعب السوداني وفي أوقات مختلفة، والاتهامات الموجهة إليها يقف خلفها جناح ينتمي إلى جماعة الإخوان في صفوف الجيش، لأن توجهات أبوظبي من القوى الإسلامية تمثل إزعاجا له، ويعمل هذا الجناح على عدم وجود علاقة إيجابية بقائد الجيش مع دولة الإمارات كي يظل خاضعا لإرادة وحسابات الحركة الإسلامية.

وأضاف لـ”العرب” أن السعودية تعمل على مساعدة البرهان من خلال تفكيك تناقضاته الخارجية، والداخلية أيضا، ومن المنتظر أن يتسلح قائد الجيش بانتصاراته مؤخرا، وكما تخلص عسكريا من مشكلة الدعم السريع في الخرطوم سوف يتخلص سياسيا من هيمنة فلول الرئيس السابق عمر البشير على حكومة بورتسودان.

وأوضح أن وساطة يمكن أن تقوم بها السعودية بين البرهان وخصومه مدعومة بإشارات إيجابية من الولايات المتحدة لتصويب مسارات السودان وحثه على التخلص من تناقضاته الإقليمية، بما يحفظ للبحر الأحمر أمنه واستقراره ويخفف التوترات.

وأشارت تقارير محلية إلى اجتماع مرتقب بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان والرئيس التشادي محمد إدريس ديبي في السعودية.

وهدد عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش ياسر العطا بأن مطاري نجامينا وأم جرس في تشاد سيصبحان أهدافًا عسكرية مشروعة للقوات السودانية.

وأدانت الحكومة التشادية في بيان رسمي أخيرا ما وصفته بـ”التصريحات الاستفزازية”، ومؤكدة على التزامها بحماية حدودها وحقوقها السيادية.