إطلاق سراح الموقوفين السياسيين في السعودية أكثر من مبادرة سياسية
قوبل إفراج السلطات السعودية عن موقوفين سياسيين بارتياح في الأوساط الشعبية ولدى المنظمات الإنسانية وإن كانت ترى أن ما تم هو خطوة أولى تحتاج إلى خطوات أخرى لإغلاق هذا الملف، في وقت يرى فيه متابعون للشأن السعودي أن إطلاق سراح أعداد من الموقوفين ممن يطلق عليهم بسجناء الرأي يعتبر أكثر من مبادرة سياسية وهو يأتي في سياق أشمل يتعلق بالتغييرات التي تشهدها المملكة.
ويعمل المسؤولون السعوديون على مدى إستراتيجي لتأكيد سياسة الانفتاح التي تتبناها بلادهم ما يؤهلها لاستقطاب تظاهرات عالمية كبرى وجذب الاستثمارات ورجال المال والأعمال وأن تتحول إلى مقر رئيسي لكبرى الشركات العالمية، وهذا يفرض تغييرات مختلفة من بينها تقليص مساحة التشدد وتغذية الانفتاح داخل المجتمع، وفي نفس الوقت السعي لتطوير القضاء السعودي وأداء المؤسسة العدلية بشكل يجعلها أكثر مقبولية في الخارج.
وتتهيأ المملكة خلال سنوات قادمة لاحتضان تظاهرات عالمية كبرى منها معرض إكسبو العالمي في 2030، وكأس العالم لكرة القدم 2034. ومثلما تعطي هذه التظاهرات دفعا لصورة السعودية في الخارج كدولة صاعدة ومؤثرة، فإنها تفتح الأعين على واقع المملكة من مختلف جوانبه، وهي مناسبة للمنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام العالمية التي يتحرك أغلبها بموقف مسبق معاد للرياض في السنوات الأخيرة.
◄ إطلاق سراح الموقوفين بالنسبة إلى السعوديين يتجاوز البعد المحلي والسعي لتخفيف الانتقادات وترضية عائلات الموقوفين إلى ما هو أبعد بتأكيد أن المملكة ساعية لإحداث تغييرات خادمة لتوجهها
ومن المفيد أن تذهب السعودية إلى إكسبو ومونديال كرة القدم وغيرهما من التظاهرات الكبرى وقد عالجت مبكرا القضايا التي ستثير الانتقادات ضدها، وألا تتركها إلى آخر لحظة ثم تسعى للتغطية عليها ببيانات النفي واستدعاء نظرية المؤامرة.
ويعتقد المتابعون أن من الضروري ألا تقف الأنشطة المتنوعة التي تود السعودية تقديمها في مثل هذه التظاهرات الكبرى عند باقة ترفيهية وقيادة سيارات وأشياء استعراضية من هذا القبيل، بل تغيرات ملموسة في أدق التفاصيل.
وسيسعى السعوديون لتلافي الأخطاء التي وقعت فيها قطر قبل مونديال 2022 لكرة القدم وخلاله، بالإضافة إلى توقع سقف الحملات الإعلامية والسياسية بسبب قضايا من نوع وضع العمالة الأجنبية، والموقف من المثليين، وواقع المعارضة.
وغذى هذه الحملات ناشطون سعوديون ليبراليون أو إسلاميون مستقرون في بريطانيا وأميركا، من خلال شبكة العلاقات العامة التي بنوها في سنوات ماضية، وخاصة بالنسبة إلى الناشطين الإسلاميين الذين يستفيدون من الشبكات الإخوانية واختراقها للمنظمات ما مكّنها من أن تكون المصدر الوحيد لأخبار السعودية في مناخ معاد لها.
ومن الواضح أن السعودية تتحرك من الآن لحل الملفات التي ستثير الانتقادات، وأولها ملف معتقلي الرأي عبر إطلاق سراحهم على دفعات ومحاولة استثمار ذلك لتأكيد أن الأمر يتم ضمن سياسة الانفتاح التي تعتمدها المملكة وليس تحت ضغط الانتقادات الحقوقية أو الحملات على مواقع التواصل التي اتسع تأثيرها داخل السعودية.
وتريد المملكة أن تصنع “صورة سياسية” جديدة، قبل سنوات قليلة من معرض إكسبو ومونديال كرة القدم، توجه من خلالها رسالة استباقية لإظهار أنها تتغير بقرار ذاتي ضمن مقاربة أشمل للإصلاح الاقتصادي السياسي والاجتماعي والتحرر التدريجي من سيطرة المتشددين.
◄ من المفيد أن تذهب السعودية إلى التظاهرات الكبرى وقد عالجت مبكرا المسائل التي ستثير الانتقادات ضدها
ويعرف السعوديون أن الأمر لا يتطلب مكابرة أو إطلاق العنان للإعلام المحلي للاشتغال على نظرية المؤامرة، وأن الاستجابة للمزاج العالمي، الذي يطالب بتغييرات حقيقية، أمر مهم خاصة أن التقارير السلبية يمكن أن تضر بسمعة البلاد وتعيق المستثمرين الأجانب.
وبدأت الاستجابة للمطالب الخارجية مبكرا من خلال قرارات عملية تتعلق بتحسين أوضاع النساء مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة في سبتمبر 2017، وتطبيقه في يونيو 2018، بعد أن كانت تحتاج إذن وليّها ووجود محرم معها أثناء القيادة.
وينتظر أن يشمل تسريع مسار الانفتاح وتبديد المخاوف الغربية تحسين أداء القضاء من خلال ربطه بقوانين حديثة وإجراء المزيد من التدريب والتكوين للقضاة حتى يتمكنوا من تنفيذ سياسة الانفتاح والقطع مع الأحكام القاسية إما لتأويلات فقهية متشددة أو لاعتبارات سياسية.
ولم يعد تبرير الأحكام بالسجن لمدة 20 عامًا على تغريدة أو تفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي مقبولا في هذه المرحلة، وخاصة عندما تستهدف هذه الأحكام النساء، بما في ذلك الأكاديميات، ما أثار انتقادات في الداخل والخارج، مع العجز عن تطويق هذه الأحكام كما يتم في السابق، حيث بات من اليسير إثارة النقاش وإبداء الانتقادات لمختلف الأحكام من ذوي المتهمين أو من المعارضين الذين يمثلون ثقلا على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويتجاوز إطلاق سراح الموقوفين بالنسبة إلى السعوديين البعد المحلي والسعي لتخفيف الانتقادات وترضية عائلات الموقوفين إلى ما هو أبعد بتأكيد أن المملكة ساعية لإحداث تغييرات خادمة لتوجهها بأن تكون قوة جاذبة للمستثمرين والشركات والتظاهرات الكبرى.