تصعيد حاد بين السودان وكينيا بسبب الحكومة الموازية
تصاعدت حدة التصريحات بين الحكومة السودانية ونظيرتها الكينية، عقب استضافة الثانية لمؤتمر عقدته قوى سياسية وحركات مسلحة سودانية في نيروبي لتشكيل حكومة تسمّى “الوحدة والسلام” في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، بموازاة حكومة الأمر الواقع في بورتسودان.
وأدّى التصعيد المتبادل إلى عدم الالتفات كثيرا إلى ما أدخلته الحكومة السودانية من تعديلات على الوثيقة الدستورية الانتقالية للبلاد لتعزيز سيطرة الجيش، وحذفت منها الإشارة إلى المدنيين وقوات الدعم السريع التي شاركت في السلطة بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير. وأشارت تقارير سودانية إلى أن التعديلات الجديدة تمنح قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان صلاحيات واسعة في تعيين رئيس الوزراء وإعفائه، وزيادة أعضاء مجلس السيادة.
واستخدمت وزارة الخارجية السودانية لهجة دبلوماسية حادة ضد كينيا في بيان أصدرته، الخميس، قالت فيه إن احتضان كينيا للحكومة الجديدة يهدد الأمن القومي للبلاد، وإن اجتماعات مجموعة الحكومة الموازية هناك تتويج للدعم المقدم من قبل الحكومة الكينية للدعم السريع، وإن الرئيس الكيني أصبح في نظر الشعب السوداني ضالعاً في العدوان عليه، ويعلي المصالح التجارية على العلاقات التاريخية بين بلاده والسودان.
وحثت الرئاسة الكينية بالتراجع عن هذا التوجه الخطير الذي يهدد السلم والأمن في الإقليم، مؤكدة أنها شرعت في اتخاذ الإجراءات التي تصون الأمن القومي للسودان وتحمي سيادته ووحدة أراضيه. وقامت حكومة الأمر الواقع في السودان باستدعاء سفير السودان في نيروبي كمال جبارة للتشاور.
كما شجب وزير الداخلية السوداني الفريق شرطة خليل باشا سايرين، موقف الحكومة الكينية باستضافة عناصر الدعم السريع وأشخاص متحالفين معها على أراضيها للإضرار بأمن واستقرار السودان، واصفا الموقف الكيني بأنه يمسّ بوحدة السودان ولا يحترم العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين، ويخالف مبادئ الاتحاد الأفريقي ومواثيق الأمم المتحدة.
وحرصت كينيا على توضيح موقفها بأنها استضافت اجتماعات قوى سودانية في نيروبي في إطار سعيها لإيجاد حلول توقف الصراع الحالي في السودان، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. وأصدرت الحكومة الكينية بيانا، الأربعاء، قالت فيه إن “ما تم في نيروبي من اجتماع لقوات الدعم السريع وحركات مسلحة وقوى مدنية يهدف إلى تسريع إيقاف الحرب والاتفاق بين السودانيين.”
وترى دوائر سودانية أن استضافة الحكومة الكينية لقوى سياسية وحركات مسلحة تتعارض مع قواعد حسن الجوار، وتقوض أيّ دور سياسي لنيروبي في السودان، وتسمح بتغيير بعض التوازنات في المنطقة، وقد ترتد على كينيا إذا قرر البرهان دعم معارضي النظام الحاكم في نيروبي، وتوظيف موقف الجهات الرافضة للرعاية التي قدمها الرئيس وليام روتو للحكومة السودانية الجديدة.
وتضيف هذه الدوائر أن اجتماع قوى سودانية وإعلان حكومة سودانية موازية من نيروبي ينهي فترة الهدوء التي سادت الفترة الماضية مع قائد الجيش السوداني الذي اتهم سابقا كينيا بالانحياز لقوات الدعم السريع، ومحاولة التدخل في شؤون السودان من خلال تشجيع خيار إرسال قوات أفريقية إليه بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023.
◙ كينيا حرصت على توضيح موقفها بأنها استضافت اجتماعات قوى سودانية في نيروبي في إطار سعيها لإيجاد حلول توقف الصراع الحالي في السودان
وقال المحلل السياسي السوداني محمد تورشين إن الخارجية السودانية لم تصل بتصعيدها الدبلوماسي إلى أقصى درجات العداء مع كينيا بعد استضافة اجتماعات تشكيل الحكومة الجديدة واستخدمت أسلوبا احتجاجيا به قدر من التهديدات، لكنه يبقى متعارفا عليه في هذا النوع من التعاملات الدبلوماسية بين الدول، إذ أن السودان ينظر للاجتماعات باعتبارها مهددا لوحدته على المدى المتوسط أو البعيد.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن العلاقات بين السودان وكينيا من المرشح أن تشهد المزيد من التوتر خلال الأيام القادمة خاصة إذا اعترفت نيروبي بالحكومة الجديدة وقد يصل الأمر إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، وقد يتعامل السودان بالمثل ويقوم باستضافة قوى معارضة كينية على أراضيه، وتقديم الدعم اللوجستي لها.
وأشار إلى أن اختيار نيروبي للإعلان عن الحكومة الموازية تم بعناية فائقة، لأنها ليست لديها حدود مباشرة مع السودان بعكس دول الجوار الأخرى ولا توجد علاقات اقتصادية كبيرة بين البلدين باستثناء استيراد الشاي الكيني، وحال حدثت قطيعة يمكن تعويض كينيا عن خسائرها، كما أن نيروبي قامت منذ بداية الحرب باستضافة قيادات الصف الأول من قوات الدعم السريع التي وجدت فيها ملاذا سياسيا آمنا.