شكوك تحاصر مصر بشأن عودة جذب الملاحة إلى قناة السويس

وكالة أنباء حضرموت

وضعت مصر رهانا صعبا لعودة الخطوط الملاحية الكبرى للعبور بكثافة من البحر الأحمر وصولا إلى قناة السويس، مع استقرار نسبي للأوضاع الأمنية في جنوب البحر الأحمر بالتزامن مع توقيع صفقة الأسرى وتنفيذ اتفاق هدنة بين إسرائيل وحركة حماس أخيرا.

وأعلنت القاهرة جاهزية قناة السويس للعمل بكامل طاقتها لاستقبال الخدمات الملاحية للخطوط الكبرى في ضوء استعدادات لعودة حركة التجارة العالمية بشكل تدريجي إلى مسارها الطبيعي عبر قناة السويس.

وبدا رئيس هيئة القناة أسامة ربيع متفائلا باستقبال القناة لمجموعة من سفن الخط الملاحي سي.أم.أي – سي.جي.أم ضمن الخدمة الملاحية إبيك على طريق التجارة بين جنوب آسيا وأوروبا، الخميس.

وتجددت الآمال في استقرار الأوضاع الأمنية بالمنطقة مع الإعلان عن هدنة غزة، ما يسهم في تعزيز حركة الملاحة، لكن التهديدات مستمرة في البحر الأحمر، وتطرح التحديات الأمنية والاقتصادية تساؤلات حول قدرة مصر على استعادة زخم حركة السفن.

وتعد القناة أحد أهم الشرايين البحرية في العالم، ومحورا للتجارة الدولية، وتربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا وتستوعب نحو 12 في المئة من حركة التجارة العالمية.

ورغم إعلان ربيع جاهزية القناة لاستقبال جميع الخطوط الملاحية، إلا أن العراقيل ما زالت تؤثر على قرار شركات الشحن.

ولا تزال الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب تعاني من تهديدات لوقوع هجمات على السفن وعمليات قرصنة، ما يثير مخاوف شركات عالمية لاستقرار الممر المائي، ودفع ذلك بعضها إلى البحث عن بدائل أكثر أماناً.

وأعلنت شركة ميرسك الدنماركية للشحن أنها ستستمر في تحويل مسار سفنها عبر طريق رأس الرجاء الصالح بدلًا من المرور عبر خليج عدن والبحر الأحمر، حتى يتم ضمان أمان الملاحة البحرية على المدى الطويل.

وحسب شركة أدنوك للإمداد والخدمات الإماراتية، فإن عمليات الشحن في هذا الممر محفوفة بالمخاطر، رغم هدنة غزة وتخفيض جماعة الحوثي للهجمات.

وتتسبب المخاطر الأمنية في ارتفاع كلفة التأمين على السفن العابرة للبحر الأحمر وقناة السويس، ما جعل بعض الشركات تفضل مسار رأس الرجاء الصالح الأطول والأكثر أمانا.

وشهدت حركة السفن اهتماما متزايدا بالمسارات القطبية والممرات الأخرى مثل قناة بنما في السنوات الماضية، والتي تمثل تهديدا طويل الأمد لقناة السويس.

وتواجه السفن مطالب متزايدة بالامتثال لمعايير بيئية صارمة، ما يزيد من تكاليف العبور. وفي ظل التحول العالمي نحو الاقتصاد الأخضر، تحتاج القناة المصرية إلى تبني حلول مبتكرة لجذب السفن الصديقة للبيئة.

وتعمل مصر على تحويل قناتها إلى ممر صديق للبيئة عبر توفير موانئ للتزود بالوقود النظيف ومحطات لإعادة التدوير، وهذه المبادرات تهدف إلى تعزيز مكانتها كوجهة مستدامة للشركات الملاحية.

من المتوقع أن يسهم صمود الهدنة في تخفيف التوترات الأمنية، وتعزيز ثقة الشركات الملاحية العالمية في المرور عبر قناة السويس

ويبذل المسؤولون جهودا عدة لتأمين البحر الأحمر وباب المندب، تشمل نشر دوريات بحرية وتعزيز المراقبة باستخدام التكنولوجيا الحديثة والتعاون مع دول الجوار.

ومن المتوقع أن يسهم صمود الهدنة في تخفيف التوترات الأمنية، وتعزيز ثقة الشركات الملاحية العالمية في المرور عبر قناة السويس، فالاستقرار في غزة يعني تقليل فرص اندلاع صراع جديد يؤثر على الملاحة في البحر الأحمر.

ويغذي استمرار الهدنة استقرار الأسواق الإقليمية وزيادة الطلب على الشحن البحري عبر القناة المصرية ويدعم التحسن دورها كمحور رئيسي يربط بين آسيا وأوروبا.

ويمكن أن تجذب القناة استثمارات إضافية في البنية التحتية والخدمات اللوجستية في منطقتها الاقتصادية الجديدة، ما يجعلها أكثر جاذبية للسفن العالمية.

وشهدت غزة هدنات مؤقتة سرعان ما انهارت بسبب الصراعات السياسية، وفي حال تعثر الهدنة الراهنة، يعود عدم الاستقرار إلى المنطقة ويؤثر سلبا على حركة الملاحة.

وقال عضو غرفة ملاحة السويس والبحر الأحمر سعيد يونس إنه “رغم استقرار الأوضاع في غزة، تبقى العوامل العالمية، مثل التباطؤ الاقتصادي واضطرابات سلاسل التوريد، مؤثرة على حجم التجارة الدولية ومن ثم حركة الملاحة عبر القناة.”

وأضاف لـ”العرب” أنه “يمكن لمصر استغلال الهدنة لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لضمان استقرار منطقة البحر الأحمر من خلال تطوير أنظمة المراقبة البحرية وزيادة التنسيق مع الدول المجاورة للمساهمة في تحسين بيئة الملاحة.”

وأوضح أن قناة السويس تحتاج إلى استثمار فترة الهدنة في الترويج لها كخيار آمن وفعال للسفن العالمية، ويمكن لهذه الحملات أن تركز على الاستقرار الإقليمي والجهود المصرية لتطوير البنية التحتية.

ويجب على مصر توسيع وتحديث الممرات المائية والخدمات الملاحية لتعزيز جاذبية القناة، ويمكن استغلال الهدنة لجذب استثمارات جديدة في مشروعات تدعم الاقتصاد الأخضر، مثل محطات الوقود النظيف.

ومن شأن تعزيز العلاقات التجارية مع الدول والأسواق الناشئة زيادة الحركة عبر القناة، ويمكن أن تستفيد مصر من استقرار الأوضاع لفتح قنوات تواصل جديدة مع شركات الشحن العالمية.

وأكد مدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية بالقاهرة خالد الشافعي أن هدنة غزة تمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز الاستقرار في المنطقة، وتأثيرها على قناة السويس يعتمد على مدى استدامتها ونجاح جهود تطوير القناة وتعزيز الأمن البحري.

وأوضح لـ”العرب” أن الاستفادة من هذه الفرصة يتطلب خطة شاملة تجمع بين الترويج للقناة كوجهة أقل تكلفة وسرعة والمضي قدماً في تحسين الخدمات اللوجستية.

وأشار إلى أن هدنة غزة قد تكون بداية لتعزيز مكانة القناة، لكن الأمر محفوف بالمخاطر، وغير مؤكد في ظل التحديات التي تتطلب استجابة مستمرة من الأطراف المتصارعة، فضلاً عن إستراتيجيات مبتكرة من جانب المسؤولين عن قناة السويس.

واستثمرت هيئة قناة السويس في مشاريع ضخمة لتوسيع وتعميق الممرات المائية، بما يتيح مرور السفن ذات الأحجام الكبيرة وتم تطوير الكثير من الموانئ المصرية لتقديم خدمات لوجستية متكاملة.

وقدمت الهيئة خصومات على رسوم العبور وحوافز مالية لجذب الخطوط الملاحية الكبرى، وتتم مراجعتها بشكل دوري لضمان توافقها مع احتياجات السوق.

وحال فشلت مصر في معالجة التحديات قد يؤدي ذلك إلى تراجع مستمر في أهمية قناة السويس دوليا، وبذلك تتأثر الإيرادات بشكل كبير، ما يضع ضغوطاً إضافية على الاقتصاد المصري، علاوة على تحول شركات الشحن إلى مسارات بديلة، ما يضعف النفوذ الحيوي للدولة.