انفلات السلاح يغذي الجريمة المنظمة في ليبيا

وكالة أنباء حضرموت

أعادت المواجهة المسلحة التي عرفتها مدينة الزاوية الليبية مؤخرا تسليط الضوء على دور انفلات السلاح في تغذية الجريمة المنظمة والتهريب، لكن الإفلات من العقاب يكرس سطوة الميليشيات داخل أجهزة الحكم.

واندلعت مواجهات مسلحة السبت الماضي حيث حاولت إحدى ميليشيات مدينة الزاوية القبض على أحد أباطرة تهريب النفط في مدينة العجيلات ( 80 كلم إلى الغرب من طرابلس)، لكنها اصطدمت بمسلحين موالين له يتصدون للمحاولة، والتحقت بهم قوة مسلحة من مدينة الزاوية كذلك لتساعدهم على رد الهجوم، ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى وعدد من الجرحى وتسجيل خسائر في الأملاك العامة والخاصة.

وحذر أهالي العجيلات من إعلان حالة الاستنفار بينهم دفاعا عن النفس، والرد على الاعتداءات التي تعرضوا لها. وقالوا في بيان إن “جماعات مسلحة تحاول إشعال فتنة في المدينة التي تنعم بالأمن والأمان منذ عدة سنوات وباتت تحسد عليها من أصحاب النفوس الخبيثة،” مشيرين إلى أن “الانتهاكات ستدعو إلى حالة استنفار كامل من أهال المدينة لتوجيه رد قاس على الشراذم المعتدية والضرب عليها بيد من حديد.”

وأضاف البيان أن رد أهالي العجيلات لن يتوقف إلا بردّ الصاع صاعين، وإذا ما فتح القمقم وخرج مارد العجيلات فلن يتراجع حتى يتم استئصال الورم الخبيث، وأكدوا أنهم يحتفظون بحقهم في الرد بكل الوسائل، مخاطبين الحكومة وأجهزتها الأمنية والعسكرية والقضائية بالقول ”نضعكم أمام مسؤولياتكم عن تبعات الرد الذي سيكون قاسيا ومؤلما، ولا بد من القيام به دفاعا عن النفس.”

وجاءت المواجهات المسلحة بالتزامن مع العملية العسكرية الواسعة التي أطلقتها قيادة الأركان التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، وقالت إنها تهدف من ورائها إلى فرض الأمن وبسط الاستقرار واستهداف الأوكار المشبوهة في مدينة الزاوية ومناطق الساحل الغربي.

وشددت الحكومة الليبية على ضرورة التزام السكان بالتنبيهات الصادرة حفاظا على سلامتهم، داعية إياهم إلى التعاون معها والإبلاغ عن أيّ أنشطة أو أوكار مشبوهة، مشيرة إلى أن قواتها تمتلك جميع الإمكانيات والوسائل اللازمة ولن تتوقف حتى تجتث منابع الفوضى والجريمة المنظمة.

مليون قطعة سلاح غير خاضعة للرقابة تنتشر في ليبيا وجمعها لا يزال هدفا بعيد المنال

وبصفته وزيرا للدفاع شدد رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة أنه سيتم إصدار الأوامر للوحدات المكلفة بمهام الحماية والتأمين، للتعامل مع أيّ تحرك لتلك التشكيلات المسلحة خارج الزاوية، بينما وجه وزير الداخلية عماد الطرابلسي تعميما إلى الأجهزة والقوى التابعة للوزارة يدعوها من خلاله إلى عدم مغادرة أيّ آليات مسجلة ثكناتها وعدم القيام بأيّ أعمال تقف أمام تنفيذ العملية العسكرية إلا بعد التنسيق المباشر مع آمر المنطقة شخصيا.

وبحسب أوساط مطلعة، فإن الميليشيات المسلحة الخارجة عن القانون والتي اعتادت على نشر الرعب والذعر في قلوب السكان المدنيين، واحترفت التهريب والاتجار بالبشر، سارعت إلى الانضمام إلى العملية العسكرية وصارت جزءا منها لتأمين نفسها، وهو ما يشير إلى مستويات العبث المعتمد في القرار الرسمي بغرب البلاد.

وفي مدينة ترهونة (80 كلم إلى الغرب من طرابلس)، جرى تسجيل حادثة إقدام امرأة على قتل زوجها باستخدام سلاح ناري من نوع كلاشينكوف، بسبب زواجه من أخرى دون أخذ موافقتها. وأمام مكتب التحقيق اعترفت المتهمة بجرمها، وقالت إنها استعارت السلاح المستخدم في الجريمة من جارتها، ليتبين لاحقا أنه على ملك زوج الجارة الذي كان يعمل عسكريا قبل أن يتقاعد منذ سنوات.

ويرى الليبيون أن السلاح المنفلت في البلاد لا يزال يشكل تهديدا صريحا لسلامة المواطنين رغم مرور أكثر من 13 عاما على الإطاحة بالنظام السابق، وهو السبب الأبرز في اتساع دائرة الجريمة وانتشار جرائم القتل والترويع، كما أنه من الدوافع الأساسية لاستمرار إرهاب الميليشيات والجماعات المسلحة ولاسيما في المنطقة الغربية التي لا تزال تشهد بين الحين والآخر اندلاع اشتباكات بين المسلحين بمن في ذلك المنضوون تحت سلطة الدولة.

وتحدثت تقارير الأمم المتحدة عن وجود 29 مليون قطعة سلاح تنتشر في الأراضي الليبية، وهو ما يعني أن ليبيا باتت أكبر مخزن في العالم لأسلحة غير خاضعة للرقابة، وقد امتد تأثيرها إلى خارج الحدود، وتحديدا أفريقيا، كما وصلت إلى قطاع غزة.

وكان مجلس النواب الليبي طالب بإنهاء فوضى السلاح المنتشر في جميع أنحاء البلاد، كما عملت اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 على حل أزمة السلاح المنفلت لكنها عجزت عن التوصل إلى اتفاق عملي وقابل للتنفيذ على أرض الواقع، وذلك نتيجة هيمنة الميليشيات على مركز صناعة القرار في طرابلس.

وفي العام 2013، اعتبرت وزارة الداخلية الليبية أنّ السلاح غير الشرعي يشكّل عائقا حقيقيا في البلاد، وشددت على خطورة الأسلحة المتوسطة والثقيلة المنتشرة بكثافة، مشيرة إلى أن “توفرها في أيد خارج شرعية الدولة يهدّد أمن المجتمع، وتواجد الشرطة.”

وبعد مرور 12 عاما، لا يزال السلاح المنفلت يشكل ظاهرة سلبية في الداخل الليبي بتأثيرات تمتد إلى دول الجوار وما وراءها من غرب أفريقيا إلى شرق المتوسط.

◘ جميع القرارات والمشاريع السابقة بخصوص جمع السلاح في غرب البلاد منيت بالفشل بسبب عجز السلطات المحلية ومن ورائها المجتمع الدولي عن حل الميليشيات

واعتبرت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أن “حمل السلاح وانتشاره خطر يهدد الحق في الحياة،” لاسيما في ظل انتشاره الواسع في مختلف مناطق البلاد. وحذّرت من استمرار وتزايد فوضى انتشار السلاح في البلاد، واستخدامه العشوائي، خاصة في المناسبات الاجتماعية، إذ يتسبب أحيانا في سقوط أبرياء.

وتابعت أن المدنيين بشكلٍ عام، والأطفال والقاصرين بشكلٍ خاص، “يدفعون الثمن الباهظ، جراء حالة الانفلات الأمني وفوضى انتشار السلاح، وغياب دور وزارة الداخلية في ضبط الأمن وجمع السلاح والحد من انتشاره واستخدامه العشوائي، وضعف مديريات الأمن والأجهزة الأمنية في العديد من المناطق والمدن الليبية.”

وبحسب مراقبين، فإن جمع السلاح المنفلت لا يزال هدفا بعيد المنال في غياب التوافق الوطني على توحيد المؤسسة العسكرية وحل الميليشيات وإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة وتفكيك العصابات التي يشتغل بعضها في مجال تهريب السلاح والاتجار به مستفيدة من اتساع جغرافيا البلاد وطول حدودها البرية وتنوع تضاريسها وضعف إمكانيات الرصد.

ويرى المراقبون، أن جميع القرارات والمشاريع السابقة بخصوص جمع السلاح في غرب البلاد منيت بالفشل، وذلك بسبب عجز السلطات المحلية ومن ورائها المجتمع الدولي على حل الميليشيات التي نجحت بالتغلغل في أجهزة الدولة، وبات قادتها من أمراء الحرب شركاء في الحكم، وهم اليوم من يتصدرون مراكز القرار الأمني والعسكري والمخابراتي.