الشغور الرئاسي ومعادلات ما بعد الحرب.. هل يؤمّن لبنان «التوافق الصعب»؟
بإضعاف «حزب الله»، غيرت الحرب المعادلات السياسية في لبنان لتفرض توازنات جديدة قد تدفع نحو تجاوز العقبة الكبرى في حل أزمة الشغور الرئاسي.
والخميس المقبل، يجتمع مجلس النواب اللبناني لاختيار رئيس جديد للجمهورية بعد أكثر من عامين على شغور المنصب وحرب مدمّرة أضعفت لاعبا أساسيا هو حزب الله. لكن عملية الانتخاب ليست حتمية، وفق محللين.
ويبرز اسم قائد الجيش جوزيف عون المرشح الأوفر حظا حتى الآن، لكن في بلد متعدّد الطوائف والأحزاب، لا توجد أكثرية واضحة في البرلمان، ويفرض توازن القوى إجمالا "توافقا" يصعب التوصل إليه لانتخاب رئيس.
وسيخلف الرئيس الجديد ميشال عون الذي انتخب في العام 2016 أيضا بعد عامين ونصف العام من شغور رئاسي واستنادا إلى تسوية سياسية بين حزب الله الذي كان أبرز قوة سياسية وعسكرية آنذاك وخصومه.
وبعد انتهاء ولايته في أكتوبر/تشرين الأول 2022، عقد البرلمان 12 جلسة فشل خلالها في انتخاب رئيس، وكان حزب الله يسعى إلى فرض مرشحه سليمان فرنجية الذي كان قريبا أيضا من الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
ضربة قاسية
لكن "حزب الله" تلقّى ضربة قاسية في مواجهته مع إسرائيل التي استمرّت سنة تقريبا على خلفية الحرب بين حركة حماس وتل أبيب في قطاع غزة.
ودمّرت إسرائيل جزءا كبيرا من ترسانة الحزب وقتلت عددا من قياداته على رأسهم أمينه العام حسن نصر الله.
وأجبر ذلك الحزب على القبول باتفاق وقف لإطلاق النار مع إسرائيل ينص على انسحابه من المنطقة الحدودية، وفي مرحلة لاحقة على نزع سلاحه، وفق ما يقول مسؤولون لبنانيون.
وفي الوقت ذاته، بدا "حزب الله" أضعف في الداخل، وكان خصومه يتهمونه باستخدام السلاح للتحكّم بالحياة السياسية.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف ببيروت كريم بيطار، إن "الحرب بالتأكيد غيّرت المعادلات السياسية في لبنان".
وأوضح أن حزب الله "لم يعد قادرا على فرض شخصية قريبة جدا من معسكره بعد سقوط النظام السوري وإضعاف الحرب له".
ضغوط
من جانبه، يقول محلّل الشؤون اللبنانية في مجموعة الأزمات الدولية ديفيد وود، إن "حظوظ فرنجية تضاءلت بعد تراجع قوة حزب الله بشكل كبير وسقوط بشار الأسد" في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ويشير إلى أن حزب الله وحليفته حركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، "يدرسان خيارات أخرى خلف الكواليس".
ويضيف بيطار "من المحيّر والمخيّب للآمال أن نرى أنه بعد أكثر من عامين من الشغور الرئاسي وقبل أقل من 72 ساعة على الجلسة المقررة، لا يزال الشعب اللبناني لا يعرف ما إذا كانت الجلسة ستؤدي إلى انتخاب رئيس أم ستنتهي بالفشل".
والسياسيون اللبنانيون منقسمون إلى درجة أن خصوم حزب الله غير قادرين على فرض مرشح.
ويقول بيطار "كما يحدث غالبا، في اللحظة الأخيرة، تعبّر القوى الإقليمية والدولية الكبرى عن تفضيلاتها وتمارس الضغط على النواب الذين يتبعون ببساطة، ويلتحقون بالركب، ويرغبون في أن يكونوا في صف الجانب الفائز".
وأمس، دعا المبعوث الأمريكي الخاص آموس هوكستين من بيروت إلى "توافق سياسي" في ظلّ "أوقات بالغة الأهمية بالنسبة للبنان".
وفور وصوله، زار الموفد الأمريكي قائد الجيش وشدّد في تصريحاته على أهمية دور الجيش اللبناني في المرحلة المقبلة.
ومن المتوقّع أن يصل الموفد الفرنسي جان-إيف لودريان إلى بيروت، مساء الثلاثاء، والرجل سبق أن قام في الماضي بوساطات عدّة لإتمام الاستحقاق الرئاسي.
ونقل عدد من السياسيين في الفترة الأخيرة عن مسؤولين أمريكيين دعمهم لوصول عون.
وتشرف الولايات المتحدة مع فرنسا والأمم المتحدة على آلية تطبيق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.
وينص الاتفاق على انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي دخل اليها في جنوب لبنان خلال الحرب، على أن ينتشر الجيش اللبناني محل القوات الإسرائيلية وحزب الله.
كما يفترض أن يعمل الجيش على تفكيك أسلحة حزب الله. ولذلك، يرجّح بيطار أن يكون "جوزيف عون هو المرشح الأوفر حظا، ويبدو وكأنه مدعوم من الولايات المتحدة، وبدرجة أقل من فرنسا".
كما يحظى عون بدعم علني من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط وكتلته النيابية الصغيرة.
مرشحون آخرون
ولا يفرض الدستور اللبناني على المرشحين لرئاسة الجمهورية تقديم ترشيح رسمي، وهناك أسماء عدّة متداولة للرئاسة، بينها أبرز زعيمين في الطائفة المارونية التي يفترض أن ينتمي إليها رئيس الجمهورية: رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع المعارض الشرس لحزب الله، وخصمه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
ويستبعد أن تكون لهما حظوظ، بسبب الكلام الدائم عن "توافق" لا يمكن أن يحصل إلا حول مرشحين "وسطيين".
ومن الأسماء الأخرى المتداولة، المدير العام للأمن العام بالإنابة إلياس البيسري، والنائبان نعمت أفرام وإبراهيم كنعان.
ويقول بيطار: "لا يبدو أن رؤساء الكتل الكبرى توصلوا إلى قرار بشأن الشخص الذي سيعطونه أصواتهم".
ويوضح وود أن أي كتلة مسيحية بارزة لم تدعم عون بعد، مشيرا إلى أن باسيل يعارض "ترشيحه بشكل قاطع"، و"الحزب المسيحي الرئيسي الآخر، القوات اللبنانية، لم يقرّر دعمه بعد".
ويضيف "لا يزال من غير الواضح كيف ستصوّت الكتل السنية المتفرقة".
ويحتاج عون إلى تعديل دستوري في حال انتخابه، ليصبح رئيسا. إذ إن الدستور لا يسمح بانتخاب موظفين من الفئة الأولى وهم في المنصب وحتى عامين من استقالتهم أو إحالتهم على التقاعد.
ونُقل عن بري أخيرا رفضه إجراء التعديل.
ويحتاج المرشّح في الدورة الأولى من الانتخابات إلى غالبية ثلثي الأصوات، أي 86 صوتا من أصل 128، للفوز. وفي حال جرت دورة ثانية، فالغالبية المطلوبة تكون بالأكثرية المطلقة، أي 65 صوتا.
وإذا انتخب عون الخميس، سيكون خامس قائد جيش في لبنان يصل إلى رئاسة الجمهورية والرابع على التوالي.