"المادة".. فيلم عن هوس النساء بالجمال على حساب صحتهن النفسية
تدور أحداث الفيلم السينمائي “المادة” للمخرجة الفرنسية كورالي فارجيت في إطار من الدراما والرعب، من خلال قصة منتج غامض يُساعد البشر على تغيير ملامحهم وأعمارهم، ولكن هذا التغيير يتسبب في العديد من العواقب والفوضى في حياة مستخدميه.
الفيلم من سيناريو المخرجة وبطولة كل من مارجريت كوالي وديمي مور ودينيس كويد وهوغو ديغو غارسيا وجوزيف بالديراما وأوسكار ليسيج.
تتمركز الحبكة الأساسية لفيلم “المادة” حول رعب النساء من مرور الزمن وتأثيره على مظهرهن، خصوصًا في ظل ضغوط المجتمع المتزايدة للتمسك بمظاهر الشباب والجمال، وهو ما يطرح سؤالا وجوديا شديد الأهمية: إلى أي مدى يمكن أن تضحي المرأة بصحتها وهويتها مقابل إرضاء معايير الجمال الاجتماعية التي لا ترحم؟
ويطرح السيناريو فكرة قوية جدا ومؤلمة تتعلق بالنساء اللاتي يتجاوزن سن الـ25، عندما تبدأ خصوبتهن في التناقص وحيويتهن الجسدية تتراجع، ويتعرضن لضغوط نفسية قاهرة في مجتمع مليء بالصور المثالية التي تُروج لها منصات التواصل الاجتماعي والمجلات والإعلانات التلفزيونية، فتصبح حاجة النساء إلى الحفاظ على شبابهن الأبدي هاجسًا يهدد كل شيء، ومن هنا تأتي المادة التي يقدمها الفيلم كحل سحري، وهو منتج يدعي أنه قادر على استعادة الشباب والمظهر الجذاب، ولكنه في الوقت نفسه ينطوي على مخاطر مدمرة.
وتجسد الممثلة الشهيرة ديمي مور شخصية المرأة التي تتناول هذه المادة في محاولة للحفاظ على مكانتها الاجتماعية والمهنية، إذ ترتبط وظيفتها بلياقة بدنية ورشاقة لا بد من الحفاظ عليهما، وهذا التناول العجيب للمادة يجعلها تتحول إلى شابة وتستعيد ملامحها التي كانت قد ضاعت مع مرور الوقت، لكن الحقيقة في محاولة إيقاف عجلة الزمن ليست دون ثمن، فبينما تحقق هذه المحاولات مرادها على المدى القصير، تتبدد مع مرور الوقت كل المكاسب الوهمية التي تم الحصول عليها، لتدمر هذه المحاولات حياتها بالكامل.
وتبرز متتالية المشاهد التأثير النفسي للعقاقير أو عمليات التجميل أو المنتجات المبهرة التي يعوّل عليها البعض للحفاظ على جماله، تلك الحلول قد تبدو مغرية لكنها لا تؤدي إلا إلى تدمير الشخص على المدى البعيد، وما يحدث لبطلة هذا الفيلم ليس مجرد تحول مظهري، بل تدمير لجوهرها ووجودها كإنسان، وفقدانها لذاتيتها التي كانت أساسًا لفهمها لنفسها. وتبين القصة ذلك الصراع الدائم بين الرغبة في الحفاظ على مظهر جذاب وبين تكاليف هذه الرغبة التي لا تدوم طويلا، وبين الزمن الطبيعي الذي لا مفر من أن يطبع أثره على البشر.
وما يجعل سيناريو الفيلم قويًا هو الجرأة في معالجة هذه القضية الحقيقية التي تعيشها النساء اليوم، في ظل عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الذي يثير الهوس بالجمال المثالي والصورة المبهرة. وإن كانت قصة الفيلم خيالية في أسلوبها، إلا أن الموضوع الذي تتناوله يعكس واقعًا نعيشه في عالمنا المعاصر، حيث تزداد التوقعات الاجتماعية والمهنية تجاه مظهر المرأة، فهذه المحاولات الحثيثة لاستعادة الشباب قد تبدو بريقًا مغريًا، لكنها في النهاية تؤدي إلى ضعف جودة الحياة الشخصية والمهنية للأفراد الذين يقعون في فخها.
العمل مستوحى من أفلام مثل “صلاة لراحة حلم” لدارين أرنوفسكي، ورواية “صورة دوريان غراي” لأوسكار وايلد، ويمزج بين الخيال والرعب الاجتماعي الحقيقي، ويشكل في جوهره صرخة تحذير للنساء من مغبة الانصياع للضغوط التي تفرضها معايير الجمال غير الواقعية، وقد فاز هذا السيناريو بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان في دورته الـ77 كأفضل سيناريو، وهو تقدير يشهد قدرة العمل على لمس نقطة حساسة في واقعنا الاجتماعي بطريقة جديدة ومبتكرة.
وقدمت مارجريت كوالي دور سو الشابة التي حلت محل ديمي مور، بشكل يظهر التحولات الداخلية التي تعيشها الشخصية، وقد تمكنت من إظهار الصراع بين الرغبة في الحفاظ على مظهر الشباب والتداعيات السلبية لهذا المسعى، كما تحولت الشخصية تدريجيًا من شعور بالثقة إلى مواجهة العواقب المدمرة لهذا التغيير، دون أن تكون ردود أفعالها مبالغة فيها.
وابتعدت المخرجة كورالي فارجيت عن الأسلوب التقليدي في ترتيب الأحداث، فالعمل لم يتبع خطًا زمنيًا مستقيمًا، بل قدّم مشاهد وأحداثا متوازية تخلق شعورًا بأن هناك استعادة/ فلاش باك رغم عدم وجوده فعليًا، وهذا الأسلوب ساعد في نقل شعور تداخل الأزمنة والأحداث، وخلق بُعدًا فضائيا مختلفًا في الإخراج وأعطى اللغة السينمائية طابعًا غير تقليدي أثبتت من خلاله المخرجة الفرنسية إمكانياتها في أن يكون لها حضور قوي في السينما الأوروبية والغربية.
ويستند معظم أفلام الخيالي العلمي الأميركية إلى نظريات علمية، بعضها تم اختباره بالفعل، والبعض الآخر لا يزال في طور الإنجاز. وفيلم “المادة” يثير تساؤلات منطقية حول إمكانية أن يكون تمهيدًا لفكرة اختراع مادة تعيد الإنسان إلى شبابه، كما رأينا في هذا العمل، ورغم أن هذه الفكرة تبدو خيالية في ظاهرها، لكنها ليست بعيدة المنال في ظل التطور العلمي السريع الذي يشهده العالم اليوم، فمع تقدم الأبحاث في مجالات الطب الحيوي والتكنولوجيا، تصبح الحدود بين الخيال والواقع أكثر ضبابية، وهذا ما يجعل فكرة كهذه قابلة للنقاش والاحتمال في المستقبل، حتى وإن كانت في الوقت الراهن مجرد محور لإثارة الدراما والخيال السينمائي.
قضية حقيقية تعيشها النساء في ظل عصر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي الذي يثير الهوس بالجمال المثالي والصورة المبهرة
وكورالي فارجيت هي مخرجة وكاتبة سيناريو وممثلة فرنسية ولدت في باريس، درست علوم السياسة في إحدى الجامعات الفرنسية المرموقة، ثم تابعت دراستها في مدرسة السينما الفرنسية وتعلمت فنون الكتابة السينمائية، وبدأت مسيرتها الفنية بإخراج أول أفلامها القصيرة بعنوان “التلغرام”، وهو ما كان بمثابة انطلاقة لها في عالم السينما.
وقامت بإخراج مسلسل “الساحرات الجنيات” بالتعاون مع آن إليزابيث بلاتو، وهو مسلسل كوميدي موجه للأطفال تم عرضه بشكل يومي على قناة “تي إف 1”، و لاقى استحسانا كبيرا من الجمهور، ومن ثم أخرجت فيلما قصيرا آخر بعنوان “رياليتي بلاس”.
وتحققت شهرة واسعة لكورالي فارجيت بعد إخراج فيلمها الطويل الأول “رافنج”، الذي تم عرضه في مهرجان كان السينمائي وأثار إعجاب النقاد والجمهور، وفي وقت لاحق عادت إلى مهرجان كان بفيلمها الثاني الطويل “ذا سابستنس”، من بطولة النجمتين ديمي مور ومارغريت كوالي، وهناك تم اختيار الفيلم للمشاركة في المسابقة الرسمية في المهرجان وحصل على جائزة أفضل سيناريو.
وكورالي فارجيت عضو في جماعة 50/50، وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين والتنوع في صناعة السينما والسمعيات البصرية، وتعد هذه المبادرة جزءا مهما من رؤيتها للمساهمة في تحسين الوضع الاجتماعي داخل هذا القطاع.
وشاركت كورالي فارجيت في العديد من المهرجانات السينمائية الهامة، وتم تكريمها بجوائز عديدة منها جائزة أفضل مخرجة في مهرجان برشلونة السينمائي، كما فاز فيلمها “ذا سابستنس” بجائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان 2024. بالإضافة إلى ذلك فاز الفيلم ذاته بجائزة اختيار الجمهور في مهرجان تورونتو السينمائي.
وتم ترشيح كورالي فارجات لجائزة “غولدن غلوب” لعام 2025 عن فئتي أفضل مخرجة وأفضل سيناريو ، وهو ما يعكس نجاحها البارز في صناعة السينما، كما تم اختيار العديد من أفلامها ضمن المنافسات الرسمية في المهرجانات السينمائية العالمية، بما في ذلك مهرجانات كان وجيرارمير.