هجمات سيبرانية تستهدف الإعلام المستقل في السودان للتعتيم على الحقيقة في الحرب

وكالة أنباء حضرموت

يتعرض الصحافيون للاستهداف الممنهج خلال الحرب الدائرة في السودان، بينما تواجه وسائل الإعلام المستقلة نوعا آخر من الاعتداءات غير المباشرة عبر الهجمات الإلكترونية. ومع تطور أساليب وسائل الإعلام في كشف الحقيقة، ومواجهة سيل التضليل الإعلامي الكثيف، تطورت طرق ملاحقة الإعلام المستقل بهدف كتم الصوت الإعلامي وفرض حالة من التعتيم الإعلامي التام.

وأعلنت صحيفة سودانايل الإلكترونية في أكتوبر الماضي أنها أحبطت عملية تهكير خطيرة أدت إلى توقف موقعها لمدة أسبوع. وقال طارق الجزولي، رئيس تحرير صحيفة سودانايل، في تصريحات لـ”راديو دبنقا” إن عملية التهكير هدفت إلى مسح كل محتويات موقعها الإلكتروني لأربعة وعشرين عاما، مبينا أن الصحيفة تمكنت من استرداد المحتويات، وأضاف “استطعنا استرداد الموقع مع خسارة محتويات الثلاثة أشهر الماضية.” وتابع أن الصحيفة ظلت تتعرض لحملة شرسة ومحاولات تهكير متكررة خاصة بعد اندلاع الحرب.

ومنذ اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع في الخامس عشر من أبريل 2023 توقفت 25 صحيفة ورقية، وأكثر من 7 محطات تلفزيونية، إلى جانب 12 محطة إذاعية، وأصبحت وسائل الإعلام المستقلة، خاصة تلك التي تنطلق من خارج البلاد، هي المصدر الرئيس للمعلومات، بجانب وسائل الإعلام الأجنبية ووسائل التواصل الاجتماعي.

وقال منتصر عبدالواحد، رئيس تحرير صحفة مداميك، إن وسائل الإعلام المستقلة تواجه حربا من نوع آخر من أجل تعتيم الحقيقة في ظل الحرب العبثية التي تدور في البلاد. وأضاف أن الحقيقة هي الضحية الأولى في أي حرب مشيرا إلى أن أطراف الصراع تحاول تغطية جرائمها واستهداف الصحف المستقلة حتى لا تفضح ممارساتها.

وحول تجربة صحيفة مداميك الإلكترونية، أوضح “تعرضنا لمحاولات قرصنة عديدة نجح بعضها ولكننا تمكنا من استعادة الموقع” وتابع “تعرضنا لمحاولات حجب الموقع وقرصنة حسابات الصحافيين” مبينا أن حساباته الشخصية على فيسبوك وواتساب تعرضت للانتحال خلال الأيام الماضية.

ونبه إلى وجود الآلاف من الحسابات والغرف الإلكترونية والمجموعات التي تقوم بالقرصنة على المواقع وتهكير النشطاء السودانيين بجانب حملات دعائية منظمة لمساندة الحرب والتعتيم على الانتهاكات. وأكد ضرورة تضافر الجهود من أجل حماية المعلومة الصادقة وضمان انسيابها. وشدد على أن الحرب الدائرة حاليا هي حرب إعلامية في المقام الأول وتعتمد على التضليل ونشر المعلومات المزيفة، وإخفاء الجرائم المرتكبة.

◙ آلاف الغرف الإلكترونية تقوم بقرصنة المواقع بجانب حملات دعائية منظمة لمساندة الحرب والتعتيم على الانتهاكات

وينشط 22 ألف موقع إلكتروني وقناة إعلامية سودانية في الفضاء الرقمي، غير أن عبدالواحد يرى أنها تحاول تضليل الرأي العام، ونشر معلومات نجدها، عبر تحليل محتواها وقراءة اتجاهات الرأي العام، قائمة على تدليس الحقائق وحشد الطاقات للحرب.

ووفقا لتقرير نقابة الصحافيين، فإن 445 صحافيا وصحفية تعرضوا للقتل، أو الاعتقال، أو التعذيب، أو تدمير المنشآت الإعلامية منذ بداية الحرب، حيث قُتل 11 صحافيا، بينهم صحفيتان، وأُطلق النار بشكل مباشر على 28 صحافيا وصحفية، كما تم تسجيل 11 حالة اعتداء جسدي مباشر، شملت 4 صحفيات، في حين تعرض 54 صحافيا، من بينهم 7 صحفيات، للإخفاء القسري أو الاعتقال.

وقال مصعب بابا، وهو مستشار إعلامي ومدرب في مجال الحماية الرقمية، في تصريحات لراديو دبنقا إن الفضاء الرقمي، خلال العشرين عاما الماضية، أصبح المصدر الأساسي لتبادل المعلومات، مبينا أن الكثير من الصحافيين باتوا يستخدمون وسائل التواصل والإعلام الإلكتروني كمنصات للنشر.

وكان نظام الرئيس المعزول عمر البشير يحاول تكميم أفواه الصحافيين وحرية الرأي، حيث استعان جهاز الأمن بشركات أجنبية لتولي مهمة تكميم الأفواه والتهكير والمراقبة والهجوم على الصفحات والمواقع الإلكترونية، مشيرا إلى بذل أموال طائلة مقابل الاستهداف، ليتم توريث هذه الممارسة للسلطات الحالية.

وقال بابا إن السلطات تستخدم قوانين جرائم المعلوماتية لاستهداف الصحافيين الذين يعملون على تغطية قضايا الحرب والنزاعات، فضلا عن استخدام سلاح التهكير والقرصنة الإلكترونية، لافتا إلى أن الجهات الأمنية استدعت صحافيين وعرضت عليهم رسائل أرسلوها عبر الواتساب أو وسائل التواصل الاجتماعي، مما يشير إلى تمكن تلك الجهات من اختراق حساباتهم، واعتبر ذلك مؤشرا على عدم احترام السلطات للخصوصية وحرية الصحافة.

من جهته، يشير مسؤول وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن صفحة راديو دبنقا على فيسبوك تتعرض بانتظام لبلاغات منظمة مما يؤدي في بعض الأحيان إلى قلة الوصول العادي إلى المتابعين وضعف التفاعل. وتؤدي البلاغات إلى حجب وصول المواد الإعلامية إلى الآلاف من المتابعين. كما تنشط الغرف الإلكترونية في نشر تعليقات منتظمة للتشويش على الرسالة الإعلامية للراديو.

من جانبه، قال محمد ناجي، رئيس تحرير موقع سودان تريبيون، إن الهدف من عمليات التهكير هو توجيه رسالة محددة للجهة المستهدفة ويمكن أن يصل الأمر إلى حد التهديد. وقال إن سودان تريبيون قد تعرض لعدد من الهجمات السيبرانية آخرها قبل عدة أشهر.

وأوضح أن موقعهم تعرض للهجوم عن طريق إغراقه باصطناع زيارات تفوق طاقة الموقع المصمم من أجلها بما يوقفه عن العمل. وقال إن طرفي الحرب عملا على تجييش وحدات إعلامية مهمتها محاربة كل من يخرج عن الخط الذي يدعو إليه أحد الجانبين، وهي حرب عنيفة وتستخدم فيها كل الوسائل.

وربط تنامي ظاهرة الهجمات السيبرانية على المنصات الإعلامية المستقلة مع الهجمات التي يتعرض لها الإعلاميون منذ بداية الحرب. ويمكن أن تتم الهجمات الإلكترونية عبر التصيد الاحتيالي باستخدام الهندسة الإلكترونية، وذلك عن طريق استهداف أحد مديري أو مشرفي الموقع والعثور على ثغرة في تأمينه.

◙ تنامي ظاهرة الهجمات السيبرانية على المنصات الإعلامية المستقلة تزايد مع الهجمات التي يتعرض لها الإعلاميون منذ بداية الحرب

وبين خطاب حمد، الباحث في الحقوق الرقمية، أن عن طريق هذه الثغرة يتم إرسال ملف أو رابط ملغوم الأمر الذي يسهل اختراق الموقع. وقال إن التأمين الرقمي يحتاج إلى إمكانيات مادية وتقنية أكبر من الجهة المقرصنة لسد الثغرات.

ومن أجل التصدي للهجمات السيبرانية، عمدت البعض من وسائل الإعلام إلى تنفيذ احترازات تتعلق باستخدام حائط أمان للموقع الإلكتروني والقنوات الإلكترونية، فضلا عن تنظيم ورش تدريب حول الأمن الإلكتروني للصحافيين والإداريين، وتمليكهم بعض الأدوات والبرامج لحماية الخصوصية.

وحول خطوات المعالجة، أكد منتصر عبدالواحد ضرورة الالتزام ببروتوكول الحماية الإلكترونية باستخدام برامج وحوائط حماية ورصد على مدار الساعة. وأولى علامات القراصنة عدم القدرة على فتح الموقع الإلكتروني بسهولة، وبروتوكول الأمن الإلكتروني متوفر على نطاق واسع ويمكن شراؤه أو الحصول عليه مجانا. ويدعو ناشطون نقابة الصحافيين ومنتدى الإعلام السوداني إلى إصدار نشرات للأمن الإلكتروني للصحافيين عبر خبراء في الأمان الرقمي وتبني ورش تدريبية لاستعمال الأمان الصحفي.

وأشار محمد ناجي إلى أنهم عملوا على فصل الموقعين العربي والإنجليزي لسودان تريبيون عن بعضهما تفاديا للهجمات الإلكترونية عبر الإغراق بالزيارات، مشيرا إلى استضافة الموقعين المنفصلين في مخدمات ضخمة ذات طاقة استيعابية هائلة بما يمنح الشركة الموفرة للاستضافة الوقت للتعامل مع التزايد المفاجئ في أعداد الزائرين ورصد الهجمات بشكل مبكر وتفعيل أدوات الحماية لمواجهتها.

من جانبه أكد مصعب بابا ضرورة أن يحمي الصحافيون أنفسهم ومصادرهم باستخدام أدوات محددة. ودعا إلى تشفير “الواي فاي” عبر استخدام البرامج وتطبيقات في.بي.إن، وذلك لتشفير الاتصالات من أجل تقليل خطر المراقبة. كما دعا إلى استخدام مضادات الفايروسات لتفادي الفايروسات عبر الإيميل والأقراص الإلكترونية، مبينا أن معظم الفايروسات تستخدم للمراقبة. ودعا إلى تفصيل التحقق عبر الخطوتين في وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام كلمات سر قوية ومعقدة.