القاهرة تتجاهل خطاب حسن نوايا من إثيوبيا لتخفيف أزمة سد النهضة

وكالة أنباء حضرموت

في الوقت الذي أرسلت فيه إثيوبيا خطابا يحمل نوايا حسنة تجاه كل من مصر والسودان لتخفيف حدة أزمة سد النهضة، تجاهلت القاهرة التجاوب معه، وواصلت تحركاتها الدبلوماسية لتطوير علاقاتها مع الدول المجاورة لإثيوبيا، حيث وصل وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى أوغندا الخميس، وأجرى محادثات مع كبار المسؤولين فيها، كان ملف المياه في مقدمتها.

وبحث عبدالعاطي مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني سبل التعاون بين دول حوض نهر النيل والابتعاد عن “الإجراءات الأحادية”، وسط استمرار رفض القاهرة لاتفاقية عنتيبي بشأن إدارة مياه النيل.

وأوضحت الخارجية المصرية في بيان لها الجمعة أن لقاء جرى الخميس بمدينة عنتيبي الأوغندية، جمع الوزير المصري والرئيس موسيفيني، وخلاله سلم عبدالعاطي الرئيس الأوغندي رسالة من نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، أكد فيها على “أهمية الارتقاء بأواصر العلاقات الوطيدة التي تجمع البلدين وسبل تعزيزها في كافة المجالات”.

وشدد عبدالعاطي على أن مسألة الأمن المائي قضية وجودية بالنسبة إلى مصر، لافتا إلى ضرورة أن يكون التعاون على أساس القانون الدولي ومبدأ التوافق وعدم إحداث ضرر والإخطار المسبق، في إشارة تنطوي على رفض التصرفات الإثيوبية حتى الآن.

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمام مجلس نواب الشعب، الخميس، إن بناء سد النهضة اكتمل بنسبة مئة في المئة، وتم حجز كمية مياه كافية (نحو 62.5 مليار متر مكعب) دون إلحاق ضرر بدول مصر والسودان، مؤكدا أنه حال حدوث أي نقص من المياه في البلدين “سنقوم بتمرير المياه لهم (المصريين والسودانيين)، هم إخواننا ولن نقوم بإلحاق الضرر بهم، إثيوبيا ستكون ملتزمة بذلك”.

وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي إن “تصريحات آبي أحمد سياسية وموجهة إلى الشعب الإثيوبي الذي ينتظر نتائج سد النهضة ويتساءل بشكل مستمر عن عوائده، وفي أثناء مواجهته لعدد من الأحزاب المعارضة داخل البرلمان استخدم أرقاما أعلنها في أغسطس الماضي ما يعني أن لا جديد بشأن السد حتى الآن”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “حديثه عن عدم الإضرار بمصر رغم حجز أكثر من 60 مليار متر مكعب من المياه مغالطة كبيرة، لأن هذه الكميات من المياه كان من المفترض أن تذهب إلى مصر، وتشكل أكثر من حصتها السنوية كاملة والمقدرة بـ55 مليار متر مكعب. ومفهوم الضرر لدى الإثيوبيين هو ألا يتعرض الآلاف من المصريين للجوع والعطش”.

وشدد على أن عدم معرفة مصر بالكميات التي قامت إثيوبيا بحجزها دفعها إلى اتخاذ تدابير مكلفة للغاية تسبب جزء منها في احتدام الأزمة الاقتصادية الراهنة جراء المشروعات الضخمة التي دشنتها الدولة لترشيد استهلاك المياه، وتراجع المساحات المزروعة بالمحاصيل كثيفة استهلاك المياه مثل الأرز.

وفُسرت التهدئة الإثيوبية بأنها محاولة لبدء صفحة جديدة مع القاهرة، بعد تصاعد حدة الخلافات في الفترة الماضية، وخروجها عن سياق التباين التقليدي حول سد النهضة وتداعياته السلبية على مصر، وأن دولا على علاقة جيدة بالبلدين يمكن أن تكون قد تدخلت لمنع احتداد الأزمة، ومحاولة إيجاد حلول على قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”.

وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن خطاب آبي أحمد بشأن حسن النوايا ليس جديدا، وقد تكرر في محطات تفاوضية عديدة قبل توقفها نهائيا منذ عام، ومشكلة هذا النوع من الخطابات أنه معنوي، ولا يحمل مضمونا ماديا ملموسا، لأن المحك الرئيسي هو إنزاله في اتفاق ملزم لجميع الأطراف، الأمر الذي رفضته أديس أبابا، ولا تزال ترفضه.

وأضافت المصادر ذاتها أن فكرة عدم حدوث ضرر الفترة الماضية مغلوطة، لأن هناك ضررا وقع فعلا على مصر، فكمية المياه التي جرى احتجازها خلال السنوات الماضية كانت تمر تلقائيا إلى بلدي المصب (مصر والسودان)، وهذه خسارة واضحة، ولتعويض هذه الخسارة قامت الحكومة المصرية بتبني سياسات لترشيد المياه واللجوء إلى التنقية والتحلية بكلفة باهظة، فضلا عن السحب من المخزون الإستراتيجي في بحيرة ناصر خلف السد العالي، وهي خسارة أخرى.

عدم معرفة مصر بالكميات التي قامت إثيوبيا بحجزها دفعها إلى اتخاذ تدابير مكلفة للغاية تسبب جزء منها في احتدام الأزمة الاقتصادية الراهنة جراء المشروعات الضخمة لترشيد استهلاك المياه

وأوضحت المصادر أن حسن النوايا المتعارف عليه يحتاج إلى تنفيذ عملي من خلال التوقيع على اتفاق مُلزم، وهو ما ترفضه إثيوبيا، وسوف يظل حديثها الإيجابي عنه بلا تأثير، لأن مصر أبدت حسن نوايا ممتدا ودخلت مفاوضات على مدار عشر سنوات بلا طائل، ومن الطبيعي أن تتريث القاهرة في التعليق، لأنها تحتاج تطمينات موثقة، وستواصل سياساتها لتطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية لتجنب الأخطاء السابقة.

والخميس نفى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن تكون له مصلحة من وراء الانخراط في حرب وسط توتر متصاعد بشأن اتفاق أبرمه مع إقليم أرض الصومال في يناير الماضي.

وتصاعد التوتر بين مقديشو وأديس أبابا بسبب هذا الاتفاق الذي يمنح إثيوبيا منفذا بحريا جنوب البحر الأحمر، تنشئ بموجبه قاعدة عسكرية وتحصل على خدمات لوجستية، ويلبي طموحها في الوصول إلى مياه البحر عقب حرمانها من ذلك بسبب انفصال إريتريا عنها، حيث وافق إقليم أرض الصومال (شبه المستقل) على تأجير 20 كيلومترا من سواحله لإثيوبيا لمدة 50 عاما.

واعتبر الصومال الاتفاق غير قانوني ويمثل انتهاكا لسيادته، وطرد السفير الإثيوبي في مقديشو، واستبعد قواته من قوة حفظ سلام جديدة تابعة للاتحاد الأفريقي لمكافحة متمردي حركة الشباب الصومالية، سوف يتم نشرها في يناير المقبل، ووافق على دخول قوات مصرية ضمن قوة حفظ السلام.

وزادت الأمور تعقيدا عندما رفضت مصر الاتفاق الإثيوبي مع أرض الصومال، ثم عززت القاهرة علاقاتها العسكرية مع مقديشو ودعمتها بأسلحة، وهو ما أثار مخاوف لدى أديس أبابا، إذ اعتبرت التقارب بين مصر والصومال موجها ضدها، وغير منفصل عن تطورات سد النهضة.