شلل في جامعات الطب الجزائرية لفشل الحكومة في معالجة أزمة القطاع
تجددت سلسلة الاحتجاجات الطلابية في الجزائر واستمر الإضراب الذي يشل كليات الطب في البلاد، بما يوحي بفشل الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين ممثلي الطلبة ووزير التعليم العالي، لمعالجة المشاكل والمطالب المرفوعة، الأمر الذي يؤكد غياب الحلول الناجعة والجذرية لأزمة القطاع ووقف النزيف البشري والرغبة الملحة للأطباء في الهجرة، رغم محاولات الحكومة تطويق الظاهرة.
وضرب التعطيل والشلل كليات الطب والمستشفيات الجامعية الجزائرية بعد أن بدأ طلاب الطب في الجامعات الجزائرية إضرابا شاملا، احتجاجا على مشاكل مزمنة ناتجة عن معدلات البطالة المرتفعة وظروف ممارسة المهنة الصعبة، مما أفرز حالة من التهميش لقطاع دارسي الطب في البلاد.
ويفيد الطلبة بأن مشاكلهم تفاقمت خلال العامين الأخيرين، بعد الزيادة الكبيرة في عدد المقاعد الدراسية والملحقات الجامعية دون تحسين وتطوير البنية التحتية التعليمية لمواكبة تلك الزيادات.
وتواصلت الوقفات الاحتجاجية والإضراب عن الدراسة في مختلف كليات الطب الجزائرية، على غرار تيزي وزو والعاصمة وقسنطينة وسعيدة وسيدي بلعباس.. وغيرها من المدن الجامعية، مما يكرس فشل الاتفاق المعلن عنه في وقت سابق من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، لاسيما وأن المخرجات لم تكن واضحة ومقنعة وأحيلت أغلبية المطالب على اللجان المشتركة في الأسابيع المقبلة.
خارطة الطريق التي اتفق عليها الطلبة ومسؤولو الوزارة الوصية غير مقنعة لهم، مما يبقي هاجس الهجرة لديهم
ويبدو أن التنظيم الطلابي لم يقتنع بالاتفاق المذكور، ولذلك يواصل الطلبة وقفاتهم الاحتجاجية وإضرابهم عن الدراسة، في ظل مخاوفهم من عدم قدرة الوصاية على توفير آليات بناء مسارهم المهني والاجتماعي في المؤسسات الصحية الوطنية، وصرف النظر عن الهجرة المهنية والعلمية، رغم مزاعم التوافق الذي توج لقاء ممثلي الطلبة مع مسؤولي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ويبرر هؤلاء تصورهم بالتباين الكبير بين الظروف المهنية والاجتماعية للطبيب الجزائري، وفارق الإمكانيات المادية واللوجستية بين المؤسسات المحلية، وبين المؤسسات التي يقصدون الهجرة إليها في أوروبا وبعض الدول العربية.
وحتى خارطة الطريق التي اتفق عليها الطلبة ومسؤولو الوزارة الوصية غير مقنعة لهؤلاء، مما يبقي هاجس النزيف البشري للكوادر الجزائرية خاصة في المجال الطبي قائما، ما دامت الحلول الجذرية غير متوفرة، والحكومات المتعاقبة لم تبد إرادة حقيقية لتثمين النخب الجامعية في مختلف القطاعات، حيث يرتفع مؤشر البطالة سنويا في صفوف المتخرجين من الجامعات والكليات والدارسات العليا.
وكان اللقاء الذي جمع وزير التعلم العالي والبحث العلمي الجزائري كمال بداري، مع ممثلي طلبة جامعات الطب، بحضور مديري الكليات والمؤسسات الجامعية قد أعطى الانطباع بانتهاء الحركة الاحتجاجية التي شملت مختلف الجامعات والكليات الطبية في البلاد، بعد التوافق على حزمة من الإجراءات يعول عليها لعودة الهدوء والاستقرار إلى الجامعة والطلبة إلى المدرجات، لكن التشنج يستمر بين الطرفين.
وأورد بيان لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بأنه تم “الاتفاق بين الطرفين على رفع عدد مناصب مسابقة الالتحاق بالدراسات الطبية الخاصة إلى 4045 منصبا بعدما كان 3045، فضلا عن تحديد تاريخ الخامس عشر من ديسمبر 2024، كآخر أجل لإيداع ملف الاعتماد الدولي، وتشكيل فرق عمل تضم ممثلي طلبة كليات العلوم الطبية، وكوادر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، من أجل تقديم اقتراحات تخص رفع المنحة وقيمتها المالية، وانشغالات أخرى للهيئات المعنية”.
مشاكل الطلبة تفاقمت بعد الزيادة الكبيرة في عدد المقاعد الدراسية والملحقات الجامعية دون تحسين البنية التحتية
وأضاف “تقرر تجميد تطبيق العمل بالمادة 9، للقرار 1144، المحدد لشروط الالتحاق بطور التكوين في الدراسات الطبية الخاصة، تحسبا لتعديله وبإشراك ممثلي الطلبة، فضلا عن الانطلاق في إحصاء حالات طالبي توثيق الشهادات عبر منصة رقمية خاصة، مع تشكيل فوج عمل لتقديم اقتراحات في هذا الموضوع”.
ولفت إلى “التكفل بالانشغالات المقدمة من قبل ممثلي طلبة كليات العلوم الطبية على المستوى المحلي، وحدد تاريخ السابع والعشرين من شهر أكتوبر الجاري، كآخر أجل لبدء أشغال مختلف أفواج العمل المشكلة للتكفل بانشغالات الطلبة”.
وكانت الحكومة الجزائرية قد أقرت منع المصادقة على شهادات الأطباء منذ عدة أشهر، الأمر الذي أثار استياء الطلبة وفتح المجال أمام التأويلات في الأوساط السياسية والطبية، حيث تباينت المواقف بين مؤيد للخطوة بدعوى الحد من هجرة الأطباء إلى الخارج، وبين معارضة تراها مخالفة صريحة للدستور الجزائري والحقوق الأساسية للمواطنين.
وتأتي هذه القضية في سياق محاولة السلطات مواجهة النزيف المستمر للكفاءات الطبية الجزائرية، خاصة نحو فرنسا، حيث ينجح المئات من الأطباء الجزائريين سنويا في مسابقات الالتحاق بالمستشفيات الفرنسية، ووفقا للقوائم المعلنة من وزارة الصحة الفرنسية، يشكل الأطباء الجزائريون نسبة كبيرة من الناجحين في هذه المسابقات التي تجرى باللغة الفرنسية، خاصة في ظل تشابه المسار الدراسي في كليات الطب بين البلدين.
وشهدت الجزائر العام 2022 هجرة 1200 طبيب نحو المؤسسات الفرنسية، من ضمن 2000 طبيب استقبلتهم فرنسا من البلدان المغاربية، الأمر الذي أثار حينها جدلا صاخبا حول تساهل السلطات المختصة مع نزيف الكفاءات الطبية التي تنفق عليها أموالا طائلة، وتأثير ذلك على الإمكانيات البشرية اللازمة في المستشفيات والمؤسسات المحلية.
وفي سؤال رقابي طرح في البرلمان، برر وزير التعليم العالي والبحث العلمي كمال بداري قرار توقيف التصديق أمام نواب البرلمان عند مساءلته عن الملف، بكون “الخطوة تهدف إلى الحفاظ على هذه الكفاءات داخل الجزائر وتلبية الحاجيات المحلية”، في تلميح إلى عدم تكرار تجربة العام 2022، لكنه في المقابل لم يقدم الضمانات اللازمة لحصول الخريجين على وظائف في المؤسسات الصحية.
وجاء التحول في موقف الحكومة تجاه الهجرة الجماعية للأطباء الجزائريين، بعد أن كانت حكومات سابقة تعتبرها “أمرا عاديا”، وأنها “لا تتوقف على الجزائر فقط، فهناك العديد من الدول المغاربية والآسيوية تشهد نفس الظاهرة”، الأمر الذي حول القضية إلى بؤرة توتر اجتماعي، خاصة في ظل التسيير الإداري للملف، بدل إطلاق حوافز وتوفير شروط مهنية واجتماعية تبقي الأطباء الجزائريين في بلدهم.