الهواجس الأمنية والتوترات العسكرية في منطقة الساحل تحمل قائد الجيش الجزائري إلى موريتانيا

وكالة أنباء حضرموت

 تبرز زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة إلى موريتانيا بدعوة من نظيره قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية المختار بله شعبان، هاجس القلق في البلدين من تهديدات منبعها منطقة الساحل والأوضاع المتوترة في دول الجوار.

وذكرت البيانات الرسمية أن الزيارة تأتي في إطار تعزيز التقارب الشامل بين البلدين، والتشاور حول الملفات المشتركة بينهما، غير أن التوترات في دول الجوار تلقي بظلالها على الزيارة وترى المصادر أنها الهدف الرئيسي. وترى الجزائر أنها مستهدفة من التغييرات الأمنية التي تجري في المنطقة منذ أشهر، وأن أمنها القومي "بات مهددا من لاعبين جدد في الجوار"، يحملون "أجندات أجنبية عن المنطقة، الهدف منها ضرب استقرار بلدان بعينها".

وجاء في منشور ضمن الصفحة الرسمية لوزارة الدفاع الجزائرية على فيسبوك "بدعوة من الفريق المختار بله شعبان، قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية، يشرع الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، في زيارة رسمية إلى الجمهورية الإسلامية الموريتانية ابتداء من 15 أكتوبر 2024. وهي الزيارة التي تندرج في إطار تعزيز التعاون بين الجيش الوطني الشعبي والقوات المسلحة الموريتانية، سيتباحث الطرفان المسائل ذات الاهتمام المشترك".

وتفرض الضرورات الأمنية والعسكرية نفسها على مؤسسات البلدين، لتجسيد مشاريع التعاون المشترك والنهوض بالتنمية في الشريط الحدودي الرابط بين البلدين، لاسيما مشروع الطريق السريع الرابط بين تيندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، إذ أن الأوضاع الأمنية الإقليمية باتت تلقي بظلالها على الأمن الإستراتيجي في البلدين.

ويبدو أن قيادتيْ المؤسستين العسكريتين في الجزائر وموريتانيا تريدان استباق فرضيات الانفلات الأمني في المنطقة، خاصة مع وصول شرارة المواجهات العسكرية في دولة مالي المجاورة إلى البلدين؛ حيث امتدت ملاحقات الجيش المالي -المدعوم من قبل مجموعة فاغنر الروسية- للفصائل الأزوادية المسلحة إلى المسافة صفر مع الحدود الجزائرية، كما أن مواطنين موريتانيين قضوا خلال الأشهر الأخيرة بسبب نيران نفس الجيش، في إطار ما يسميه الحرب على الإرهاب.

وتحدثت تقارير محلية وعربية عن أهمية لقاء شنقريحة بنظيره الموريتاني بله شعبان، باعتباره لا يستمد أهميته فقط من أهمية الشخصيتين باعتبارهما الفاعل الأول في اتخاذ القرار بالبلدين، وإنما أيضا بفعل التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها منطقة الساحل الأفريقي بشكل عام.

واستنادا إلى مصادر موريتانية، تم استبعاد فرضية محاولات محتملة لإخراج الزيارة عن سياقها، بإطلاق مزاعم حول توجيهها ضد طرف آخر، في تلميح إلى المغرب المتواجد في حالة قطيعة أحادية الجانب من طرف الجزائر. وذكرت مصادر رسمية أن موريتانيا دولة مغاربية مستقلة وذات سيادة وتدرك حجمها ولا يمكنها أن تكون أداة في يد أي دولة إقليمية ضد أخرى. وإذا كان المقصود بذلك أن تكون موريتانيا أداة جزائرية ضد المغرب، فهذا أمر غير وارد.

وأضافت أن موريتانيا تربطها علاقات متينة مع كل من الجزائر والمغرب، وقد رفضت في وقت سابق الانخراط في اللقاء المغاربي الثلاثي الذي ضم الجزائر وتونس وليبيا باعتبار أنه خطوة لوأد الاتحاد المغاربي، وهي ترفض أيضا أن تكون أداة مغربية ضد الجزائر.

◙ مصادر رسمية تؤكد أن موريتانيا دولة مغاربية مستقلة وذات سيادة ولن تكون أداة في يد أي دولة إقليمية ضد أخرى

وتعرف العلاقات الجزائرية - الموريتانية تقاربا لافتا خلال السنوات الأخيرة، حيث تم إبرام العديد من اتفاقيات التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين، وتم فتح معبر حدودي بينهما لتسهيل التبادل التجاري وحركة الأفراد، فضلا عن إطلاق مشروع طريق سيار يربط تيندوف الجزائرية بالزويرات الموريتانية، وهو ما يعتبر منفذا هاما للجزائر إلى أسواق أفريقيا الغربية.

ويطرح الشريط الحدودي المشترك بين البلدين، والبالغ طوله 460 كلم، تحديات أمنية كبيرة للقيادتين العسكريتين، لاسيما وأنهما الجهازان النافذان في الدولتين، فعلاوة على تسلسل شبكات الهجرة السرية تعتبر المنطقة فضاء مناسبا لتحرك ونشاط المجموعات المسلحة سواء الجهادية أو عصابات التهريب أو تجار المواد المحظورة.

وكانت الجزائر قد أدرجت المعبر الحدودي بين البلدين ضمن شبكة المناطق الحرة التي تنوي فتحها مع دول الجوار، على غرار النيجر وليبيا وتونس، وقبلها مالي قبل أن تنقلب الأوضاع السياسية والأمنية في باماكو، وتأمل في تفعيل وتنظيم التبادل التجاري وامتصاص ظاهرة التهريب التي تنخر اقتصادات بلدان المنطقة، خاصة المواد الاستهلاكية المدعومة من طرف الخزينة العمومية.

وأصبحت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة نقطة استقرار للمهاجرين غير النظاميين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، خصوصا من مالي، والفارين من النزاعات المسلحة والأزمات الاقتصادية. وبحسب بيانات رسمية تستضيف البلاد أكثر من مئة وخمسين ألف مهاجر، معظمهم فروا من الحرب في شمال مالي، وهو ما يشكل عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا على موريتانيا، أما الأمم المتحدة فتشير إلى أن عدد المهاجرين من دول الساحل في موريتانيا قفز من 57 ألف مهاجر عام 2019 إلى أكثر من 112 ألفا عام 2023.

وهي الظاهرة نفسها التي تعيشها الجزائر وبأعداد زائدة في السنوات الأخيرة، خاصة في مدن وبلدات الجنوب، الأمر الذي يشكل هاجسا أمنيا مشتركا للبلدين، في ظل فرضيات استغلال الظاهرة من طرف جهات معينة تسعى لضرب استقرار دول المنطقة. وذكر مسؤول موريتاني أن "المحادثات العسكرية الجزائرية - الموريتانية تكتسي أهميتها لجهة التحديات العسكرية والأمنية التي تعيشها الجزائر، خصوصا بعد التوتر الذي حدث بينها وبين حكام مالي الجدد وكذلك حكام النيجر، حيث لم يبق للجزائر من بوابة على المنطقة غير تونس".

وطوت الجزائر وموريتانيا خلافاتهما لضرورات أمنية، بعد خلاف حاد نشب في 2016، إثر تشكيل وحدة عسكرية مشتركة بين دول “مجموعة الساحل 5” (بوركينافاسو ومالي والنيجر والجزائر وموريتانيا) للتنسيق الأمني والعسكري ضد الإرهاب في المنطقة، بسبب إقصاء الجزائر من هذه المبادرة التي تم إطلاقها في موريتانيا، علما أن مقر هيئة أركان المجموعة يوجد في مدينة تمنراست بأقصى جنوب الجزائر. لكن في نهاية العام نفسه عاد الحوار العسكري بين البلدين إلى ما كان عليه، بفضل وساطة تونسية، حسب ما نقلته وسائل إعلام موريتانية آنذاك.