الديون تخنق المزارعين في تونس وسط تحديات محنة الجفاف
يحدو المزارعين التونسيين تفاؤل بأن تتحسن أوضاعهم هذا الموسم ويتخطوا المشاكل الهيكلية العميقة رغم أن القطاع حاول الصمود أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمناخية طيلة سنوات.
ويؤكد الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (نقابة المزارعين) الصعوبات المناخية الكبيرة، التي طالت الموسم السابق لقطاع الحبوب وأهمها القمح والشعير.
وأفاد شكري الرزقي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد بأن القطاع بدأ العام الماضي مع أمطار جيدة، وأن الموسم بشّر بمحصول وفير لكن خلال الربيع انقطعت الأمطار مما تسبب في انتكاسة للجميع.
وذكر عضو النقابة التي تأسست عام 1950 وتضم أغلب المزارعين في تونس، لوكالة الأناضول أن ديون منتجي الحبوب، بلغت نحو 1.4 مليار دينار (463.5 مليون دولار) شاملة فوائد القروض.
وتراهن الحكومة على زيادة المساحات المزروعة بالحبوب بعد أن تأكدت الحاجة الملحة إثر أزمة الطحين التي عاشتها البلاد خلال الحرب الروسية – الأوكرانية والجائحة، ما أفرز طوابير طويلة أمام المخابز.
وخلال ندوة الشهر الماضي، قال وزير الفلاحة عزالدين بالشيخ إن “الحبوب تمثل إحدى أهم دعائم الزراعة”، مبينا أن المساحات المخصصة لموسم 2024 – 2025 بلغت 1.17 مليون هكتار.
وأوضح أن نحو 250 ألف مزارع يعملون في مجال إنتاج الحبوب، الذي يسهم بنحو 9 في المئة من إجمالي الإنتاج الزراعي السنوي للبلاد.
ويبلغ الاستهلاك المحلي من الحبوب 36 مليون طن سنويا، كما أن لهذا القطاع تأثير على الميزان التجاري الغذائي حيث تمثل الحبوب المستوردة 50 في المئة من الحجم الإجمالي للواردات الغذائية.
وبشأن الموسم الحالي الذي يبدأ بين أكتوبر وديسمبر ببذر الحبوب، قال الرزقي “مؤخرا نزلت أمطار في بعض أنحاء البلاد، ما يشجع المزارعين على بدء أعمالهم بنجاح، وقد انطلقوا فعلا بالإعداد للموسم الجديد”.
وأضاف “يقوم المزارعون بما عليهم، وعلى الدولة توفير مستلزمات الإنتاج من بذور وأسمدة، ونرجو أن تكون الحكومة في الموعد وتضع بأيديهم المستلزمات الضرورية في أوقاتها وأماكنها وبكمياتها المطلوبة”.
ونقل الرزقي صورة مبشرة لمستوى الحبوب المعدة لبذرها وزراعتها بالموسم الجديد، قائلا “لدينا 261 ألف قنطار من الحبوب وهو رقم مناسب وفق المعايير، والبذور التي تركها المزارعون أنفسهم لزراعتها ستكون كافية ولن نحتاج إلى استيراد”.
واستطاع المزارعون خلال صيف 2024 حصاد 7.6 مليون قنطار (760 ألف طن) من الحبوب، وقال النقابي التونسي إنه “قياسا بالسنة التي قبلها التي جمعنا فيها نحو 3 ملايين قنطار فقط تعتبر الكمية المحصودة هذا العام مقبولة”.
وجاء موسم 2022 – 2023 على إثر موسم يعتبر طيبا، فالأزمة لم تكن كبيرة وكان للمزارع مخزون وافر، لكن الآن الأزمة مركبة بسبب توالي موسمين سيئين في ولايات (محافظات) الكاف وسليانة وباجة وبنزرت، حيث مناطق إنتاج الحبوب.
الحكومة تراهن على زيادة المساحات المزروعة بالحبوب بعد أن تأكدت الحاجة الملحة إثر أزمة الطحين التي عاشتها البلاد خلال الحرب الروسية – الأوكرانية والجائحة
ولكن الرزقي، يرى أن المزارعين باتوا يعانون بعد عامين من الجفاف، والوضع أصبح أصعب لأن بذمتهم ديونا كبيرة جراء تداعيات الجفاف.
وعانت تونس شحا في المياه، وتراجعا في احتياطيات السدود، جراء التغيرات المناخية وسنوات جفاف خلال الأعوام الثلاثة الماضية، في ظل ارتفاع الحرارة وانخفاض معدلات الأمطار.
ورغم أن الديون كبرت وهي متشعبة إلى درجة عدم حصرها، لكن هناك جهات أخرى مانحة مثل المزودين يقدمون أدوية وبذورا ومستلزمات زراعية والمؤسسات الصغيرة وجامعي المحاصيل يتدخلون أيضا في تمويل المزارعين.
ووفق الرزقي، فإن الجميع يجتهد ليكون شريكا في القطاع، لكن للأسف بحكم تغيرات المناخ، نشهد صعوبات كبيرة وخروجا عن المسار.
وقال “بعد أن كانت الزراعة قاطرة للاقتصاد تحاول اليوم النجاة بنفسها، نظرا إلى المخاطر العالية دون دعم كبير أسوة بالدول المتقدمة”.
وعلاوة على الآثار القاسية للاحتباس الحراري، ثمة مشاكل أخرى يعاني منها القطاع، كغلاء وسائل الإنتاج التي يتم استيراد أغلبها، ما ينعكس على الكلفة العامة للإنتاج، ويجعل المزارع يكافح على الدوام ليبقى واقفا على قدميه.
وبشأن الأرقام التي أعلنتها الحكومة عن المساحات المخصصة للزراعة قال الرزقي “كنا سابقا نزرع نحو 1.7 مليون هكتار، وبحكم تغيرات المناخ والجفاف أصبحنا نزرع 1.2 مليون هكتار، لكن المشكلة الأكبر هي كم هكتارا نحصده لا ما نزرعه”.
مليون دولار حجم ديون المزارعين، بحسب تقديرات الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري
وأضاف “دورنا هو تنفيذ ما تبرمجه الدولة، لكن الفارق بين ما نبذره وما نحصده هو السلبي في العملية”.
وتابع “نحصد في حدود 700 ألف أو 900 ألف هكتار، وإذا وصلنا إلى حصاد كل ما نبذره تكون خطوة إيجابية للغاية وسنة خير، لكن الجفاف يُقلص من المساحات المحصودة”.
وفي خضم كل التحديات، لا يزال المزارعون ينتظرون شهادة تمنحها الدولة في المساحات المتضررة من الجوائح الطبيعية مثل الجفاف والبرد، والتي من المتوقع أن تصدر هذا الشهر ليتمكن المزارعون من جدولة ديونهم.
ويؤكد النقابي أن المزارعين يتركون كل عام الاعتماد على البنوك إلى طرق أخرى للتمويل سواء المجمّعين أو المزودين أو مؤسسات أخرى ليستطيع الفلاح مجابهة السنة المقبلة.
والأمر الأكثر صعوبة هو عدم وجود إستراتيجية واضحة لطرح بعض ديون المزارعين مثلما حصل سابقا، ولكن الرزقي يقول إنه الآن هناك محاولات فردية لتسوية الوضع مع البنوك والمزوّدين وليس هناك قرار واضح لدعم المزارعين.
ومناشدا الحكومة بضرورة الدعم الكافي للمزارعين لإنجاح الموسم، شدد بالقول “إذا رفعنا شعار السيادة الغذائية لا بد من التفاتة للقطاع وأن تكون للدولة بصمتها لحل الأزمات”.
وأضاف “الزراعة قطاع سيادي ولا بد للدولة أن تضع الإمكانيات الضرورية لتنقذه حتى لا يخرج المزارعون من الدورة الاقتصادية وتهمش الأرض”.
وأشار الرزقي إلى أنه “كلما أنتجنا قنطارا من الحبوب في تونس نستغني عن استيراد قنطار من الخارج، وإذا كانت حاجتنا بحدود 30 مليون قنطار من القمح والشعير، فإننا إذا أنتجنا 20 مليون قنطار سنستورد فقط 10 ملايين قنطار وهكذا”.
واعتبر أن كل حبة قمح تنتج في تونس تعفينا من استنزاف العملة الصعبة، والدولة عليها توفير مستلزمات الإنتاج وتحسين ظروف عمل المزارعين.
ودخل اتحاد الفلاحة في مفاوضات سابقة مع الحكومة لإيجاد حلول لمشاكل القطاع، لكن تغير الوزراء المستمر لم يجعل الفكرة متواصلة.
ووفق أرقام رسمية تساهم الزراعة بحوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويساهم بنسبة 10 في المئة في الصادرات.
كما أن القطاع يستقطب 8 في المئة من جملة الاستثمارات في الاقتصاد، و14 في المئة من اليد العاملة النشطة، ويؤمّن موارد رزق لأكثر من 570 ألف شخص.