ظاهرة "الأوفر برايس" تلاحق سوق السيارات في مصر
يعكس ضغط السلطات المصرية على وكلاء السيارات بشأن استيراد المركبات كاملة الصنع، المخاوف من تجدد أزمة العملة الأجنبية، لكن الخطوة تؤدي إلى تقليص الكميات المعروضة، مقابل زيادة أو ثبات الطلب.
وتصاعدت تحذيرات الخبراء من عودة ظاهرة “الأوفر برايس” مرة أخرى بالقطاع من جراء توجيهات البنك المركزي، مؤكدين أنه كان ينبغي مشاركة الوكلاء في هذا القرار لأن السوق لا تتحمل صدمات جديدة.
وتعني ظاهرة “الأوفر برايس” الأموال التي يقوم الموزع أو المعرض بإضافتها على سعر السيارة الرسمي مقابل البيع الفوري للزبون أو تسريع بيع المركبات لزبون على حساب آخر يتعامل بالسعر المعلن.
وقالت مصادر لـ”العرب” إن هناك تقييدا غير معلن على استيراد السيارات تامة الصنع، يتضح عند التسجيل المسبق المعمول به وقت الاستيراد، وعندما يرغب المستوردون في الحصول على رقم تعريفي عبر نافذة التسجيل يظهر له أن “السيستم” أو النظام معطل.
وأكدت أن النظام يعمل بشكل طبيعي، لكنه مبرمج على رفض التسجيل لبعض السلع، وهي وسيلة من جانب الحكومة لمنع الاستيراد والضغط على الدولار، خوفا من الوقوع في أزمة شح عملة جديدة.
وأشارت المصادر إلى أنه لا تنطبق تلك القيود على مستلزمات الإنتاج للسيارات، باعتبارها توجه للصناعة، كما أن قطع الغيار يتم استيرادها دون الارتباط بأي من التعليمات التي تقوض الاستيراد.
وفي الوقت ذاته، لا يمكن للحكومة إبلاغ الوكلاء صراحة بإيقاف الاستيراد خشية كسر قواعد الاتفاقيات الدولية وحفاظا على سمعة البلاد.
والسبب في ذلك كي لا تُظهر السلطات بأن الدولة لا تزال تعاني من شح الدولار، لأن ذلك قد تترتب عليه عودة السوق الموازية مرة ثانية وبث الخوف لدى المستثمرين الأجانب.
وقال رئيس شعبة السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية عمر بلبع لـ”العرب” إن قرار المركزي بمنع تدبير العملة للسيارات كاملة الصنع، “تسبب في صدمة كبيرة للقطاع”.
وأوضح أن ذلك سيترك ضررا كبيرا حال تطبيقه على وكلاء السيارات كونهم يتعاملون مع الشركات الأم في الخارج ويتفقون معهم على مواصفات معينة لتصنيع سيارات محددة للسوق المصرية.
وتشهد سوق السيارات ارتفاعات في الأسعار ناشئة عن صعود سعر الدولار منذ احتدام أزمة العملة لأن سعر الصرف هو العامل الأساسي المتحكم في تحديد سعرها.
وذكر بلبع أن التعليمات الحالية جاءت مع ترقب السوق لموديلات العام الجديد (2025) وسط تفاؤل باختفاء “الأوفر برايس” مع وفرة العملة الصعبة، لكن القرارات الحكومية ستعيد الظاهرة مرة أخرى لتطفو على السطح بقوة.
في المئة نسبة تراجع المبيعات على أساس شهري في أغسطس ليبلغ 10 آلاف مركبة
وتراجعت مبيعات السيارات بالبلاد بنسبة 12 في المئة على أساس شهري في أغسطس الماضي لتصل إلى 10 آلاف وحدة من 11.4 ألف وحدة في يوليو، حسب بيانات مجلس معلومات سوق السيارات المصرية (أميك).
ويعد هذا أول انخفاض في إجمالي مبيعات السيارات بالبلاد بعد أربعة أشهر متتالية من النمو، عقب انخفاض قدره 43 في المئة على أساس شهري في مارس وشهد بيع 4200 وحدة فقط.
وسجلت سيارات الركوب انخفاضا بنسبة 14.4 في المئة على أساس شهري لتصل إلى 8.3 ألف وحدة مبيعة، مقارنة بنحو 9.7 ألف وحدة في يوليو.
كما انخفضت مبيعات الحافلات بنسبة 6.1 في المئة على أساس شهري إلى 604 وحدات، مقارنة بنحو 643 وحدة مبيعة في يوليو 2024.
وأوضح الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات خالد سعدالدين أن تقييد استيراد السيارات ستترتب عليه عودة “الأوفر برايس”، لأن ذلك يعني عدم زيادة المعروض في الأسواق، وبالتالي توسع فرص ارتفاع الأسعار بشكل عام.
ولفت لـ”العرب” إلى أن تلك الإجراءات تهدد علاقة وكلاء السيارات بالشركات الأم في الخارج، مع قرب انتهاء 2024 والذي يقومون فيه بتوقيع العقود للاتفاق على عدد الوحدات التي سيتم استيرادها في العام المقبل.
ورغم إلزام جهاز حماية المستهلك بوضع ملصق على كافة الإصدارات الجديدة داخل صالات العرض والتوكيلات وذكر جميع مواصفات المركبة، وسعر البيع الذي تتم كتابته بفاتورة البيع لمواجهة “الأوفر برايس”، لكن هذا لم يكن رادعا للقضاء عليها، إذ أصبحت تتم بعيدا عن أعين الأجهزة الرقابية.
ولا يوجد حد أدنى لاستيراد السيارات تامة الصنع من الخارج من جانب الوكلاء، ويتوقف الأمر على حجم السوق الذي يقدره الوكيل وفقا لنوع المركبة وسعرها ومدى الإقبال عليها وإستراتيجية الشركات العالمية المصنعة.
ويقول محللون إن نسب الارتفاع المتوقعة في الأسعار يصعب تحديدها لأنه سيختلف وفق عدد السيارات بكل موديل، لكنهم حذروا من أن يتحول صعود سعر بعض المركبات إلى ظاهرة تطال كل الأنواع المتاحة بالسوق المحلية.
ولا يمكن لوكلاء السيارات تامة الصنع استيرادها ولو قاموا بتوفير الدولار، لأن البنوك تشترط أن يكون مصدره حصيلة تصدير وهذا غير مطابق لعمل هؤلاء، لاسيما أن مصر لا تصدر سيارات في الأساس.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد طالب رجال الأعمال بضرورة تصنيع المنتجات المستوردة، ورهن تجاوز أزمة الدولار بتصنيع الكثير من المنتجات المستوردة، لافتا إلى أن رغم الظروف الراهنة المحيطة بالمنطقة، لم تتوقف الدولة عن العمل في المشاريع التي تنفذها.
وتسعى القاهرة إلى توطين صناعة المركبات عبر توفير عدد من الحوافز، على رأسها تخفيض الرسوم الجمركية على المكونات، وتقديم تسهيلات في إجراءات الترخيص والتسجيل وإتاحة الأراضي الصناعية.
وتشمل المحفزات تقديم دعم مالي للمشاريع الجديدة، فضلا عن التوجه نحو الاستدامة من خلال دعم تصنيع السيارات الكهربائية والصديقة للبيئة.
وتهدف هذه الحوافز إلى جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية وتشجيع التعاون والشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، خاصة الشركات العالمية ما يسهم في تحقيق نتائج ملموسة على المديين القصير والطويل في هذه الصناعة.