سيناريوهات قاتمة تنتظر الاقتصاد في لبنان وسوريا
يشكل الاقتصاد اللبناني والسوري أحد أبرز ضحايا التصعيد الجاري بين إسرائيل من جهة وإيران وذراعها حزب الله من جهة أخرى. وتعرضت قطاعات حيوية في لبنان مثل الزراعة والسياحة، إلى أضرار فادحة، لتفاقم من الأزمة الاقتصادية التي يعانيها البلد منذ العام 2019. وتسببت التطورات الأخيرة في حركة نزوح كبيرة قدرت بالآلاف تجاه سوريا، ما يحمّل سوريا هي الأخرى أعباء مالية واجتماعية جديدة، تتجلى مظاهرها في زيادة الضغوط التضخمية والضغط على الخدمات العامة.
وسلط مقال للباحثة الاقتصادية سامية محمد عبدالسلام، نشر في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، الضوء على تأثيرات الحرب الدائرة على الاقتصادين اللبناني والسوري. وبحسب البنك الدولي تعد الأزمة الاقتصادية والمالية التي يشهدها لبنان منذ العام 2019 ضمن الأزمات الاقتصادية الأسوأ على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وتتجلى مظاهر الأزمة في انكماش حجم الاقتصاد اللبناني على مدار خمس سنوات، على خلفية ركود غالبية القطاعات الاقتصادية، وعلى الأخص قطاع الخدمات، بما في ذلك السياحة. وقد انكمش حجم الاقتصاد اللبناني بنسبة 38 في المئة في الفترة بين عامي 2018 و2022، متراجعا من 54.9 مليار دولار إلى نحو 21 مليار دولار في الفترة المذكورة.
واستمر هذا الأداء السلبي حتى العام الماضي، فقد سجل الاقتصاد اللبناني نموا سلبيا بنسبة 0.2 في المئة في عام 2023، بعد نمو صفري في عام 2022. وبسبب فجوة النقد الأجنبي بسوق الصرف، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 98 في المئة من قيمتها في السوق الموازية منذ عام 2019، مما أضعف قدرة المواطنين الشرائية بشكل كبير. في هذه الأثناء أيضا، ارتفع معدل الفقر في لبنان من 12 في المئة في 2012 إلى 44 في المئة في عام 2022.
كما تفاقمت أزمة الديون في لبنان، وبلغت ذروتها عندما تخلفت الحكومة اللبنانية عن سداد مستحقات السندات الأجنبية المستحقة في التاسع من مارس 2020 بما مقداره 1.2 مليار دولار. ويتحمل لبنان أعباء مديونية تبلغ ثلاثة أضعاف حجم ناتجه المحلي، ففي عام 2022 بلغ رصيد الدين الخارجي الإجمالي نحو 67.1 مليار دولار (أو ما يعادل 309.2 في المئة من الناتج المحلي لعام 2022، البنك الدولي).
إضافة إلى الأزمة الهيكلية السابقة، جاء التصعيد العسكري بين إسرائيل من جهة وحزب الله وإيران من جهة أخرى، ليفرض المزيد من التحديات على الاقتصاد اللبناني المتعثر. وقد ألحقت العمليات العسكرية في جنوب لبنان أضرارا ملحوظة بقطاعي السياحة والزراعة هناك، ولم تقتصر تلك الخسائر على منطقة الجنوب اللبناني، بل امتد تأثيرها إلى كافة أنحاء البلاد.
◙ وفق تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من المقدر أن ينكمش الاقتصاد اللبناني بنسبة 7.2 في المئة بنهاية عام 2024
بالأساس، تؤدي الزراعة دورا حيويا في الاقتصاد اللبناني، إذ يشكل القطاع الزراعي نحو 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتمثل الزراعة النشاط الاقتصاد الرئيسي لدى الكثير من بلدات الجنوب، بحصة تصل إلى 80 في المئة من ناتجها المحلي سنويا. ومنذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023 وحتى الثاني عشر من سبتمبر الماضي، تعرضت الأصول الزراعية لتدمير، جزئي أو كلي، شمل ذلك تخريب نحو 1879 فدانا من الأراضي الزراعية، إلى جانب تدمير الغابات ومعظم الثروة الحيوانية.
وأثرت العمليات العسكرية الإسرائيلية، التي دفعت المزارعين إلى هجران أراضيهم، في إنتاج العديد من المحاصيل الزراعية، خاصة قطاع التبغ، وهو المحصول النقدي الرئيسي بالمنطقة. وفي المجمل، قدرت خسائر القطاع الزراعي منذ بداية حرب غزة وحتى يونيو الماضي بنحو ثلاثة مليارات دولار وفق حسابات وزارة الاقتصاد اللبنانية، وهي مرشحة لتتضاعف في ظل التصعيد العسكري الأخير.
وبينما كان قطاع السياحة اللبناني في طريقه للتعافي، بعد عدة أعوام من الانكماش، بات يواجه الآن رياحا معاكسة، خاصة مع تعليق العديد من الشركات الأجنبية رحلاتها من وإلى لبنان، إلى جانب تحذير العديد من الحكومات الأجنبية من السفر إلى لبنان.
ومع تصاعد التوترات الأمنية مؤخرا، من المرشح أن تشهد الحركة السياحية المزيد من التراجع حتى نهاية العام الجاري. وقد اضطرت المنشآت الفندقية والمطاعم اللبنانية (ولاسيما بمنطقة الجنوب) على إثر هذه الظروف إلى الإغلاق، فيما انخفض معدل الإشغال بالفنادق اللبنانية إلى نحو 7 في المئة وفق بيار الأشقر، رئيس اتحاد نقابات المؤسسات السياحية في لبنان.
وبالمجمل، قد يفقد القطاع السياحي إيرادات سنوية تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار نتيجة التطورات الأخيرة. ووفق التقديرات الأولية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من المقدر أن ينكمش الاقتصاد اللبناني، في ظل توقف النشاطين السياحي والزراعي وغيرهما، بنسبة 7.2 في المئة بنهاية عام 2024، وهو معدل مرشح للزيادة بنهاية العام الجاري. وإذا ما أضيفت التكاليف غير المباشرة؛ أي البنية التحتية المدمرة، فقد تزيد خسائر الاقتصاد اللبناني إلى نحو 10 مليارات دولار أو أكثر (ما يقترب من نصف الناتج المحلي اللبناني).
ويتمثل السيناريو الأكثر تشاؤما للاقتصاد اللبناني في استمرار التوترات الأمنية حتى العام المقبل. فكلما طال أمد الصراع، كلما زادت حدة خسائر الاقتصاد اللبناني. الوضع ليس بأفضل بالنسبة للجارة سوريا التي تواجه تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عشر عاما، تتمثل في تراجع العملة وزيادة التضخم، ونقص الاستثمارات وغيرها من الإشكاليات الهيكلية الأخرى.
وتأتي الأزمة في جنوب لبنان لتضيف أعباء جديدة على الاقتصاد السوري، بحسب تقديرات المؤسسات الاقتصادية الدولية. وهنا، قدر أن نحو 235 ألف شخص نزحوا من لبنان إلى سوريا برا خلال الفترة من الحادي والعشرين من سبتمبر إلى الثالث من أكتوبر الجاري، طبقا للمنظمة الدولية للهجرة. ومن المرجح أن تؤدي موجات النزوح المتزايدة من لبنان تجاه سوريا إلى فرض المزيد من الضغوط على أسواق السلع الأساسية والعقارات، مما ستنجم عنه زيادة الضغوط التضخمية بالداخل السوري.
ومن الواضح أن التصعيد العسكري في منطقة الجنوب اللبناني يفرض ضغوطا اقتصادية لا تقتصر على الاقتصاد اللبناني فقط، وإنما تمتد إلى باقي دول المنطقة خاصة سوريا. ولتفادي حدوث سيناريو أسوأ للاقتصاد اللبناني والمزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية هناك، يقتضي الأمر توفير المؤسسات الدولية والحكومات مساعدات دولية عاجلة ومستدامة للحكومة اللبنانية، من أجل مساندة اقتصادها أثناء فترة الصراع الراهن.