شروط الدبيبة تنهي مبادرة الوفد الأفريقي قبل أن تبدأ

وكالة أنباء حضرموت

اختار رئيس حكومة الوحدة للوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة إنهاء جهود رئيس الاتحاد الأفريقي والوفد المرافق له في طرابلس بخصوص المصالحة الوطنية بعد ساعات قليلة من بدئها، وكأنه يقول للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني ولرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي ووزير خارجية الكونغو برازافيل جان كلود جاكوسو: شكر الله سعيكم، لا حل ولا مصالحة إلا بشروطنا.

وأفاد الدبيبة أنه غير متشبث بالكرسي ولا متعلق بامتيازاته، وهو مستعد للتنازل عن السلطة ولكن شريطة أن يسلم المقاليد إلى حكومة منتخبة تأتي عبر صناديق الاقتراع.

وأضاف أن الانتخابات يجب أن تنتظم على أسس قانونية نزيهة ومتينة يتضمنها دستور ليبي متفق عليه، وأكد أن ليبيا ليست في حالة انقسام عميق أو حالة انقسام اجتماعية ولا ديموغرافية كما يظن البعض، والصراع محصور في مجموعات سياسية ونزاع على تقاسم الثروة فحسب.

ووفق ما جاء في كلمته أمام الوفد الأفريقي، فإن الدبيبة كشف عن طبيعة موقفه الذي ينقله عنه المقربون وهو إصراره على البقاء في الحكم إلى أجل غير مسمّى، وقد يصل طموحه إلى تحديد 20 عاما، طالما أنه يمتلك الآليات التي تسمح له بذلك.

ويشترط الدبيبة أولا أن يتم الاتفاق على دستور جديد، وهذا في حد ذاته يحتاج إلى خمس سنوات أخرى على الأقل، ثم بعد ذلك يبدأ التفكير في تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولكن دون أي ضمان بأن جميع الفرقاء سيتقبلون النتائج مهما كانت اتجاهاتها.

ولعل أهم ما يتميز به الدبيبة أنه يعرف دائما كيف يؤكد استعداده ليقوم بدور إيجابي في طي صفحة الماضي، والانطلاق نحو مستقبل أفضل للدولة والمجتمع، حتى أنه قال أمام الوفد الأفريقي إن المشهد السياسي الليبي يدخل مرحلة جديدة، وإن حكومته بدأت في اتخاذ الخطوات اللازمة والحاسمة لحلّ العقبات التي قيّدت المشهد لسنوات طوال.

وأشاد الدبيبة بزيارة رئيس الاتحاد الأفريقي والوفد المرافق له، واعتبرها رسالة دعم قوية لليبيا في هذا الوقت الحاسم.

وأوضح “عازمون خلال المرحلة المقبلة على المضي قدما لتحقيق قرارات محورية من أجل إزالة العوائق التي شوّهت مسار الاستقرار، الذي نصرّ على تحقيقه، وهذه الإجراءات لن تكون الأخيرة، والحكومة مستمرة بقوة في هذا المسار، خاصة في قضايا أمننا القومي”، مردفا “كل ذلك يصب لمصلحة رؤيتنا الواضحة لمستقبل ليبيا، التي يجب أن تعبر المراحل الانتقالية، وتذهب مباشرة إلى إجراء الانتخابات عبر أساس قانوني متين ونزيه”.

من جانبه، قال ولد الشيخ الغزواني إن زيارة ليبيا تدخل في إطار الجهود التي يبذلها الاتحاد الأفريقي، للمساهمة في تحقيق المصالحة الوطنية الليبية، وأضاف أنه “كلف لهذا الغرض لجنة رفيعة المستوى برئاسة الرئيس الكونغولي دينيس ساسونغيسو”، معتبرا أن الغرض من الزيارة “هو التضامن مع الشعب الليبي، وتأكيد الانخراط في الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة”.

وأكد ولد الشيخ الغزواني أن “هذه الزيارة يراد منها أن تكون محطة حاسمة، وخطوة إلى الأمام في مجال إنهاء الخلافات بين الأشقاء الليبيين”، معبرا عن ارتياحه لما سمعه من رئيس الوزراء الليبي في كلمته، وهو ما يبين استعداده الواضح لإنجاح هذه المهمة.

وأشار إلى أن ظروف ليبيا الحالية تستوجب أن يهبّ الأشقاء والأصدقاء لاسيما الأفارقة من أجل تقريب وجهات النظر، مؤكدا أن مكانتها الإستراتيجية رائدة في أفريقيا وفي الأمتين العربية والإسلامية، معتبرا  أن “الغاية من هذه الزيارة هي التحضير الجيد للاجتماع القادم في أديس أبابا، باعتباره أساسا لعملية سلام شاملة تفضي إلى ميثاق للمصالحة الوطنية وضمان عودة ليبيا إلى الأدوار التي كانت تلعبها؛ على أن يتم تحديد موعد ذلك الاجتماع لاحقا بالتشاور من أجل الوصول إلى الغايات المنشودة وهي المؤتمر الوطني للمصالحة كهدف أسمى”.

رئيس الاتحاد الأفريقي محمد ولد الشيخ الغزواني لم يلمس لدى الأطراف التي قابلها حماسا للحل أو للمصالحة

ويبدو واضحا أن الرئيس الموريتاني ورئيس الاتحاد الأفريقي لم يلمس لدى الأطراف التي قابلها حماسا للحل أو للمصالحة كما كان يعتقد، وإنما هناك الكثير من العراقيل التي توضع بحرفية تامة من أجل قطع الطريق أمام جهود الاتحاد الأفريقي الذي يبدو أنه الوحيد الذي يحاول أن يقدم شيئا إيجابيا دون حسابات مسبقة، ما عدا أن الأفارقة يريدون الأمن والوحدة والاستقرار للبلد الواقع في شمال القارة والذي كان له دور مهم في خدمة قضايا القارة بما في ذلك الإعلان عن تأسيسها اتحادها.

ويدرك رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي ووزير خارجية الكونغو برازفيل من خلال اتصالاتهما المتواصلة مع الفرقاء الليبيين أن المصالح الفردية والأسرية والفئوية والحزبية والقبلية هي التي تطغى على الفاعلين الأساسيين، وأن ملف المصالحة لا يزال معطلا وسيبقى من دون أفق، وذلك بسبب رفض القوى الفاعلة على الأرض سواء عبر السلطة أو السلاح توفير عنصر المساواة بين الجماعة، وتجاوز العقلية الإقصائية، وتوفير الإطار الملائم ليعبر الليبيون جميعا عن تطلعاتهم وطموحاتهم في اتجاه الدولة العادلة والنظام الديمقراطي التعددي.

وشهد العام 2024 انسحاب فريق سيف الإسلام القذافي، وفريق القيادة العامة للجيش من اللجان التحضيرية للمؤتمر الوطني للمصالحة الذي كان من المنتظر أن ينعقد في 28 أبريل بمدينة سرت، ولكن تم إلغاء المؤتمر، ثم أعلن عن تنظيم مؤتمر شامل في أديس أبابا في منتصف أكتوبر الحالي برعاية الاتحاد الأفريقي، قبل أن يتم تأجيله مبدئيا إلى شهر فبراير 2025، وقد لا يرى النور خلال السنوات العشر القادمة، نظرا إلى أن المصالحة يمكن أن تخدم من تعرضوا للعزل والإقصاء، وبالمقابل ستضعف من حظوظ من يعتبرون أنفسهم أصحاب القرار الفعلي في البلاد بما يمتلكونه من مقاليد السلطة ومفاتيح الثروة والأهم من ذلك مخازن الذخيرة.

ويدرك المتابعون للشأن الليبي أن القرار في العاصمة طرابلس بيد الدبيبة وقادة الميليشيات، وفي المنطقة الشرقية والجنوبية بيد الجنرال خليفة حفتر، وأن الطرفين متفقان على أن يتواصل الوضع على ما هو عليه، لاسيما أن أسرتيهما قادرتان إلى حد الآن على ملء الفراغ، وعندما يواجهها أيّ مطب، فإن اجتماعا بين إبراهيم الدبيبة وصدام حفتر في أيّ عاصمة إقليمية يمكن أن يحلحل الوضع، كما حدث في حالة قرار الإطاحة بالصديق الكبير من منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي برعاية أميركية، وقبل ذلك في حالة عزل مصطفى صنع الله من رئاسة المؤسسة الوطنية للنفط في يوليو 2022، ثم التحق بالخدمة سامي المنفي الذي بات يمثل شقيقه رئيس المجلس الرئاسي في أيّ مشاورات بين حكومتي الظل.

وعندما يحاول رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إقناع الجانب الأميركي بضرورة الإطاحة بالدبيبة وتشكيل حكومة وحدة جديدة لتأمين تنظيم الانتخابات المنتظرة، فإنه يحتاج أن يسعى باسمه الخاص وباسم الجنرال إلى التبرؤ من التبعية لموسكو وتأكيد استعداده لفسح المجال لواشنطن، لكن ذلك بالطبع لن يقنع الأميركيين الذين يجدون في الوضع الحالي أفضل ما يمكن تحقيقه لخدمة مصالحهم من خلال لعب الدور السلبي لا الإيجابي.

ولأن الدبيبة يرى أن الرياح تهب في اتجاه مصالحه، فإن من حقه أن يضع شروطه أمام أيّ مبادرة للمصالحة، وأمام أيّ جهود لتوحيد البلاد في اتجاه تنظيم الاستحقاقين الرئاسي والبرلماني، وهي الاستفتاء على الدستور أولا، ثم تنظيم الانتخابات ثانيا، ومن هناك يمكن أن يقبل الحديث بشأن تسليم السلطة لمن قد ينتخبه الشعب.

أما في شرق البلاد، فكل شيء يجري وفق حسابات ومصالح الأسرة الحاكمة التي تفرض إرادتها بسلطتي السلاح والثروة، وبقدرتها على ممارسة لعبة النفوذ من فوق حبل التوازنات الإستراتيجية والجيوسياسية.