مطالبة المتشددين الإيرانيين بقنبلة نووية اعتراف بفشل إستراتيجية الردع بالصواريخ والميليشيات

وكالة أنباء حضرموت

 رفع المتشددون في طهران أصواتهم مطالبين بحيازة قنبلة نووية من أجل التصدي لتهديدات إسرائيل، ما يظهر شعورا رسميا بفشل إستراتيجية الردع بالصواريخ والميليشيات التي تبنتها إيران منذ عقود.

ودعا أكثر من ثلاثين نائبا في البرلمان الإيراني إلى إعادة النظر في العقيدة النووية، وذلك في رسالة بعثوها إلى المجلس الأعلى للأمن القومي، وطالبوا المرشد الأعلى علي خامنئي بإعادة النظر في فتواه التي تحظر “استخدام” الأسلحة النووية.

وتعكس هذه الدعوة اقتناع التيار المتشدد، الذي يسيطر على إيران، بأن الرهان على تصنيع الصواريخ والمسيرات محدود التأثير، ولا يمكنه أن يحدث توازن الردع مع إسرائيل التي تصنّع أسلحة متطورة وتحصل من الولايات المتحدة على دعم عسكري واستخباري نوعي لا تقدر على مواجهته صواريخ إيران ومسيراتها بالرغم من البروباغندا الرسمية عن نجاح خيار الاعتماد على الذات.

ووقف الإيرانيون حكومة وشعبا على محدودية صواريخ بلادهم ومسيّراتها بعد هجوم أبريل الماضي على إسرائيل ردا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق. ورغم أن إيران أطلقت على إسرائيل العشرات من الصواريخ والمسيرات إلا أنها لم تصل وتم إسقاط أغلبها عن طريق الحلفاء وسقط بعضها في مناطق خالية.

وفي الأول من أكتوبر الجاري أطلقت إيران نحو 200 صاروخ بالستي على إسرائيل، في هجوم وضعته طهران في خانة الثأر لمقتل إسماعيل هنية، زعيم حماس، وحسن نصرالله زعيم حزب الله ورقة إيران القوية في المنطقة. لكن الرد لم يحقق الهدف منه، ولم تخترق الصواريخ الدفاعات الجوية الإسرائيلية بعد أن تم إسقاط أغلبها، وحتى التي أفلتت من نظام القبة الحديدية لم تلحق بالمواقع الإسرائيلية خسائر ذات قيمة.

وبان بالكاشف أن الأسلحة -التي كانت إيران تقول إنها تهدف إلى ردع إسرائيل- محدودة، وأن الحديث عن التسليح والتطوير وعرض أنواع جديدة من المسيرات والصواريخ كان دعاية سياسية يمكن أن تصلح للضغط على بعض دول الإقليم وإرباكها، ويبرز ذلك مثلا في استهداف الحوثيين منشآت نفطية سعودية عام 2019.

ولم يقف الإيرانيون فقط على محدودية الصواريخ، فورقة الميليشيات التي راهنت عليها طهران ومولتها وسلحتها ظهرت في وضع ضعيف أمام الهجمات الإسرائيلية منذ الثامن من أكتوبر 2023. فقد فشلت حماس في مواجهة القوى الإسرائيلية رغم طول مدة الحرب، وسقط حزب الله بسرعة كبيرة تحت وقع غارات إسرائيلية قادت إلى تصفية كبار قادته السياسيين والعسكريين.

وكانت الميليشيات المدعومة من إيران في اليمن والعراق أقرب إلى الظاهرة الصوتية باعتماد صواريخ ومسيرات محدودة التأثير واستثمارها في الدعاية السياسية. وأمام فشل إستراتيجية الرد بالصواريخ والمسيرات لم يبق للإيرانيين إلا تسريع صنْع سلاح نووي لتحقيق الردع وليكون ضمانا لعدم الهجوم على بلادهم ودفع إسرائيل والغرب إلى التعامل معها كقوة عسكرية يجب مراعاة مصالحها وعدم الاشتباك معها.

ويرى النائب في البرلمان الإيراني محمد رضا صباغيان أن “امتلاك إيران السلاح النووي هو السبيل إلى تحقيق ردع نووي”. ووفقا لوسائل إعلام محلية، عُرض على البرلمان مشروع قانون يهدف إلى “توسيع الصناعة النووية”، دون المزيد من التفاصيل.

وكان جدل مماثل بدأ في الربيع إثر القصف الإيراني غير المسبوق الذي استهدف إسرائيل التي يقول خبراء إنها القوة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط. وقال كمال خرازي، مستشار خامنئي، إن بلاده “يمكن أن تعيد النظر في عقيدتها النووية إذا تجرأت إسرائيل على تهديد إيران بسلاح نووي”.

◙ حديث إيران عن المفاوضات مع الدول المعنية بملفها النووي هدفُه ربح الوقت من أجل امتلاك السلاح الذي يحقق لطهران ما عجزت عنه الأسلحة

وحذّر الرئيس الأميركي جو بايدن إسرائيل من أيّ محاولة لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية، مؤكدا أيضا رفضه أي ضربة تستهدف المنشآت النفطية. وشددت طهران على أن مهاجمة بنيتها التحتية ستثير “ردا أقوى”. وحذّر جنرال في الحرس الثوري الإيراني من أن أي ضربة تطال مواقع نووية أو منشآت للطاقة ستشكل تجاوزا لـ”خط أحمر”.

ووفقا للمعلق السياسي الإيراني مازيار خسروي، فإنّ رسالة النواب هي “بالأحرى رسالة قوية موجهة إلى داعمي إسرائيل الغربيين” لـ”محاولة التأثير” عليهم. ويبقى قرار تعديل العقيدة النووية بيَد المرشد الأعلى وليس النواب، وفقا لخسروي الذي يعتبر أنّ أيّ تغيير مستبعد على المدى القصير.

لكن المعلق السياسي يرى أنه “إذا هاجمت إسرائيل المنشآت النووية فمن المحتمل أن تنسحب إيران” من معاهدة الأمم المتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية. وصرحت إيران مرارا بأنها لا تريد امتلاك قنبلة نووية.

وفي سبتمبر الماضي دعا الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى “عالم خال من الأسلحة النووية وشرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل”. كما أكد في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية أنّ “إيران لا تسعى لامتلاك قنبلة نووية”.

ويعتقد محللون أن حديث إيران عن المفاوضات مع الدول المعنية بملفها النووي هدفُه ربح الوقت من أجل امتلاك السلاح الذي يحقق لطهران ما عجزت عنه الأسلحة التي بددت فاعليتها إسرائيل خلال ضربات الأشهر الأخيرة.

وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن بلاده مستعدة لبدء مفاوضات نووية إذا “كانت الأطراف الأخرى راغبة في ذلك”. وعراقجي هو أحد المهندسين الرئيسيين للاتفاق النووي المبرم عام 2015، الذي حدّ قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم مقابل رفع العقوبات الغربية.

وكان مفترضا أن يوفر هذا الاتفاق إطارا لأنشطة إيران النووية في مقابل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، لكنه انهار بعد الانسحاب الأميركي الأحادي منه بقرار من الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب عام 2018. ومنذ فشل الاتفاق شهد البرنامج النووي الإيراني تقدما كبيرا.