مدير حملة قيس سعيد يدعو إلى تهدئة سياسية شاملة بعد الانتخابات
دعا نوفل سعيد، مدير الحملة الانتخابية للرئيس التونسي قيس سعيد، إلى تهدئة سياسية شاملة بعد نتائج الانتخابات، في رسالة طمأنة يتلخص مضمونها في أن العهدة الرئاسية الجديدة لن يكون شعارها مواجهة المعارضة ولا التعلق بمعارك الفترة السابقة، وهو ما يمثّل فرصة مهمة لقيس سعيد والمعارضة في الوقت نفسه.
وتفتح التهدئة أمام قيس سعيد الطريق للتركيز على تنفيذ ما جاء في برنامجه الانتخابي للعهدة الثانية، واستكمال ما بقي من مشاريع العهدة الأولى والاستجابة السريعة لمطالب الناخبين الخاصة بتحسين الخدمات في مجالات النقل والصحة والتعليم، والحد من زيادة الأسعار ومواجهة المحتكرين، فضلا عن فتح ملفات الاقتصاد وإحداث الحراك الضروري الذي تنتظره المؤسسات الاقتصادية والمتعاملون في الداخل والخارج.
وحرص مدير الحملة الانتخابية لقيس سعيد، وهو في الوقت نفسه شقيقه، على توجيه رسالة طمأنة إلى رجال الأعمال والمستثمرين ملخص فحواها أن الرئيس سعيد في صفهم ويدعمهم شريطة أن يلتزموا بالقوانين ويتخلوا عن الظواهر السلبية ومنها الاعتماد على نظام المناولة في التشغيل.
ويرى محللون سياسيون أن الدعوة إلى التهدئة تصدر عن السلطة وهي في موقع قوة بعد حصول قيس سعيد على نسبة تسعين في المئة من الأصوات، ما يمنحه دفعا معنويا هاما من شأنه أن يساعده على تنفيذ خططه، لكن بناء علاقات ثقة مع المعارضة سواء من داخل مسار 25 يوليو 2021 أو من خارجه (ما قبل 25 يوليو) يظهر رغبة السلطة في تجاوز خلافات الماضي وبدء مرحلة جديدة.
وقال المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني إن “البلاد لا بد أن تعود إلى التهدئة، والأطراف السياسية الأخرى عليها أن تسترجع وعيها وتدرك أن لا وزن لها في الشارع “.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “على المعارضة أن تفهم أنها في حاجة إلى إعادة حساباتها، وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل، وعليها أن تفهم توجه تونس الجديد، وبالتالي مفهوم التهدئة يتضمن معنى أن تعتذر للشعب التونسي”.
ولا شك أن المعارضة ستجد في عرض السلطةِ التهدئةَ فرصة لها إذا تعاطت مع الوضع بطريقة واقعية وعقلانية؛ فقد باتت مشتتة أكثر من السابق، وخسرت الجمهور الذي كان قد صوت لها في مرات سابقة. كما أن المزاج العام في البلاد يصب في صالح قيس سعيد.
وكشفت شهادات أدلى بها مواطنون من مناطق وأعمار مختلفة أن صورة المعارضة سيئة، وأن الناس لم ينسوا الصراع والفوضى في البرلمان، وكذلك الفشل في إدارة الاقتصاد ومساعي اختراق الدولة واستضعافها وتقديم المصالح الحزبية على المصلحة العامة.
لكنْ هناك أصوات تقول إن على الرئيس سعيد والمحيطين به أن يخطوا خطوات تمهّد للانفراج، مثل إطلاق سراح السياسيين والنشطاء الذين لم يتورطوا في العنف، وأن يخففوا من حدة خطاباتهم تجاه المعارضة حتى يساعدوا الكثير من الأحزاب والشخصيات المعارضة على التفاعل بإيجابية مع عرض التهدئة الذي قدمه مدير حملة قيس سعيد، وضرورة التفريق بين المعارضة الوطنية والمعارضة التي ترتبط بأجندات خارجية.
وحرصت نجاة الزموري، نائبة رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، على التفريق بين أطراف المعارضة قائلة “صحيح أن حجم المعارضة ضعيف، لكن لا نضع كل أطراف المعارضة في سلة واحدة، لأن هناك من استقوى بالخارج، وهناك معارضة لا تستمد قوتها إلا من قاعدتها”.
وأضافت لـ”العرب” أن “المعارضة منذ 25 يوليو 2021 مدت يدها إلى السلطة من أجل الجوار لكن تم تهميش دورها، والمناخ العادي في كل الديمقراطيات أن يكون هناك حوار ولا تكون هناك وجهة نظر وحيدة أو إجراءات أحادية، والشارع يعبر عن مواقفه بكلّ حريّة”.
ويمكن أن توفر التهدئة فرصة ملائمة لإقامة حوار وطني حول سبل حل الأزمة الاقتصادية، على أن يضم مختلف الأطراف الفاعلة في المجال وعدم ربطه بجهة سياسية أو اجتماعية معينة حتى لا يتم توظيفه، ويناقش القضايا الخلافية ومفهوم الاعتماد على الذات ومسألة المستثمرين والقروض والاتجاه نحو الشرق.
ويتمسّك قيس سعيّد في خطاباته بمبدأ السيادة ولا يتردّد في انتقاد المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي الذي رفض الرئيس التونسي “إملاءاته” ورفض قرضا منه بحوالي ملياري دولار، أو المجتمع المدني التونسي الذي يتهمه بـ”تلقي مبالغ هائلة من الخارج”.
لكن أنصار الرئيس سعيد يرفضون أي تهدئة ما لم تتم محاسبة الطبقة السياسية الماضية وتسترد الدولة كل حقوقها حتى تكون مصالحة على أرضية صلبة ولا يتكرر السيناريو نفسه الذي حصل في السابق.
وقال الشيباني “اليوم لا رجوع إلى الوراء ولا رجوع عن محاسبة كل من تآمر مع أطراف خارجية على أمن بلاده”.
وبادر البعض من وجوه المعارضة إلى الاعتراف بأن الشعب اختار قيس سعيد بشكل واضح وأن السبب هو سجل الرئيس التونسي في مواجهة الفساد والمحتكرين ودفاعه عن قوة الدولة، ولفت البعض الآخر إلى أن المعارضة تحتاج إلى مراجعات نوعية لأدائها السياسي وفهم أسباب عزوف الشارع عنها.