جدل عطلة نهاية الأسبوع في إيران يعكس الصراع بين الواقع الاقتصادي والمعوقات الأيديولوجية

وكالة أنباء حضرموت

في الأشهر الأخيرة، تصاعد الجدل في إيران حول اعتماد يوم السبت اليوم الثاني الرسمي لعطلة نهاية الأسبوع بدلا من يوم الخميس، ما يعكس الصراع بين الواقع الاقتصادي للبلاد والمعوقات الأيديولوجية للنظام.

وتصاعدت الدعوات من قبل السياسيين الإيرانيين إلى تغيير عطلة نهاية الأسبوع من يومي الخميس والجمعة إلى الجمعة والسبت.

وفي هذا الصدد، يفضل القطاع الاقتصادي ومعظم السكان في إيران أن يكون يوم السبت عطلة، بحجة أن هذا من شأنه أن يجعل الاقتصاد الإيراني أكثر انسجاما مع بقية دول العالم، حيث تلتزم معظم الدول بعطلة نهاية الأسبوع من السبت إلى الأحد وتلتزم الدول المجاورة بعطلة نهاية الأسبوع من الجمعة إلى السبت.

ومع إغلاق النظام المالي في إيران يومي الخميس والجمعة، وإغلاق الأسواق العالمية يومي السبت والأحد، تتعطل المؤسسات المالية في البلاد لمدة أربعة أيام متتالية خلال الأسبوع.

ويرى مؤيدو تغيير عطلة نهاية الأسبوع أن النظام الحالي يشكل عائقا غير ضروري أمام النمو الاقتصادي في إيران. ومن ناحية أخرى، يعارض المحافظون المتشددون هذا التغيير، معتبرين أن اعتماد يوم السبت، الذي يصفونه بأنه يوم “الشبات اليهودي”، يتعارض مع الدستور والمبادئ الإسلامية. ويستندون إلى تعاليم إسلامية تحذر من تقليد غير المسلمين، وهو ما يعتبره البعض محرما.

وبعد شهور من الجدل، وافق البرلمان في الخامس عشر من مايو 2024 على قرار اعتماد يومي الجمعة والسبت كعطلة نهاية الأسبوع الرسمية. ومع ذلك، رفض مجلس صيانة الدستور هذا القرار، مشيرا إلى تعارضه مع الشريعة الإسلامية والدستور.

ما لم يتخل النظام عن عجزه عن إعطاء الأولوية للحكم الرشيد على حساب الأيديولوجيا، فإن المشاكل الهيكلية ستتفاقم

ويضطلع المجلس، وهو هيئة رفيعة المستوى تتألف من اثني عشر عضوا: ستة مجتهدين وستة محامين يعينهم المرشد الأعلى بشكل مباشر وغير مباشر، بدور حاسم في العملية التشريعية في البلاد، وهو مسؤول عن مراجعة جميع القوانين البرلمانية لضمان توافقها مع الشريعة والدستور.

ورغم هذا الرفض من قبل مجلس صيانة الدستور، يسعى أعضاء البرلمان جاهدين إلى استخلاص فتوى من علماء دين تؤكد أن تعطيل العمل يوم السبت لا يتعارض مع الشريعة.

وعلى سبيل المثال، نشر آية الله جوادي آمولي رسالة تفيد بأنه إذا كان الهدف من الإغلاق يوم السبت هو التنسيق مع الاقتصاد العالمي وحل المشاكل الاقتصادية والحد من التضخم وليس للتشبه بالكفار، فلا مانع من التحول إلى عطلة نهاية الأسبوع من الجمعة إلى السبت.

والتصريحات الرسمية مثل تلك التي أدلى بها آية الله الآملي لها تأثير كبير ويمكنها أن تضفي شرعية دينية، ومع ذلك، فإن الكلمة الأخيرة في شؤون الدولة تعود لآية الله الخميني.

وعلى الرغم من ذلك، انتقد علماء آخرون، بمن فيهم آية الله جعفر سبحاني، البرلمان لمواصلة دفع هذه الأجندة رغم رفض مجلس صيانة الدستور.

ويرى سعيد جولكار، وهو زميل أقدم غير مقيم لشؤون السياسة الإيرانية في مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، في تقرير نشره معهد واشنطن، أن هذا الجدال يسلط الضوء على تأثير الأيديولوجيا الإسلامية في الحكم اليومي للبلاد، فالجمهورية الإسلامية هي أولا وقبل كل شيء نظام أيديولوجي.

وعلى خلاف العديد من الأنظمة الدكتاتورية المعاصرة التي تفتقر لأيديولوجيا موجّهة وتحكم بشكل أساسي بالأوامر الشخصية، فإن الجمهورية الإسلامية أقرب إلى نظام شمولي، حيث إن الإسلام لا يشكل فقط الدين الرسمي للبلاد، بل يمثل أساسا لأيديولوجيا شاملة توجه عملية صنع السياسات وتنفيذها.

بعد شهور من الجدل، وافق البرلمان في الخامس عشر من مايو 2024 على قرار اعتماد يومي الجمعة والسبت كعطلة نهاية الأسبوع الرسمية

وفي نهاية المطاف، تشكل أيديولوجيا الجمهورية الإسلامية مزيجا من الإسلام الشيعي وتوجه دول العالم الثالث، حيث إنها تؤكد على تفوق الفقهاء الإسلاميين كقادة سياسيين وتسعى إلى تأسيس مجتمع يُدار وفقا للشريعة من خلال الشرطة الأخلاقية والقانون. كما تعتمد هذه الأيديولوجيا على تصدير الثورة ودعم الجماعات الإسلامية المنضوية تحت مظلتها (“محور المقاومة”)، مع السعي إلى القضاء على إسرائيل ومعاداة الولايات المتحدة والنظام الليبرالي العالمي الذي تصفه بالظالم.

ومنذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، عمد كل من القائدين الأعلى للجمهورية الإسلامية: آية الله الخميني وآية الله خامنئي، إلى الحفاظ على هذه الأيديولوجيا كركيزة أساسية للنظام واعتبراها هوية لا يجب المساس بها.

وتحاول الدولة في الكثير من الأحيان فرض رؤيتها الثقافية والدينية في جميع جوانب الحياة العامة والخاصة، ساعية إلى تثقيف وتدريب جيل جديد من المواطنين المسلمين الملتزمين الذين تم تشكيلهم وفق رؤية الجمهورية الإسلامية المحددة للإسلام وللسياسة الدولية.

وبالتالي يبقى المحركان الرئيسيان لسياسات النظام الإقليمية والخارجية هما الرغبة في القضاء على إسرائيل والرغبة في مواجهة الولايات المتحدة.

ولذلك، حتى القرارات التي قد تبدو بسيطة أو تحركها اعتبارات اقتصادية، مثل تغيير عطلة نهاية الأسبوع، تُفسر بحذر، لاسيما إذا كانت تمس الركائز الأيديولوجية للنظام.

ولقد أدت عملية صنع القرار في الجمهورية الإسلامية المدفوعة أيديولوجيا إلى بروز حالة من الركود المؤسسي وتراجع قدرة الدولة؛ فالحكومة تعاني من الشلل وعدم القدرة على تنفيذ سياسات عقلانية وعملية، حتى لو كانت تصب في مصلحة الدولة.

حتى القرارات التي قد تبدو بسيطة أو تحركها اعتبارات اقتصادية، مثل تغيير عطلة نهاية الأسبوع، تُفسر بحذر

وأحد الأمثلة الصارخة على ذلك هو عجز طهران عن وضع حد لشرطة الأخلاق حتى بعد الاحتجاجات الكبرى التي شهدتها البلاد العام الماضي، وهو قرار لا يقوض شرعية النظام فحسب، بل ينفر الملايين من الإيرانيين، وخاصة الشابات.

وبالمثل، يُمكن رؤية هذه القيود الأيديولوجية الصارمة في مقاربة إيران لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وذلك على الرغم من العواقب الاقتصادية الوخيمة لعزلة إيران.

وتُعد الطبيعة الأيديولوجية للجمهورية الإسلامية أحد الأسباب الرئيسية للاستياء الشعبي. وعلى الرغم من أن التعبير العلني عن هذه الآراء قد يكون محفوفا بالمخاطر، إلا أن هناك دلائل لا تعد ولا تحصى على أن العديد من الإيرانيين يرفضون أيديولوجية الدولة الإسلامية ويطالبون بحياة طبيعية. فالعديد من الشباب الإيراني، الذين ينتمون إلى جيل ما بعد الأيديولوجيا، قد سئموا من سياسات النظام الأيديولوجية العلنية، ويتطلعون إلى حكومة علمانية ليبرالية.

وما لم يتخلَّ النظام عن عجزه عن إعطاء الأولوية للحكم الرشيد على حساب الأيديولوجيا، فإن المشاكل الهيكلية التي أدت إلى هذا الاستياء ستستمر، بغض النظر عن من يدير الحكومة.

ومن هذا المنطلق، يُعد الجدل الدائر حول اعتماد يوم السبت كجزء من عطلة نهاية الأسبوع الرسمية في إيران انعكاسا للصراع الأوسع بين الضرورة الاقتصادية وحالة التصلب الأيديولوجي داخل الجمهورية الإسلامية.

وفي حين تسعى إيران لمواءمة اقتصادها مع المعايير العالمية، ستظهر مثل هذه الصراعات مرارا وتكرارا، وفي كل مرة يستمر السخط الشعبي على دولة تعجز عن تقديم احتياجات مواطنيها على أيديولوجيتها المتشددة.

ومن ثم، إذا لم يتمكن النظام من إيجاد طريقة للتوفيق بين هذه الأولويات المتنافسة، فمن المرجح أن تظل البلاد عالقة في دائرة الركود.

ولذلك، ستكون مخرجات هذه المناقشات مؤشرا يعكس مدى قدرة الجمهورية الإسلامية على التكيف مع متطلبات العالم المتغير.