صراع النفط
تقرير: قبائل حضرموت تطلق شرارة "النفط" وإشارات متضاربة بشأن دور السعودية
قالت قناة الحرة الأمريكية ووكالة رويترز إن مهلة منحتها قبائل محافظة حضرموت للحكومة المعترف بها دوليا لتنفيذ مطالبها الخاصة "بشراكة حقيقية فاعلة" بشأن المخزون النفطي بميناء ضبة وحقل المسيلة، اعادت صراع قديم إلى الواجهة مجددا بعد عقد على تشكل حلف لهذه القبائل.
وأعلنت قبائل حضرموت كبرى المحافظات الجنوبية، الأربعاء، أنها أمهلت الحكومة المعترف بها 48 ساعة لتنفيذ مطالبها، مؤكدة في بيان، عقب لقاء استثنائي لقيادات الحلف، اطلعت عليه وكالة رويترز، أن على المجلس الرئاسي "الاعتراف بحق حضرموت وتفعيل دور الشراكة الفاعلة والحقيقية ممثلة في مؤتمر حضرموت الجامع أسوة بالأطراف الأخرى المشاركة في التسوية الشاملة في البلاد".
وتأسس حلف قبائل حضرموت في يوليو من عام 2013، إذ يجمع مختلف القبائل والعشائر الحضرمية تحت قيادة، سعد بن حمد بن حبريش، زعيم "الحموم" كبرى قبائل المحافظة، الذي قتل بعد تأسيس الحلف بنحو 6 أشهر في اشتباكات مع قوات الأمن، بسبب "المطالبة بحقوق حضرموت النفطية"، بحسب بيان أصدرته القبائل قبل 10 أعوام في ذكرى مقتله ونشره موقع "المصدر" المحلي.
ومنذ ذلك الحين، يطالب الحلف الذي يترأسه حاليا، عمرو بن علي بن حبريش، بحقوق حضرموت وحصتها في صادرات النفط اليمنية، وفق ما يقول خبراء ومحللون تحدثوا مع موقع "الحرة". لكن البيان الصادر مؤخرا يثير المزيد من التساؤلات حول ما إذا كان هذا يشير إلى تزايد حدة التوترات؛ مما يعقد المشهد اليمني المتأزم بالحرب منذ عام 2014.
"بين نفوذ إقليمي وصراع محلي"
وفي اتصال هاتفي يقول الأكاديمي والمحلل السياسي اليمني، فارس البيل، إن "هذه المطالب ليست جديدة، فقد تكررت من قبل في حضرموت، حيث تشعر القبائل بعدم التقدير والتمييز من السلطة المركزية سواء الحالية أو السابقة".
ومع ذلك، فإن المكونات السياسية في المحافظة تشعر أيضا بأنها مستقطبة، إذ "تسعى القوى أو التيارات في الجنوب، لاستقطاب حضرموت لمشاريعها الخاصة، وبالمثل، تسعى القوى الشرعية لاستقطاب حضرموت لمصالحها"، حسبما يضيف البيل، الذي يشير إلى أن المحافظة "مستهدفة كذلك من الحوثيين".
بدوره، يعتبر المحلل السياسي اليمني، علي البخيتي، أن التهديدات التي أطلقتها قبائل حضرموت "مدعومة من أحد الأطراف الإقليمية التي تلعب دورا في الصراع باليمن".
ويقول البخيتي إن "هذا التجمع القبلي لم يكن ليجرؤ على مواجهة الحكومة بهذه القوة لولا دعم السعودية، التي تسعى لإحياء مشروع قديم".
ويضيف: "السعودية تركز على حضرموت وتسعى لتحقيق حلم قديم بمد خط نفط عبر المحافظة، ودعمت المجلس الوطني الحضرمي لتنفيذ ذلك في الماضي، وكذلك في عهد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، الذي رفض تنفيذ المشروع".
ويعتقد البخيتي أن السعودية تدعم القبائل الحضرمية لتحقيق "أهداف جيوسياسية" أيضا مشيرا إلى أن "استمرار ضعف الحكومة قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات والعودة إلى النظام القبلي".
وتدخلت السعودية عام 2015 على رأس تحالف عسكري لمحاربة الحوثيين ودعم الحكومة الشرعية في اليمن عندما كان المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران يسيطرون على أجزاء واسعة من البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء.
في المقابل، استبعد المحلل السياسي اليمني، علي العبسي، أن بيان القبائل جاء بدعوة من قوى إقليمية، إذ يقول إن السعودية "هي الداعم الرئيسي للحكومة اليمنية، وقد أسستها وشكلتها".
ويضيف أن "نفوذها (السعودية) على القبائل الحضرمية يضمن الاستقرار، حيث إن الأزمة كلها لا تخرج عن سوى مطالب تنموية محلية".
مدير مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، ماجد المذحجي، يتفق مع ذلك الرأي قائلا إن الحصار الحوثي على أغلب الموارد الاقتصادية فاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، خاصة مناطق مثل حضرموت.
وفي حديث يضيف المذحجي: "أدى هذا الوضع إلى عجز الحكومة عن توفير الخدمات الأساسية، مما دفع قبائل حضرموت إلى هذه الخطوة".
وتنتج حضرموت من حقل المسيلة الذي تديره شركة (بترو مسيلة) الحكومية نحو 100 ألف برميل يوميا مخصصة للتصدير إلى الخارج، وتشكل إجمالي إنتاج اليمن من النفط الخام في الوقت الراهن مع توقف عدد من القطاعات النفطية عن التصدير.
وقطاع النفط والغاز أهم مورد لإيرادات الحكومة في اليمن، إذ يشكل ما نسبته 70 بالمئة من دخل البلاد.
وفي البيان الأخير، حذر حلف قبائل حضرموت من الإقدام على أي تصرف بنفط المحافظة أو تصديره أو تسويقه "إلا بعد تثبيت مكانة حضرموت وضمان حقوقها بما يرتضيه أهلها، تنفيذا للقرارات المتخذة من مؤتمر حضرموت الجامع في 13 يوليو الجاري".
وأوضح البيان أن المخزون النفطي الحالي في خزانات ميناء الضبة والمسيلة "يعد حقا من حقوق حضرموت ولن تتنازل عنه على أن يسخر كامل قيمته لشراء محطة كهربائية لحضرموت".
وتأتي تهديدات قبائل حضرموت في وقت قالت تقارير إخبارية إن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا تجري ترتيباتها لاستئناف تصدير النفط الخام خلال أيام من حضرموت، بعد فترة توقف إجباري لنحو عامين كبد الخزينة العامة خسائر بنحو ملياري دولار، وذلك نتيجة هجمات الحوثيين على ميناء تصدير النفط في الضبة بمحافظة حضرموت.
ويؤكد هذا العبسي بقوله إن "أبناء حضرموت يرون أن عليهم الاستفادة من إيرادات صادرات النفط. والبيان جاء غضبا بعد تداول أنباء تقول إن 70 بالمئة من العائدات ستذهب للحوثيين".
وتسيطر الحكومة الشرعية في اليمن بشكل كامل على عدة محافظات بجنوب البلاد في مقدمتها حضرموت والمهرة، فيما يسيطر المتمردون الحوثيون على مناطق أخرى، بما في ذلك العاصمة.
ويقول البيل إن "حضرموت ليست موحدة في مواقفها، بل تتكون من تيارات مختلفة. ومع ذلك، هناك تحركات جديدة تشير إلى أن حضرموت تريد صوتا أقوى في المشهد السياسي اليمني، يضمن استفادتها من الموارد الطبيعية وخطط التنمية".
ويشكو أبناء كبرى المحافظات اليمنية من تدهور غير مسبوق في الخدمات العامة، خاصة الكهرباء والماء وارتفاع أسعار الوقود.
وشهدت مدن المحافظة خلال الأشهر القليلة الماضية احتجاجات غاضبة وقطع للطرق بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء خاصة في فصل الصيف، وفقا لوكالة رويترز.
ولم يتسنَ الحصول على تعليق من الحكومة الشرعية في اليمن بعد التواصل مع وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الإرياني، عبر تطبيق "واتساب" دون رد حتى نشر هذا التقرير.
إلى ذلك، يؤكد المذحجي أن المهلة التي منحتها القبائل للحكومة هي "رسالة واضحة" تعبّر عن حجم الغضب الشعبي، وتطالب بتحرك عاجل لحل الأزمة في البلاد.
بدوره، يقول البخيتي إن "المشكلة الحقيقية تكمن في الصراعات الداخلية التي تغذيها القوى الإقليمية في اليمن، مما يهدد بكل شكل من الأشكال أي فرصة لتسوية الأزمة السياسية".
ويضيف أن "القرار في اليمن مشتت في الداخل بين مختلف أطراف الصراع، وكذلك بين القوى الإقليمية التي تختلف أجنداتها أيضا".
"إلى أين؟"
وكانت المحافظة حاضرة عام 2014 حينما تجمع الآلاف من أنصار الحراك الجنوبي في عدن كبرى مدن الجنوب، وفي المكلا، عاصمة محافظة حضرموت للمطالبة بـ"الاستقلال" عن الشمال، ورفض الدولة الاتحادية التي تقرر إقامتها في ذلك الوقت، وذلك بمناسبة الذكرى العشرين لاندلاع الحرب الأهلية بين شطري البلاد.
لهذا، لا يستبعد البخيتي تجدد مثل هذه المطالب مرة أخرى في المستقبل القريب بعد البيان الصادر عن القبائل، إذ يقول خلال حديثه إن "الدول التي تسقط بها الحكومة المركزية تكون مؤهلة للانقسام، خصوصا فيما يتعلق باليمن التي كانت دولتين قبل عام 1991".
وعلى النقيض تماما، لا يعتقد البيل ذلك قائلا إن "هناك دعوات قديمة من أجل أن تتحول حضرموت إلى إقليم مستقل بذاته، وقد يغذي الاستقطاب الجاري حاليا هذا التوجه، رغم أن حضرموت معروفة بأنها ليست من المحافظات التي تتخذ مواقف متشددة".
ويضيف: "سواء كانت التحركات من الحراك الجنوبي أو المجلس الانتقالي، فإن تحقيق الانفصال يتطلب ترتيبات داخلية واعترافا دوليا، وهذه قضايا ما زالت بعيدة عن الواقع".
ويتابع بقوله: "رغم ذلك لا يمكن تجاهل التوترات في المشهد السياسي والتحالفات والتحركات في حضرموت".
وكانت اليمن منذ خمسينات وحتى نهاية تسعينات القرن الماضي دولتين، واحدة في الشمال تحولت إلى النظام جمهوري منذ عام 1962 تحت اسم "الجمهورية العربية اليمنية"، وأخرى في الجنوب تحمل اسم "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية"، قبل أن إطلاق مفاوضات للوحدة أفضت إلى دولة واحدة برئاسة علي عبدالله صالح عام 1990.
ويقول البخيتي: "للأسف هناك توجه سياسي من قادة القبائل الحضرامية والجنوبية للعودة إلى هذا الماضي، فيما يريد بعضهم انضمام حضرموت إلى السعودية التي هي تسعى إلى ذلك".
ويتابع: "إذا عاد الجنوب دولتين، فهذا ليس مشكلة كبيرة بحد ذاتها. لكن الخطر الأكبر هو أن يؤدي الانفصال إلى انقسامات داخلية أعمق وعودة الجنوب إلى ما قبل توحيد الحزب الاشتراكي اليمني إلى نظام السلطنات والمشيخات الذي كان سائدا، ومن ثم حرب أهلية واسعة النطاق في هذه المنطقة".
وفي عام 1994، كان هناك محاولة جنوبية للانفصال عن الشمال بعد 4 سنوات فقط من الوحدة الطوعية التي دخل فيها الشمال والجنوب في مايو 1990، لكن تمكن نظام الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، من الإبقاء على الوحدة، فيما ظل الجنوبيون يشكون التهميش، وفقا لوكالة فرانس برس.
بدوره، يرى المذحجي أن الأزمة الحالية تتطلب حلا سياسيا شاملا يعالج جذور المشكلة، ويضمن توزيعا عادلا للثروات، محذرا من أن "استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات والتفكك في البلاد".
وهنا، يقول العبسي إن "هناك نوع من الغضب المكتوم موجه نحو أجهزة الدولة بشكل عام بسبب عجزها عن حل مشاكل المواطنين في حضرموت، لكن هذا لا يمنع أن يتم احتواؤه في القريب العاجل".
ويضيف: "يمكن احتواء هذه الأزمة بسهولة بسبب طبيعة المجتمع اليمني القبلية، والتي تعتمد على الحوار والمقابلات لحل المشاكل وتهدئة الأوضاع".
أما البيل فيرى أنه "يمكن حل هذه القضية بتخصيص حصة جديدة لحضرموت، بما يضمن تنمية أكبر وموازنة أفضل لحل مشاكل الخدمات وغيرها من الأزمات التي يعاني منها السكان".
في المقابل، لا يعتقد البخيتي أن الحكومة الشرعية قادرة على تلبية مطالب قبائل حضرموت؛ لأن ذلك سيشجع قوى أخرى على انتزاع مطالبها بالقوة.
ويقول: "الدول تُبنى بالقوة والنظام والقانون وليس بمراضاة المطالب القبلية؛ لأن ذلك سيؤدي إلى ظهور كيانات جديدة تطالب بحقوق بذات الطريقة".