السينما التجريبية المغربية أفلام تتجاهل الهوية المحلية وتقلد الغرب
إن اعتماد السينما المغربية على تقديم قصص ومضامين تعبر عن الواقع المغربي بروح أصيلة يسهم في تعزيز الهوية الوطنية ويمنح الجمهور المغربي فرصة رؤية أنفسهم وثقافتهم على الشاشة، وهذا النهج ليس فقط وسيلة للحفاظ على التراث الثقافي، بل يسهم أيضا في تمييز السينما المغربية عن غيرها من السينمات العالمية، ما يجعل لها مكانة فريدة ومميزة على الساحة الدولية، ولكن هل هذا ما يحصل حقا؟
إن التورط في إعادة إنتاج ما أنتجته السينما العالمية بأسلوب مغربي قد يؤدي إلى فقدان هذه الهوية الخاصة، ويجعل من الصعب على السينما المغربية أن تجد لنفسها مكانة متميزة بين التصنيفات والأجناس السينمائية العالمية، حيث أن المأخذ الحقيقي على السينما المغربية ليس في قلة الإنتاج أو التمويل، بل في بعض الأحيان يمكن لوم كتّاب السيناريو الذين يلجؤون إلى استنساخ الأفكار والنماذج الأجنبية بدلا من ابتكار قصص جديدة تعكس الواقع المغربي.
سينما تجريبية
بدلا من الاستفادة من التراث الثقافي الغني للمغرب تتجاهل العديد من الأفلام المغربية هذا لصالح أفكار وقصص مستوردة
من الضروري إذن أن يتبنى صناع السينما المغربية عقلية الابتكار والإبداع، بعيدا عن عقلية “البريكول” أو الحلول السهلة والمؤقتة، كما يجب عليهم استثمار الموارد المتاحة بذكاء لإنتاج أفلام ذات جودة عالية تعبر عن الهوية المغربية بصدق وعمق، ما يسهم في وضع السينما المغربية في مصاف السينمات العالمية وجعلها تحظى بالتقدير والاحترام على الصعيدين المحلي والدولي، فما دام هناك تجارب يقوم بها صناع الأفلام في المغرب، فهذا معناه أن السينما المغربية سينما تجريبية، فما هي إذن السينما التجريبية؟
تعتبر السينما المغربية تجريبية كونها تفتقر إلى الأنماط الفيلمية والتصنيفات العالمية، كونها متأثرة بالأعمال العالمية وغير قادرة على تناول مواضيع مغربية صرفة، سواء على مستوى السيناريو أو الديكور أو الأزياء أو الموسيقى التصورية، التي من الواجب أن تقوم على أساس هويتها الثقافية والسياسية والاقتصادية، إذ من الضروري كسر التقاليد السينمائية المستنسخة واستكشاف مساحات جديدة للإبداع والتعبير، ولفهم أن السينما المغربية تجريبية، من الواجب التعمق في التحقيب الزمني لها، بدءا من السينما الاستعمارية وصولا إلى السينما الحديثة.
وقد تميزت فترة السينما الاستعمارية بالسيطرة على السينما المغربية خاصة الفرنسية، إذ كانت السينما الاستعمارية متحيزة وأحادية الرؤية، قدمت صورة نمطية سلبية عن الإنسان المغربي، مصورة إياه على أنه متخلف وجاهل، بينما مجّدت الثقافة والحضارة الغربية، وهدفها الرئيسي هو تبرير الاستعمار وتعزيز سيطرة القوى الأجنبية من خلال تصوير المغرب كمكان بدائي يحتاج إلى التقدم الغربي، ومنذ أن بدأ صناع الأفلام المغاربة يستخدمون اللغات الأجنبية أو تناول مواضيع دخيلة على المجتمع المغربي، سقطوا في مستنقع مخلفات الاستعمار الفكرية، رغم أن البعض قد اعتبر هذا التوجه أفكارا تحررية ومتقدمة، ولكنها في الحقيقة مجرد دعاية أيديولوجية صرفة.
السينما المغربية تُعتبر تجريبية لأنها لم تتمكن من إحداث تنوع كبير في الأنواع الفيلمية والأصناف العالمية
تبرز الأفلام التي أنتجت خلال تلك الفترة، إخراج وإنتاج وتصوير ومونتاج الأجانب، حيث لم يكن للمغاربة سوى أدوار ثانوية ككومبارس، وكانت تستخدم المدن والقرى المغربية كديكورات طبيعية للتصوير، وتستلهم المواضيع من البيئة المحلية، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن، نجد أن العديد من صناع الأفلام المغربية، خاصة كتاب السيناريو، يستخدمون البادية والمدينة كديكور للعديد من الأفلام، بل وحتى صناع المسلسلات الحديثة أيضا يتبعون نفس النهج، وهذا الأسلوب تركه الاستعمار، لأنهم يعتبرون المدينة تقدما والبادية تخلفا، أما الأصل المغربي فهو البدو.
بدأ ظهور سينما الاستقلال مع حصول المغرب على استقلاله في عام 1956، حيث تحاول هذه الحركة التخلص من الهيمنة الأجنبية وتقديم صوت وطني يعبّر عن القضايا والتجارب المغربية، ورغم الجهود المبذولة واجهت هذه المرحلة تحديات كبيرة مثل نقص التمويل والتقنيات الحديثة، إلا أنها وضعت الأساس للسينما المغربية وأتاحت الفرصة للمخرجين المغاربة للتعبير عن هويتهم الثقافية والاجتماعية، ولكن بتأثير وثقافة فرنسية.
تُعتبر السينما المغربية تجريبية لأنها لم تتمكن من إحداث تنوع كبير في الأنواع الفيلمية والأصناف العالمية، ما أدى إلى محدودية انتشارها وتأثيرها، فالأفلام التي تُنتج غالبا ما تبدو وكأنها محاولات عشوائية للتجريب دون وجود رؤية فنية موحدة أو تصنيف محدد، وهذا الافتقار إلى الهوية يجعل من الصعب على السينما المغربية أن تجد مكانها في المشهد السينمائي العالمي، فالأفلام التي يفتخر صناعها بأنها حازت جوائز عالمية أو مرت في مهرجانات دولية، غالبا ما تكون شركة إنتاجها غربية أو ضمن مصالح مهنية متبادلة، والحق أن أغلب هذه الأفلام المغربية أرانب سباق.
ضرورة إعادة النظر
تعاني السينما المغربية منذ فترة طويلة من نقص التمويل والدعم اللوجستي، ما يحد من قدراتها على إنتاج أفلام ذات جودة عالية وقادرة على المنافسة على الساحة الدولية، إذ أن هذه الأزمة المالية تؤدي إلى إنتاج أفلام بميزانيات محدودة، ما يعيق المخرجين عن تحقيق رؤاهم الفنية بشكل كامل، ويمنعهم من الاستفادة من التقنيات الحديثة وفرق العمل المحترفة، وهذا أيضا يضعها في قفص التجربة والتجريب.
لم تحظ الأفلام بشعبية واسعة بين الجمهور المحلي بسبب وضع السينما المغربية بين تكرار التجربة ومحاولة التجريب، إذ يتم توزيعها غالبا على نطاق محدود وتقتصر عادة على المشاركة في المهرجانات السينمائية والعروض الخاصة، ما يجعل عملية توزيعها شبه معدومة، فهي غالبا ما تعرض في عدد قليل جدا من القاعات السينمائية إن وجدت أصلا، ما يحرمها من الوصول إلى جمهور أوسع، وهذا العجز في التوزيع يعوق انتشار الأفلام المغربية ويحد من تأثيرها الثقافي.
تعتبر السينما المغربية تجريبية أيضا بسبب نقص الأطر المؤهلة والمدربة في المجالات الفنية والتقنية، ما يضع عائقا كبيرا أمام تطويرها، فمعظم المدارس والمعاهد في المغرب محصورة في السمعي البصري، ونادرا ما تجد معهدا متخصصا في مهن السينما مثل ورزازات، لذلك نجد العديد من الأفلام المغربية تبدو كإنتاجات هاوية تفتقر إلى الاحترافية في الإخراج، والتمثيل، والتقنيات الفنية، وهذا التفاوت يُضعف من مصداقية السينما المغربية ويجعل الجمهور يفقد الثقة في قدرتها على تقديم أعمال ذات جودة.
وتتأثر السينما المغربية بشكل كبير بالسينما الأميركية، من خلال إنتاج أفلام تحاول تقليد النماذج الغربية دون مراعاة للخصوصية الثقافية المغربية، وهذا التقليد الأعمى يؤدي إلى فقدان الهوية المحلية ويجعل الأفلام تبدو غير أصيلة، تفتقر إلى العمق في السرد وتعاني من تكرار المواضيع والشخصيات النمطية، كما أن هناك معضلة ابتكار القصص، فهي تعيد تقديم نفس الأفكار التقليدية دون إضافة أي شيء جديد، وما يزيد الأمور تعقيدا هو أن حتى الدراما والتلفزيون تنسخ الأعمال التركية والدولية وتمغربها حسب الميزانية المحدودة، وهذا ما يجعل أغلبها فارغ المحتوى ضمن نهج تجريبي قح.
وبدلا من الاستفادة من التراث الثقافي الغني للمغرب، تتجاهل العديد من الأفلام المغربية هذا التراث لصالح أفكار وقصص مستوردة، وهذا التجاهل يجعل السينما المغربية تبدو مفصولة عن الواقع الثقافي والاجتماعي، ما يُفقدها الروح المحلية وتتعرض لنفور جماهيري.
وتعاني السينما المغربية في وضعها الحالي من عدة أوجه ضعف يجعلها تبدو كسينما تجريبية تفتقر إلى الهوية والتصنيف والأجناس المتنوعة، فهي في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها الإنتاجية، التمويلية، والسردية من أجل تحقيق تقدم حقيقي وملموس يمكّنها من المنافسة على الساحة السينمائية الدولية، فالأفلام المغربية التي تلقى ترحيبا عالميا، غالبا ما تمرر أيديولوجية معينة سواء على مستوى اللغة التي كتب بها السيناريو أو على مستوى الإنتاج المشترك، فهؤلاء الغرب لا يصفقون إلا لمن يرضيهم ويرضي سياستهم الفنية الخارجية، انتقد على سبيل المثال المملكة المغربية في فيلم سينمائي وسيتم الترحيب بك في مهرجان كان وجلّ المهرجانات الدولية، واجعل النسويات أبطال في أعمالك وستجد نفسك في سباق أرانب الأوسكار الأجنبي.