فن..

ثقافة الاقتباس العالمي في المسرح المغربي تطمس التراث والهوية المحلية

وكالة أنباء حضرموت

يمتد تاريخ المسرح في المغرب عبر فترات متعددة، حيث بدأت أولى المسارح تحت الحكم الروماني خلال القرن الأول الميلادي في مدن مثل ليكسوس وزيليس، ضمن إقليم موريطانيا الطنجية، إذ كانت هذه المسارح فضاءات لعروض مسرحية رومانية، وكانت تُعبر بلغات متعددة من بينها الأمازيغية واللاتينية والقرطاجية مما أدى إلى امتزاج ثقافي فريد.

وشهد المسرح المغربي في الفترة الإسلامية بين القرنين الثامن والتاسع عشر، ركودا بسبب تعارضه مع القيم الإسلامية، لكن التعبيرات المسرحية استمرت من خلال أشكال شعبية مثل الحلقة والبساط والتبوريدة، التي أصبحت جزءا من التراث الشعبي. ثم ظهر المسرح المعاصر في المغرب في بداية القرن العشرين، حيث بني أول مسرح معاصر في طنجة عام 1913، وشهدت العروض تأثير فرق مسرحية أجنبية مثل الإسبانية والمصرية والفرنسية، كما ساهمت فرق مسرحية مغربية مثل الجوق الفاسي ومسرح الشعب في تعزيز الهوية الوطنية ومواصلة التعبير عن قضايا المجتمع والاستعمار.

ويُعد الطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج من الرواد في تأسيس الكتابة المسرحية المستقلة في المغرب، حيث أسهما في دمج العناصر التقليدية مع الأشكال الحديثة، وهما جزء من مدرسة مسرحية تعتمد على الاقتباس في أغلبها. كما أسس عبدالكريم برشيد مدرسة الاحتفالية المغربية وساهم في تطوير المسرح بجوانبه الجمالية والتعبيرية.

وفي نفس السياق، يواجه المسرح المغربي العديد من التحديات مثل نقص الدعم المالي وقلة البنية التحتية المناسبة وضعف الترويج والتسويق، بالإضافة إلى التحديات الثقافية والاجتماعية وهجرة المواهب. ورغم هذه الصعوبات يواصل المسرح المغربي التطور بفضل جهود الفنانين والمبدعين الذين يسعون إلى تقديم عروض مبتكرة تعكس روح  المغرب وثقافته. ولكن هل يعبر المسرح المغربي عن هوية مغربية بحتة، أم أنه يستمد أساليبه الفنية والتقنية من المسرح العربي والأوروبي؟

تعتبر الهوية الثقافية من أهم مكونات أي مجتمع فهي تعكس التقاليد والعادات واللغة والتاريخ الخاص به، وفي المغرب كان مسرح الهواة يلعب دورا مهما في التعبير عن الهوية المغربية متعددة الأوجه، لكن المسرح الحديث يشهد في العقود الأخيرة تحولات جذرية نتيجة لتأثيرات العولمة والتلاقح الثقافي مع المسرح العربي، وخاصة مع تزايد التواصل بين الثقافات المختلفة.

تأثر المسرح المغربي بشكل ملحوظ بالاتجاهات المسرحية الغربية والعربية، فمن ناحية يتيح الانفتاح على التجارب المسرحية الغربية فرصا لتبادل الأفكار والتقنيات الفنية، ومن ناحية أخرى يؤدي هذا التلاقح إلى ضياع بعض العناصر الفريدة التي تميز المسرح المغربي.

◙ الحفاظ على الهوية في المسرح يتطلب توازنا بين الانفتاح على التجارب العالمية والعربية وبين الحفاظ على الخصوصية

أصبحت الموضوعات المطروحة في المسرح المغربي تميل أكثر إلى القضايا العربية والأوروبية العامة، بدلا من التركيز على المشاكل والقضايا المحلية الخاصة بالمغرب، كما اتجه بعض المخرجين والممثلين إلى تقليد الأساليب الفنية السائدة في المسرح العربي والأوروبي، ما أدى إلى إضعاف الهوية البصرية والفنية المميزة للمسرح المغربي، إذ إن هناك  محاولة للانخراط في المشهد المسرحي العربي الأكبر، حيث لجأ بعض المسرحيين المغاربة إلى تقليد عناصر من المسرح العربي.

نأخذ على سبيل المثال اختيار نصوص مسرحية كتبها مؤلفون غربيون مشهورون بدلا من الاعتماد على الأعمال المحلية، إلى جانب اعتماد التقنيات الإخراجية والأساليب الدرامية الشائعة في المسارح الغربية، وقودها الرغبة في المشاركة في المهرجانات المسرحية الدولية بهدف الحصول على الاعتراف والتقدير، وهو ما دفع بعض الفرق المسرحية إلى تقديم أعمال تتماشى مع الذوق العام العربي والغربي. هذا النهج اتبعه أيضا الأدباء والشعراء في المغرب مع دول الخليج لأنهم يوفرون حوافز مالية أكبر.

هذا التوجه نحو تقليد المسرح العربي والغربي أدى إلى نتائج وتحديات عدة، كالتماهي مع المسرح العالمي إلى حد تراجع الخصوصية الثقافية للمسرح المغربي، كما بدأت بعض الفئات من الجمهور المغربي تشعر بالغربة عن العروض المسرحية التي لا تعكس واقعها اليومي وتطلعاتها. ويواجه المسرح المغربي انتقادات من النقاد والمثقفين الذين يرون في هذا التوجه تهديدا للهوية الثقافية الوطنية.

ولمواجهة هذه التحديات، ظهرت بعض المبادرات التي تهدف إلى استعادة الهوية المسرحية المغربية كدعم الكتاب والمخرجين المحليين لإنتاج أعمال تعبر عن التجربة المغربية وإعادة الاعتبار لاستخدام اللهجة الدارجة المغربية في العروض المسرحية مع توظيف التراث الشعبي والفلكلور المغربي كمصدر للإلهام في النصوص المسرحية، عوض اقتباس أو استعارة نصوص غربية وإعادة صياغتها بلهجة مغربية.

إن الحفاظ على الهوية المغربية في المسرح هو تحد يتطلب توازنا دقيقا بين الانفتاح على التجارب الثقافية العالمية والعربية، وبين الحفاظ على الخصوصية الثقافية المحلية، ومن خلال تعزيز العناصر الفريدة للمسرح المغربي والعمل على تطويرها، يمكن أن يستعيد مكانته كمؤسسة ثقافية تعكس بصدق هوية المجتمع المغربي المتنوعة ومتعددة الأبعاد.

خلاصة القول إن الثقافة، والهوية المغربية، غنية ومتعددة الأبعاد وتمثل مصدر فخر وتميّز، إذ ينبغي على كل كاتب مبدع أن يأخذ هذا التنوع بعين الاعتبار ويعكسه بوضوح في أعماله الأدبية والفنية، ولا يستند إلى النصوص الغربية القديمة أو محاولة تقليدها، فهذا يظهر عدم القدرة على التميز والابتكار، ويمكن أن يؤدي إلى تشويه الصورة الحقيقية للمجتمع المغربي، فمن المهم كتابة النصوص بالدارجة المغربية وبأسلوب شعبي يليق بمجتمعه. ويجب على رواد هذا الفن الالتزام بالجذور المحلية والابتعاد عن الاستعارة الثقافية، ليس فقط من أجل الحفاظ على الهوية الفريدة، بل أيضا لتقديم صورة دقيقة وشاملة عن الثراث المغربي للعالم.

ومن خلال تسويق الأعمال الأدبية والثقافية بمهارة وحرفية، يمكن تحقيق انتشار واسع دون اللجوء إلى التقليد أو الاستسلام لمعايير الآخرين، إذ يأتي التميز من خلال التفرد للهوية المغربية عكس الاستعارة والاقتباس، ما يثير اهتمام العالم نحو الإبداعات والتجارب الفنية والأدبية المحلية، إذ ينبغي على الجميع أن يكونوا فخورين بثقافتهم وهويتهم الشعبية، وأن يعملوا بجد على نشرها وتعزيزها بجميع الوسائل المتاحة، إذ تُعتبر مصدر فخر وانتماء، واتباع غير هذا الأسلوب سيسقط المسرحيين في التزييف والتملق من أجل تحقيق الاعتراف العالمي بمحاولة تقديم أعمالهم وهويتهم التي لا تمت بصلة.