الكويت تسعى للقطع مع الصراعات داخل الأسرة الحاكمة
وجه ولي العهد الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح خلال لقائه بأسرة آل الصباح الاثنين رسالة حازمة حملت عنوانا لها “لا استثناء أمام القانون”، ويعني أن السلطة في المرحلة القادمة ستحتكم إلى القانون ولن تسمح بالعودة إلى مربع الأزمات، وأنها ستقطع مع الصراعات داخل الأسرة الحاكمة، كي تتفرغ لبناء كويت جديدة تكون قادرة على مواكبة التطور الذي تشهده دول خليجية أخرى وتخلفت عنه هي بسبب الصراعات والأجندات الشخصية.
ودعا ولي العهد الشيوخ الذين حضروا إلى أن يكونوا خير سند لأمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الصباح لاستكمال مسيرة التقدم، وأن يكونوا “خير مثال للقدوة الحسنة في الأخلاق والالتزام”، مذكرا بأن البلد “عبر بسفينته الظروف العصيبة إلى بر الأمان بقيمه وتكاتفه وتلاحمه”، وأن “الآباء والأجداد جُبلوا على قيم واجهت أشد المواقف بالتكاتف والتلاحم”.
وتضمن اللقاء إشارات واضحة ودقيقة -أمام فروع أسرة آل الصباح والكويتيين عموما، وخاصة منهم السياسيين، الذين ساهموا بشكل أو بآخر في نشوب الأزمات التي عطلت تطور البلاد- إلى أن المرحلة القادمة لن تسمح بالعودة إلى الفوضى، وأن لا مجال فيها لصراع الأجنحة داخل الأسرة الحاكمة ولا سبيل للتحالفات التي تتشكل من وراء الستار لتعطيل عمل مؤسسات الدولة بدوافع ذاتية وأجندات خاصة.
واختيار ولي العهد الكويتي التحدث مباشرة أمام الأسرة عن تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، وليس في مؤتمر صحفي، فيه شيء من الخصوصية، ويهدف إلى رص الصفوف وإعطاء المثل بأن الوحدة والالتفاف حول القيادة، بدءا من الأسرة الحاكمة، هما الطريق الأسلم للخروج من الأزمة، وأن التغيير مسؤولية الجميع.
ويرى متابعون للشأن الكويتي أن خطاب ولي العهد الذي يتسم بالصراحة والوضوح أمام ممثلي الأسرة الحاكمة ووجوهها المؤثرة هو امتداد لما قاله أمير البلاد الشيخ مشعل في مرات سابقة، وأن اختيار ولي للعهد بهذه المواصفات كان أمرا مدروسا، ويهدف إلى القطْع مع الماضي بأخطائه وممثليه، وبناء عهد جديد بشخصيات معبرة عنه ووفية له.
وكان الشيخ مشعل قال حين الإعلان عن حل مجلس الأمة لأربع سنوات وتعليق العمل ببعض المواد في الدستور “لن أسمح على الإطلاق بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة”، وأن “لا أحد فوق القانون فمن نال من المال العام دون وجه حق سينال عقابه أيّا كان موقعه أو صفته”.
وتلقى الشارع والنخب في الكويت نبأ تعيين الشيخ صباح الخالد وليا للعهد بارتياح كبير، ورحب بهذا التعيين نواب وسياسيون ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعد مؤشرا على نزاهته وحسن الاختيار.
وأصدر الشيخ مشعل في الأول من يونيو الجاري أمرا أميريا بتزكية الشيخ صباح الخالد، الذي شغل سابقا منصب رئيس الوزراء، لمنصب ولي العهد الذي يتطلع إليه كثيرون من ذرية مبارك الصباح، المعروف باسم مبارك الكبير، المؤسس الحقيقي لدولة الكويت.
ومنذ وفاة مبارك الكبير عام 1915 اقتصرت ولاية العهد والإمارة في الكويت على فرعين فقط من أبنائه هما فرعا جابر المبارك وسالم المبارك دون باقي الفروع.
ويعدّ اختيار الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد كسْرا لهذه القاعدة، فهو أول ولي للعهد من خارج هذين الفرعين، وهو الأول من ذرية حمد المبارك الصباح.
كما جرى العرف أيضا أن يكون ولي العهد ابنا لأمير سابق، وهو أمر لا ينطبق على ولي العهد الجديد. ولم يكن اسم الشيخ صباح الخالد من بين الأسماء التي راجت حولها التكهنات بشأن منصب ولي العهد، منذ تولي الشيخ مشغل مقاليد السلطة في ديسمبر الماضي.
وقال رئيس ومؤسس مركز ريكونسنس للبحوث والدراسات في الكويت عبدالعزيز العنجري إن ولي العهد الجديد “لم يكن معروفا بتطلعه إلى المناصب السياسية أو الحظوة المجتمعية؛ بل على العكس، كان يبتعد عن الأضواء فور انتهاء عمله ولا يحاول أن يفرض نفسه على المشهد”.
وحول اختيار شخصية من خارج فرعي السالم والجابر قال العنجري “لعلها نظرة سمو الأمير ألّا يعطي ولاية العهد لمن يطمح إليها وإنما للأفضل من الأكفاء، حتى لو كانوا من خارج إطار القواعد المعتادة”.