الشكوك تحاصر خطط الجزائر لسدّ الفجوة الغذائية المتفاقمة

الجزائر

رفعت الحكومة الجزائرية رهانا صعبا يتمثل في ضمان الأمن الغذائي وحددت سقفا زمنيا لتحقيق ذلك لا يتعدى 18 شهرا، رغم الشكوك الكبيرة التي تحيط بنجاح خطتها في ظل استمرار ارتفاع التضخم وفقدان السيطرة على أسعار المواد الغذائية.

وخلفت زيادة تكاليف الغذاء في جميع أنحاء العالم، ضغوطا على الأسعار، وكان من المنطقي جدا أن يرتفع المؤشر الرئيسي لأسعار المستهلكين إلى حدّ لا يحتمل بالنسبة لعدد كبير من الجزائريين.

ولمواجهة تلك التقلبات تسعى الحكومة إلى إرساء أسس زراعية عصرية، تتم بالنجاعة والفعالية والتنافسية التي تؤهلها لضمان الأمن الغذائي المنشود على المدى القصير.

وتسببت القفزة التي سجلها التضخم في الجزائر، خلال الأعوام العشرة الأخيرة بتراجع محسوس في القدرة الشرائية للسكان بنحو 50 في المئة بحسب تقديرات المختصين وسط ضعف كبير للدينار أمام مختلف العملات والطقس الجاف الذي أثر على المحاصيل.

ومن أجل مواجهة التهاب أسعار الفواكه والخضروات الطازجة في أسواق الجملة، رخصت وزارة التجارة قبل نحو شهرين للمزارعين ببيع منتجاتهم مباشرة للمستهلكين، ضمن خطوة تستهدف تحقيق التوازن في السوق ومكافحة الاحتكار والمضاربة.

كما أمر الرئيس عبدالمجيد تبون بسن تشريع يتضمن عقوبات قاسية على كل من يتلاعب بالأسعار والسوق. فضلا عن زيادة التنسيق بين وزارتي التجارة والفلاحة بهدف الرقابة القصوى على المواد الزراعية وتشديد الرقابة الميدانية على المحلات التجارية.

ويؤكد عيسى منصور مستشار التنمية الزراعية أن المتطلبات الأساسية للوصول إلى الأمن الغذائي تتركز على أربعة أسس تتمثل في وفرة الغذاء، وإمكانية الوصول إلى هذا الغذاء من طرف كل المواطنين في كل زمان ومكان.

أما العامل الثالث فهو مأمونية الغذاء، أي يجب أن يكون الغذاء صحيا كاملا ومغذيا وألا يسبب أي متاعب صحية، وأخيرا الاستقرار بمفهومه الواسع، أي ذلك الذي يشمل الجوانب السياسية والاقتصادية وحتى المناخية.

ورأى منصور في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الألمانية أن الجزائر يمكنها تحقيق الأمن الغذائي الذي يصفه بـ”المنظومة الكاملة”، ولكن ليس على المدى القصير لأن هناك عملا كبيرا يجب القيام به بالتعاون مع كل القطاعات كلّ في ما يخصه وتضافر جهود الجميع لأجل تعبيد الطريق للوصول إلى الأمن الغذائي المستدام.

وأشار إلى أنه يجب على الجزائر ضمان كميات كافية من الغذاء لكل السكان في كل الأوقات، وأن يكون الغذاء صحيا وكاملا، ويجب تمكين المستهلك من الوصول إلى هذا الغذاء في ما معناه أن تسمح له القدرة الشرائية من تحقيق ذلك.

لكن منصور شدّد على أن الارتفاع الفاحش في أسعار بعض المنتوجات الزراعية والغذائية الأخرى وفوضى السوق قد يعيقان فعلا الوصول إلى الأمن الغذائي.

وكان رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن قد قال مرارا إن “الجزائر التي كانت في وقت بعيد خزانا لأوروبا في إنتاج الحبوب لا يجب أن تبقى تابعة في استهلاكها”، داعيا إلى مضاعفة الجهود والمثابرة في العمل من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذا المنتوج الأساسي.

إلا أن منصور، لا يرى أي علاقة مباشرة بين الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، موضحا أنه يمكن لأي دولة أن تضمن وفرة الغذاء ولو بالواردات إن كانت قادرة على ذلك بصفة مستمرة، والمهم هو توفير الغذاء الكافي والصحي بغض النظر عن كيفية تحقيقه إما بالإنتاج المحلي وإما بالاستيراد أو حتى بالإعانات الإنسانية.

ولا يمكن تحقيق الأمن الغذائي إلا بتوفير الحبوب التي تمثل مكونا واحدا من مكونات الوجبة الغذائية الكاملة والصحية والتي يجب أن تحتوي على مختلف البروتينات النباتية والحيوانية أي مختلف الخضار والفواكه واللحوم والأسماك والألبان.

ويضيف منصور بالقول “لا يمكن الوصول إلى الأمن الغذائي إلا بتوفير الخبز والحليب”.

وعملت الحكومات المتعاقبة خلال عهد الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة على تقديم حوافز ضريبية وإجراءات تنظيمية وإصلاحات تشريعية لضمان زيادة الإنتاج الزراعي.

وبحسب أرقام رسمية قدمها بن عبدالرحمن مؤخرا، باتت الجزائر تحصي اليوم نحو 90 ألفا من المستثمرات الزراعية تتربع على مساحة تقارب 2.3 مليون هكتار.

وكشفت الحكومة في وقت سابق من هذا العام أن أكثر من 163 ألف هكتار تحت تصرف ديوان التنمية الزراعية الصناعية بالأراضي الصحراوية.

ويعتقد كمال أمين، وهو صحافي متابع للشؤون الاقتصادية أن ضمان الجزائر للأمن الغذائي “حلم يبقى بعيد المنال”، ملقيا بالمسؤولية على ما يسميه بـ”اللوبيات المستنفذة” التي تتحكم في قوت الجزائريين والتي ترفض أي تطوير لزراعة الحبوب في البلاد.

أوضح أن هذه المافيات متمسّكة باستيراد القمح الصلب واللين والذرة والشعير بما يضمن لها تحقيق أرباح بعشرات الملايين من الدولارات، لافتا إلى ما تعلن عنه وسائل الإعلام عن مشاركة الجزائر في عطاءات دولية لشراء القمح كل أسبوع وكل شهر.

وأشار أمين إلى أن الجزائر قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الفواكه والخضار، لكنه أكد أن التأخر الكبير للجزائر في مجال الصناعات التحويلية للمنتجات الزراعية وهو ما يكبّد الدولة خسائر كبيرة.

وصنفت دراسة لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة حول الفقر، الجزائر الأولى أفريقيا في مجال الأمن الغذائي، ووضعها في خانة البلدان التي تقل فيها نسبة الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية عن 2.5 في المئة من العدد الإجمالي للسكان، وذلك خلال الفترة الممتدة بين 2018 و2020.

ويشير عبدالقادر صافي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر، إلى إعادة النظر في طرق الإدارة والتفكير بشكل يسمح بإعداد سلسلة من الإجراءات المتناسقة تتوج العمل الكبير بين قطاعات الصناعة والزراعة والوسطاء الذين يتشكلون من المؤسسات الصغيرة، بناء على نظرة استراتيجية بهدف واضح ودقيق.

وفي حين يعتبر محمد يزيد حنبلي، وهو رئيس الغرفة الجزائرية للزراعة، أن بلاده تتوفر على كل الإمكانيات لضمان الأمن الغذائي، غير أنه يعترف بأن هناك بعض القوانين تعيق تحقيق هذا الهدف خاصة في مجال العقار الزراعي، وصعوبة الحصول على تراخيص حفر الآبار.

وينوّه حنبلي أنه يتعين التوصل إلى توازنات اقتصادية بين مختلف شرائح الشعب لتشجيع المزارعين حتى ينتفعون مما ينتجونه ويضمن لهم الربح المستدام، وهو ما سيصب دون شك في مصلحة الحكومة التي تبحث عن كسب ثقة الشعب.