فرنسا تريد أن تبني تحالفا لأجل الحاضر

التصعيد الجزائري يهدد بإفشال رغبة فرنسا في بناء علاقات هادئة

الجزائر

أثارت رغبة فرنسا في التهدئة مع الجزائر، والتي عكستها الزيارة المفاجئة لوزير خارجيتها جون إيف لودريان تساؤلات بشأن تعاطي الجزائر مع مساعي باريس وهل أنها ستستمر في التصعيد والهروب إلى الأمام، وتفوت على نفسها فرصة توسيع تحالفاتها لمواجهة تغيرات الإقليم.

ودعا لودريان من الجزائر الأربعاء إلى عودة “العلاقات الهادئة” بين البلدين بعد التوتر الشديد الذي شهدته منذ أكثر من شهرين.

وقال بعدما استقبله الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون “أتمنى أن يعود بلدانا إلى نهج العلاقات الهادئة وأن يتمكنا من التطلع إلى المستقبل”.

وأضاف “نأمل أن يؤدي الحوار الذي نعيد إطلاقه اليوم إلى استئناف المحادثات السياسية بين حكومتينا عام 2022 بعيدا عن جراح الماضي التي يجب أن نواجهها خاصة بالنظر إلى سوء التفاهم الذي علينا تجاوزه”.

وتابع “خلال حديثي مع الرئيس تبون ركزنا على تعاون تترجمه انطلاقة حوار فعلي بيننا كشركاء في ملفات تتعلق بأمن البلدين، وأن الجزائر وفرنسا تواجهان تحديات كبيرة إقليميا ودوليا بخصوص الإرهاب في الساحل والهجرة غير الشرعية والقضايا الاقتصادية”.

ويشير مراقبون إلى أن فرنسا تريد إعادة ترتيب تحالفاتها في شمال أفريقيا لمواجهة النفوذين الروسي والتركي المتزايدين في المنطقة، ولأجل ذلك سعى الوزير الفرنسي لجلب انتباه الجزائريين بالحديث عن المصالح المشتركة، والتحديات الإقليمية التي تمس أمنهما الإقليمي معا، لكن الجزائريين يعتقدون عكس ذلك تماما ويرون أن وجودهم إلى جانب تركيا وروسيا يصب في صالح حساباتهم.

ويرى المراقبون أن الجزائر تنظر إلى استقبال الدورين التركي والروسي وفتح الباب أمامهما للتمدد في شمال أفريقيا أو في الساحل والصحراء على أنه قصاص من فرنسا التي لم تتعامل مع قضايا الماضي كما يريد النظام الجزائري، معتبرين أن فرنسا تريد أن تبني تحالفا لأجل الحاضر فيما الجزائريون يحيون خلافات الماضي لأجل أجندات شخصية تهدف للحفاظ على تعاطف الشارع الجزائري والتغطية على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الحادة في البلاد.

ويعتقد هؤلاء أن النظام الجزائري لا ينظر جيدا حواليه وإلا لكان تمسك ببناء علاقات متوازنة مع فرنسا وتوقف عن التصعيد الكلامي الذي لا يفيد الجزائريين، لافتين إلى أن الجزائر باتت في عزلة إقليمية بعد التحالفات التي بناها المغرب، وبرود علاقاتها مع تونس، وبرود علاقاتها أيضا بأبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية الليبية.

وتفاقمت المخاوف الفرنسية من تراجع دور باريس في المنطقة بسبب التغلغل الروسي في مالي، كما أعربت وزيرة الجيوش فلورنس بارلي، في تصريح لها لوسائل إعلام محلية، عن قلق بلادها “من تمدد نفوذ قوات فاغنر في مالي، وتوجه السلطات الجديدة في باماكو إلى التمرد على التزامات بلادها السابقة”.

وأضافت “دول الاتحاد الأوروبي تدعم الموقف الفرنسي في مالي، والانزعاج الأوروبي من التغلغل في منطقة الساحل سيترجم في مقاربة جماعية لاحقا”، لكنها لم تكشف عن طبيعتها ولا آلياتها.

وتأتي زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر بعد أشهر من التوتر الدبلوماسي بين البلدين الذي أفضى إلى قطيعة بين الطرفين تجسدت في إعلان الجزائر من جانب واحد وقف النشاطات الدبلوماسية المتبادلة، وسحب سفيرها بباريس، وحظر مجالها الجوي أمام الطيران العسكري العامل في منطقة الساحل الصحراوي.

وصرح الرئيس الجزائري لوسائل إعلام محلية بأن بلاده “متمسكة بمواقفها وقراراتها بشأن العلاقات مع باريس، وأنها لن تبادر بأي شيء، إلا إذا استقبلت إشارات جادة وحقيقية من طرف الفرنسيين، وأنه أيضا لا يمكن القيام بأي شيء تجاه من أهان الجزائريين في تاريخهم وذاكرتهم”.

وعبر عن ضغط بلاده على الفرنسيين بالقول “لقد باتت الطائرات الفرنسية العسكرية التي تشتغل في مالي تستغرق تسع ساعات في رحلتها، بعدما كانت مدة الرحلة خمس ساعات”، في إشارة إلى “مفعول قرار الحظر في تكلفة المؤسسة العسكرية الفرنسية خارج حدودها”.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثار غضب الجزائر في أكتوبر عندما اتهم على ما جاء في كلام أوردته صحيفة “لوموند” الفرنسية النظام “السياسي – العسكري” الجزائري بتكريس سياسة “ريع الذاكرة” بشأن حرب الاستقلال وفرنسا، سلطة الاستعمار السابقة في البلاد، في حين أطلقت باريس مبادرات حول مسائل الذاكرة في فرنسا في محاولة منها لتهدئة التوتر.

وأوردت الصحيفة أيضا أن ماكرون شكك كذلك في وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي، ما أثار ردود فعل منددة في صفوف المجتمع الجزائري.