قيس سعيد تجاوز الأحزاب

لماذا تصعّد الأحزاب ضد قرارات قيس سعيد تعيين مقربين منه بمناصب في الدولة

تونس

يُثير تصعيد عدد من الأحزاب السياسية مع الرئيس قيس سعيد بسبب تعيينات أجراها في مناصب هامة مؤخرا سواء في الولايات أو غيرها تساؤلات عن أسباب ذلك التصعيد الذي يستهدف حرمانه من منح تلك المناصب لشخصيات مقربة منه.

ومن بين تلك الأحزاب التي وجهت انتقادات لسعيد بسبب خياراته في تسيير الدولة من ساند إجراءات الخامس والعشرين من يوليو عندما فعل الفصل 80 من الدستور ليجمد بمقتضاه عمل واختصاصات مجلس النواب (البرلمان) ورفع الحصانة عن نوابه وأقال الحكومة السابقة برئاسة هشام المشيشي.

والتحق الحزب الدستوري الحر مساء الأحد بأحزاب النهضة والجمهوري والتيار الديمقراطي في انتقاد تلك الخيارات بالرغم من أن الدستوري الحر وهو حزب معارض ومحسوب على نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي لم يتردد في إظهار دعمه لمسار الخامس والعشرين من يوليو.

وقال الحزب في بيان نشره على صفحته الرسمية على فيسبوك إن “عملية تعيين أربعة ولاة من قبل رئيس السلطة القائمة (قيس سعيد) يُجسد عودة البلاد إلى مربع التعيينات بالولاءات والمحاباة والتحكم في مفاصل الدولة عبر الترضيات والمكافآت”.

وتابع أن “هذه المكافآت والتعيينات هي مقابل خدمات انتخابية أو شخصية سابقة استفاد منها الماسك بسلطة القرار”.

ويشير الحزب بذلك إلى أربع تعيينات قام بها الرئيس سعيد الجمعة عندما عين كلّا من عزالدين شلبي واليا على بن عروس (شمال)، وسعيد بن زايد في مدنين وفوزي مراد بصفاقس ونادر الحمدوني بقفصة (جنوب)، وذلك بعد أربعة أشهر من إقالة الولاة السابقين.

وأثارت خطوته انتقادات من أحزاب سياسية على غرار التيار الديمقراطي والحزب الجمهوري والتكتل من أجل العمل والحريات وقبل ذلك حركة النهضة الإسلامية التي أخرجتها إجراءات الخامس والعشرين من يوليو من دوائر الحكم ما جعلها تعارضها بشدة وتسعى لتسويق رواية انقلاب الرئيس التونسي على الدستور.

ويرى مراقبون أن معيار الولاء بات شرطا أساسيا في تعيين الولاة، غير أن الأحزاب التي سبق أن كرست المحاصصة خلال السنوات التي تلت الثورة تريد انتزاع هذا الشرط من الرئيس سعيد من خلال التذرع بشرط الكفاءة والجدارة.

واعتبر عضو المكتب السياسي لحركة الشعب رضا لاغة أن “الرئيس قيس سعيد له الحق والمشروعية في تعيين ولاة مقربين منه ومؤيدين لمسار الخامس والعشرين من يوليو، ومشكلة الأحزاب أنها تريد حصتها من تلك التعيينات وهذا غير ممكن خاصة أن الرئيس سعيد قطع مع الدولة العميقة”.

وأضاف لاغة في تصريح لـ”العرب” أن “حزب الدستوري الحر مثلا هو جزء من الدولة العميقة التي يريد الرئيس سعيد القطع معها، ليس هناك أي مشروعية ليسند خططا هامة إلى فئة تنتسب إلى الدولة العميقة أو للدستوري الحر، هذا هو لب الخلاف بينهما، رئيس الجمهورية اختار السير في مسار الخامس والعشرين من يوليو ما يقتضي الاستعانة بمن يؤمن بهذا المسار شريطة أن يكون كفؤا”.

وأوضح أن “منصب الوالي سيادي ويمثل عاملا حيويا ومهما في الاستجابة إلى حاجيات الناس في المنطقة، والوالي هو بمثابة نائب لرئيس الجمهورية في تلك المنطقة، وهذه الخطة ارتبطت في تونس بالولاء فمثلا من يمثل الدولة العميقة هو من يتم ترشيحه لتولي هذه المسؤولية وحتى في 2014 كان هناك أشخاص ليس لهم التحصيل العلمي اللازم ومع ذلك تم تعيينهم في تلك المناصب”.

في المقابل ترفض الأحزاب السياسية التي تعارض خيارات رئيس الجمهورية في التعيينات التي قام بها مؤخرا الاتهامات التي تواجهها بشأن “طمعها” في حصة من التعيينات، مشيرة إلى ضرورة النأي بالإدارة عن التجاذبات السياسية رغم أن هذه التجاذبات كانت أكثر حضورا قبل موعد الخامس والعشرين من يوليو من خلال ما يُعرف بالمحاصصة الحزبية، حيث كانت تلك الأحزاب تسعى للحصول على مواقع حساسة في الإدارة.

وقال القيادي في الحزب الدستوري الحر مجدي بوذينة إن “تعيينات الولاة تقوم على الولاءات وليس حسب معيار الكفاءة في الوقت الراهن، وهذه العودة إلى مربع التعيينات بالمحاباة والتحكم في مفاصل الإدارة عبر الترضيات هي تكريس للفساد السياسي والإداري”.

وتشهد تونس منذ الخامس والعشرين من يوليو مسارا سياسيا انتقاليا يسعى خلاله الرئيس سعيد لقيادة ما يصفه بعملية تطهير البلاد من الفساد الذي تفشى خلال العشرية التي تلت ثورة الرابع عشر من يناير التي أطاحت بنظام الراحل بن علي.

كما سيعمل الرئيس سعيد على تغيير نظام الحكم والقوانين الانتخابية والقيام باستفتاء قال إنه سيتم إلكترونيا، ووعد بفتح حوار وطني مع الشباب في خطوة يستعملها خصومه في انتقاده له متذرعين بأنهم يخشون نظاما سياسيا “مُسقطا” ولا يتم حوله حوار، ويطالبون بحوار وطني شامل.

ويرفض الرئيس سعيد التواصل مع الأحزاب التي لطالما اتهمها بتجويع التونسيين وبتكريس مفاهيم الغنيمة في علاقتها بالدولة وأجهزتها.

وقال إن “الدولة لا تُدار في الملاهي والسهرات وفي المقاهي ولا في الاجتماعات المغلقة بل داخل مؤسسات الدولة ووفق القانون”.

وأضاف خلال لقائه بوزير الداخلية توفيق شرف الدين مساء الجمعة أن “لا أحد فوق القانون مهما كان موقعه، والقانون في الدولة التونسية يطبق على الجميع”.

وأشار الرئيس التونسي إلى أن المواطنين “يرون في هذه الأيام كيف تتقلب المواقف كل يوم وأكثر من مرة في اليوم، لأنّ هذه المواقف لا تصدر عن مبادئ ثابتة بل على اعتبارات شخصية أهمها الانتهازية واعتبار المناصب غنيمة، بل اعتبار الدولة غنيمة تحلق فوقها الطيور الكواسر”.