هل تؤثر أزمة تونس السياسية على الاقتصاد المتعثر

القاهرة

يرى بعض المحللين أن التركيز الحالي في تونس على الشأن السياسي أكثر في ظل حالة الشد والجذب بين الرئيس التونسي قيس سعيد وخصومه من الأحزاب التي فقدت بعد الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز نفوذها وتكابد لاستعادة توازنها وموقعها، من شأنه أن يعمق جراح الاقتصاد المتعثر.

ويذهب البعض من هؤلاء من أمثال المحلل معز الجودي إلى أن "الوضع حرج للغاية في الاقتصاد والمالية العامة على وجه الخصوص"، مضيف "نحن على وشك الانهيار منذ شهور".

لكنه يرى أن الأزمة السياسية الآن وغياب أي برنامج ورؤية اقتصادية واضحة يسرّعان الانهيار الكامل، مرجحا أن "خطط سعيد التركيز على السياسة يمكن أن تحوّل تونس إلى لبنان آخر" الذي يعيش في خضم أزمة مالية وصفها البنك الدولي بأنها من أعمق الانكماشات في التاريخ الحديث.

لكن مقاربة الجودي تذهب بعيدا جدا في التوصيف والتشخيص على اعتبار أن لا مجال للمقارنة بين الاقتصادين التونسيين واللبناني ولا حتى من حيث الأزمة السياسية في البلدين.

فالاقتصاد اللبناني يعتمد على الهبات والمنح الخليجية وعلى تحويلات المغتربين بالعملة الصعبة وكل تعاملاته تقريبا بالدولار وقطاعات الإنتاج فيه محدودة على خلاف تونس التي تملك قطاعات منتجة وحيوية لكنها تعاني من مشاكل مالية ناجمة ليس عن حالة الانسداد السياسي بل عن التعطيل بفعل الإضرابات والاعتصامات وما تعانيه تلك القطاعات هو بالأساس من تراكمات عشر سنوات من الفوضى وعدم الاستقرار السياسي.

المقاربة التي قدمها الجودي تبدو متشائمة جدا ومغرقة في السوداوية على الرغم من أن جانبا من التشخيص يلامس الأزمة في نقطة أن الانسداد السياسي أمر يؤثر حتما على الوضع الاقتصادي.

وتوقع محللون اقتصاديون أنه من بين الخيارات أن يلجأ سعيد إلى البنك المركزي لطلب طباعة عملة نقدية محذرين من أن الخطوة ستفقد السلطات السيطرة على معدلات التضخم. وسددت تونس أكثر من مليار دولار من الديون هذا الصيف من احتياطيات العملات الأجنبية.  

لكن يتعين عليها أيضا أن تجد حوالي 5 مليارات دولار أخرى لتمويل العجز المتوقع في ميزانيتها وسداد المزيد من القروض الداخلية والخارجية.

ولا يزال الرئيس التونسي يتمتع بتأييد كبير من فئات واسعة من التونسيين الذين سئموا الفساد ويقولون إن يده نظيفة، لكن الشلل السياسي يضر بفرص إنعاش الاقتصاد.

ويقول مواطن يدعى محمد بينما كان يجلس مع صديقين في مقهى إنه عاطل عن العمل منذ أربع سنوات ويشكو من وضعه المادي السيئ، مضيفا "الوضع الاقتصادي هو اختبار حقيقي للرئيس. الوضع سيء". وقال "فتح الرئيس لنا باب أمل ونأمل ألا يغلقه بسرعة. يجب أن يتجنب سعيد الشعبوية. نريد أن نرى الرئيس يجذب الاستثمارات ويوفر لنا فرص عمل. هذا ما نريده"

وتشير الأرقام الرسمية إلى إن معدلات البطالة بلغت 17.8 بالمئة، وسط أزمة اقتصادية غير مسبوقة في البلاد أدت إلى عجز مالي قياسي تجاوز 11 بالمئة في 2020.

وانكمش الاقتصاد بنسبة 8.2 بالمئة العام الماضي بينما دفع عجز بنسبة 11.5 بالمئة الدين العام إلى 87 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وفقا لصندوق النقد الدولي.

ولا يرى كل من الاتحاد العام التونسي للشغل ذي التأثير القوي والمقرضين الأجانب خيارات سوى استئناف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

وبينما تحتاج تونس نحو أربعة مليارات دينار شهريا لدفع الأجور وتسديد الديون، فإن المبالغ في خزانة الدولة تبلغ 544 مليون دينار فقط ، بحسب بيانات البنك المركزي الصادرة يوم الاثنين.

وساعد الغضب من الركود الاقتصادي الذي تفاقم بسبب الوباء، في دفع دعم واسع النطاق على ما يبدو لتدخل سعيد في 25 يوليو/تموز.

ولكن الرئيس التونسي يتعرض الآن لضغوط متزايدة لمعالجة المشاكل الاقتصادية في تونس بعد أن عرّضت الأزمة السياسية المكاسب الديمقراطية التي فاز بها التونسيون في ثورة 2011 التي أطلقت شرارة احتجاجات الربيع العربي للخطر.

وقال قيس سعيد إن أجراءاته ضرورية لإنقاذ البلاد من الانهيار ولمعالجة أزمة الشلل السياسي والركود الاقتصادي والاستجابة الضعيفة لوباء كورونا. وتعهد بالدفاع عن الحقوق مكررا أنه لا يمكن أن يكون ديكتاتورا.

ولم يضع جدولا زمنيا لإنهاء استحواذه على السلطة، لكنه قال إنه سيعين لجنة للمساعدة في صياغة تعديلات على دستور 2014 وإرساء "ديمقراطية حقيقية تكون فيه السيادة الحقيقية للشعب ".

واحتشد آلاف من المتظاهرين في العاصمة التونسية يوم الأحد للاحتجاج على قرارات سعيد الأخيرة حيث ألغى بمراسيم رئاسية العمل بمعظم فصول الدستور، ودعوه إلى التنحي في أكبر استعراض للغضب العام منذ تدخله.

لكن كثيرا من التونسيين شككوا في صحة التقارير التي تحدثت عن آلاف المتظاهرين، مشيرين إلى عمليات تضليل من خلال صور تمت معالجتها تقنيا لإظهار الوضع وكأنها حشود غفيرة خرجت تنديدا بقرارات سعيد ومن ضمنها صورة نشرها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وهو أيضا رئيس البرلمان المجمد.

وحاول سعيد شن حملة لخفض أسعار عدة سلع ولكن خصومه وصفوا خطواته بأنها شعوبية تهدف لحصد المزيد من التأييد الشعبي خصوصا لدى الفئات الفقيرة والمتوسطة. وهاجم الرئيس التونسي في عدة مناسبات لوبيات اقتصادية ومالية محلية قال إنها تنهش الاقتصاد وهدفها تكديس الأرباح ولو بشكل غير قانوني.

وأوقف تدخل الرئيس التونسي في يوليو/تموز المحادثات التي تأخرت كثيرا مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج قروض كان من المتوقع أن يُمهد الطريق أمام الحصول على المزيد من المساعدات الاقتصادية وتفادي حدوث أزمة كبرى في المالية العامة.

ولم يعين سعيد الذي أقال رئيس الوزراء هشام المشيشي وجمّد البرلمان ومنح نفسه سلطة الحكم بمراسيم، رئيسا للحكومة ولم يعلن أي خطة سياسة اقتصادية شاملة ولم يصرح كيف ينوي تمويل العجز العام وتسديد الديون.