تفاهمات جديدة

السعودية تستأنف الرهان على باكستان في مواجهة إيران

الرياض

اتفقت السعودية وباكستان على أن تنحّيا جانبا الخلاف حول مستقبل إقليم كشمير، لتركزا على الجانب الأهم في علاقاتهما الثنائية وهو الدعم الاقتصادي لباكستان وإحياء التحالف الأمني في مواجهة إيران.

وكانت السعودية أسهمت بمئات الملايين من الدولارات في دعم البرنامج النووي الباكستاني، وذلك على أمل أن توفر باكستان مظلة نووية لحماية السعودية من التهديدات العسكرية الإيرانية ومن مشروعها النووي. 

غير أن الخلاف بشأن مستقبل إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان لطالما كان حجر عثرة في العلاقات بين البلدين. فالسعودية لا تريد أن تخسر علاقاتها مع الهند التي تستورد نحو 15 مليون برميل شهريا من النفط السعودي. كما أنها تعتبر النزاع حول كشمير لا يستحق أن تنزلق فيه باكستان الى حرب جديدة مع الهند.

وشكّل تعثر المحادثات بين السعودية وإيران حافزا للرياض للعودة إلى الضمانات الأمنية التي يوفرها الدرع النووي الباكستاني وذلك في مقابل استئناف الدعم الاقتصادي الذي تحتاجه باكستان بشدة.

وأعلنت السعودية مؤخرا أنها أودعت ثلاثة مليارات دولار في البنك المركزي الباكستاني، مع تقديم 1.2 مليار دولار لتمويل التجارة من أجل دعم ميزان المدفوعات لباكستان.

وكانت السعودية استأنفت أيضا مساعداتها النفطية لباكستان في أعقاب الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء عمران خان إلى الرياض في يونيو الماضي، والتقى خلالها بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

وتقدر قيمة المساعدات النفطية الجديدة بنحو 1.5 مليار دولار سنويا لكنها أقل مما كانت عليه في السابق، إذ كانت تتجاوز 3.5 مليار دولار سنويا.

وعلى الرغم من أن العلاقات بين البلدين كانت تبدو وطيدة، إلا أن تقارب إسلام آباد مع طهران وترددها في المشاركة في حرب اليمن، أصاب العلاقات السعودية – الباكستانية بالبرود.

 

وقال مراقبون سعوديون إن باكستان هي التي خذلت التوقعات السعودية منها. إلا أن تفاقم الأزمة الاقتصادية بسبب الركود الذي نجم عن تفشي وباء كورونا أقنع القادة العسكريين الباكستانيين الذين يتمتعون بنفوذ كبير على كل الحكومات بأن باكستان لا تملك خيارات كثيرة غير العودة إلى الحليف السعودي لطلب معونته.

وفي الرياض سقف التوقعات من هذه العودة ليس عاليا، والاعتقاد السائد هناك هو أن الحليف الذي يتخلى عنك مرة سوف يتخلى عنك مرتين وبالتأكيد فإنك لن تجده حاضرا في الأزمات.

وبينما كانت السعودية تتوقع من باكستان أن تقدم مساهمة عسكرية مؤثرة في العام 2015 لدعم الشرعية في اليمن، إلا أن حكومة نواز شريف قالت إنها تفضل البقاء على الحياد. وهو ما ترك أثر صدمة في الرياض ما تزال آثارها قائمة حتى الآن، وذلك حتى بعد أن قام رئيس الحكومة الجديد عمران خان في العام 2018 بمحاولة لرأب الصدع.

وردت السعودية على تلك الصدمة بأن اتخذت موقفا “محايدا” أيضا من قرار الهند بإلغاء الوضع الخاص بكشمير في أغسطس 2019، الأمر الذي زاد العلاقات بين الرياض وإسلام آباد برودا.

وحينها هدد وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي بالتوجه إلى طلب مساندة ماليزيا وتركيا وإيران، فردت الرياض بمطالبة إسلام آباد بإعادة قرض قيمته 3 مليارات دولار “على الفور”.

ولا تحسب الرياض أن هذا الوضع القلق بات من الماضي عندما قررت استئناف تقديم المساعدات لباكستان إلا أنها حصلت في ما يبدو على ضمانات بأن تؤدي باكستان الدور المطلوب منها في حال اندلعت أزمة مع إيران.

ويقول مراقبون إن استراتيجية السعودية تقوم على أنها بحاجة إلى ظهير لمنع إيران من توسيع نطاق المواجهات العسكرية إذا ما اختارت الولايات المتحدة أو إسرائيل شن هجمات على المواقع النووية البإيرانية.

 

وتقضي الضمانات ألّا تبادر السعودية بأي عمل عسكري ضد إيران، ولكنها سوف تنتظر من باكستان عملا يمنع إيران من شن هجوم مماثل للهجوم الذي نفذته على منشآتها النفطية في بقيق وخريص سبتمبر 2019.

وكان عمران خان لعب دور الوسيط خلال تلك الأزمة بزيارة مكوكية بين السعودية وإيران في محاولة لتهدئة عواقب ذلك الهجوم. ولا تريد الرياض أن تخسر حليفا تقليديا يعتمد بدرجة كبيرة على وارداته من النفط السعودي، حتى وإن كانت لا تثق بأنه سيوفر لها الغطاء الذي تنتظره.

ويقول مسؤولون سعوديون إن سقف توقعاتهم لا يرقى إلى مستوى مشاركة باكستان في حرب ضد إيران، ولكنهم يريدون أن يبقى ظل الردع الباكستاني قائما، على الأقل احتراما للتعهدات التي قدمها المسؤولون الإيرانيون لخان.  كما أنهم لا يريدون لسقف التوقعات أن ينهار لتنهار معه مصالح اقتصادية وتجارية أخرى.