لحظة الغاز: قطر ملاذ أخير لإنقاذ بريطانيا من أزمتها

لندن

فيما تتزايد الضغوط على منتجي أوبك، تتحرك قطر لتقديم نفسها كمنقذ للاقتصاد البريطاني في لحظة اقتصادية وسياسية حرجة، في وقت يشهد فيه العالم منافسة كبيرة على إمدادات الغاز، وخاصة في أوروبا التي يتوقع خبراء أن تشهد هذا الشتاء أزمة طاقة غير مسبوقة.

وأفادت صحيفة فايننشال تايمز الجمعة بأن الحكومة البريطانية تواصلت مع قطر في مسعى للتوصل إلى صفقة غاز طويلة المدى وزيادة الإمدادات، إذ يؤدي عجز في الغاز الطبيعي بأوروبا إلى ارتفاع أسعار البيع بالجملة.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن وزراء بريطانيين ونظراءهم من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم، أجروا محادثات حول اتفاق طويل الأجل ستصبح قطر بموجبه “مورد ملاذ أخير”.

وأضافت أن قطر غيرت أيضا مسار أربع ناقلات كبيرة إلى بريطانيا خلال الأسبوعين الماضيين.

ونقلت عن مصدر مطلع على المحادثات، أن الشحنات جاءت بعد أن طلب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المساعدة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هلمش قمة المناخ في غلاسكو باسكتلندا.

ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي هذا العام مع استئناف الأنشطة الاقتصادية بعد فترة من التوقف بسبب كوفيد – 19 وارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي المسال في آسيا، مما أدى إلى انخفاض الإمدادات المتجهة إلى أوروبا، وهو ما تسبب في موجات من الصدمات بالنسبة إلى القطاعات التي تعتمد على الطاقة.

وأضاف التقرير أن بريطانيا تسعى إلى صفقة محتملة طويلة الأجل في ضوء المخاوف من زيادة المنافسة على إمدادات الغاز الطبيعي المسال مع آسيا.

ويئن قطاع الطاقة البريطاني تحت وطأة ارتفاع تكاليف الطاقة. وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، توقفت شركة توريد الطاقة البريطانية سي.إن.جي إنرجي عن التعاملات، لتنضم إلى 17 شركة توريد طاقة في البلاد انهارت منذ سبتمبر الماضي.

ومنذ ثلاثة أيام، أعلنت سبع شركات بريطانية عاملة في المجال عن توقف نشاطها بسبب الخسائر التي تلقتها في ظل صعوبة تغيير التعريفة، حيث صارت الشركات تشتري وفق الأسعار التي ترتفع بشكل مستمر وتبيع بأسعار أقلّ، وهو ما يجعلها تختار الإعلان عن الإفلاس بدلا من الاستمرار على الوضع الحالي.

ويقود هذا التوقف إلى التخلي عن توفير الطاقة إلى حوالي نصف مليون أسرة، ما يضع قرابة مليوني بريطاني إضافي تحت تأثير هذه الأزمة الطارئة التي ستضاف إلى مشكلات بريطانيا الناجمة عن مسار بريكست.

وستقوم الهيئة التنظيمية البريطانية بتعيين موردين جدد لمعالجة الأسر والشركات التي تقطعت بها السبل، بسبب أحدث إخفاقات السوق، من خلال مسار “شبكة الأمان” الذي يحمي أرصدة درجات الائتمان الممتازة.

ومن المتوقع أن تؤدي تكاليف السوق خلال الأسابيع الأخيرة إلى ارتفاع مدفوعات الطاقة العائلية حتى عام 2022، وانهيار العديد من موردي الطاقة الصغار.

ولا تقف هذه المخاوف عند بريطانيا، فالأمر سيشمل الجميع من موردي الغاز الأوروبيين. وأفادت حسابات لبوابة “فريفوكس” الألمانية المتخصصة في مقارنة الأسعار، بأن أسعار التدفئة والكهرباء والوقود للمنازل وصلت في أكتوبر الماضي إلى مستوى غير مسبوق.

وذكرت “فريفوكس” أن تكاليف الطاقة عن إجمالي العام بالنسبة إلى أسرة نموذجية تتكون من ثلاثة أفراد يمكن أن تصل، على أساس أسعار الشهر الماضي، إلى 4549 يورو بارتفاع بنسبة 35 في المئة مقارنة بالعام الماضي.

وقال خبير الطاقة في البوابة، تورستن شتروك “وصلت منتجات الطاقة بجميع أنواعها سواء كانت كهرباء أو غازا أو وقودا إلى مستوياتها القياسية أو حتى تجاوزتها”.

ويعتقد مراقبون أن قطر ستبيع إلى بريطانيا بسعر تفاضلي قياسا بالأسعار المطروحة بالسوق، مشيرين إلى علاقة متينة تربط البلدين ودفعت قطر إلى ضخ استثمارات كبيرة لمساعدة البريطانيين على الانتقال إلى الوضع الجديد.

 

واستثمرت قطر ما يقارب 40 مليار جنيه في بريطانيا من خلال صندوقها السيادي “جهاز قطر للاستثمار”، تشمل ملكية “شارد” أعلى مبنى في أوروبا، ومجمع ثكنة تشيلسي السكني ومباني كاناري وورف ومتاجر هارودز والقرية الأولمبية، إضافة إلى الاستثمار في سوق التجزئة البريطاني.

وبدا أن قطر قد تجهزت لمثل هذه الوضعية الطارئة من خلال إعلان شركة “قطر غاز”، التي تعد أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال بالعالم، أنها بدأت في بناء أربعة خطوط إنتاج عملاقة جديدة للغاز الطبيعي المسال في مدينة راس لفان الصناعية، مشيرة إلى أن ذلك يأتي بهدف “رفع الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال في قطر من 77 مليون طن سنويا، إلى 110 ملايين طن سنويا”.

ويتزامن الارتفاع على الطلب في الغاز مع تمسك منتجي تكتل أوبك+ برفض الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة ودول مستهلكة أخرى من أجل دفعهم إلى زيادة كميات مهمة موجهة إلى السوق بدل الزيادات المحدودة التي ينتهجها هذا التكتل بزعامة السعودية وروسيا.

ومن المؤكد أن ارتفاع أسعار النفط سيلقي بظلاله على أزمة الغاز، خاصة بالنسبة إلى أوروبا وسط مخاوف من التزام روسيا بتوريد الكميات المطلوبة أو من “تلاعب روسي بتدفقات الغاز الطبيعي لأغراض سياسية ضارة”، كما جاء على لسان الرئيس الأميركي في وقت سابق.

وحثت إدارة الرئيس جو بايدن أوبك+ على زيادة الإنتاج حتى لا يتضرر الانتعاش الاقتصادي العالمي. لكن أوبك+ تمسكت في اجتماع الخميس بخطة لزيادة الإنتاج بشكل تدريجي فقط، وارتفعت أسعار نفط خام برنت الجمعة إلى ما يقرب من 83 دولارا للبرميل.

وقال بايدن السبت إن إدارته لديها أدوات للتعامل مع أسعار النفط المرتفعة، بعد أن رفضت أوبك وحلفاؤها مناشدات أميركية للمنتجين لضخ المزيد من الخام أكثر من المقرر بالفعل.

وأضاف بايدن عندما سأله أحد المراسلين في البيت الأبيض، عما إذا كان سيأذن بالبيع من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي بعد أن تجاهلت أوبك+ مناشدات الولايات المتحدة، “هناك عدد كبير من الأدوات الأخرى التي يجب أن نستخدمها مع دول أخرى في الوقت المناسب”.

وتجاوزت أسعار النفط 80 دولارا للبرميل مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود للمستهلكين.