الصدر يقدم نفسه كرجل دولة

مقتدى الصدر يقدم مقرات ميليشياته عربونا لقيادة الدولة

بغداد

أعلن مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري في العراق عن غلق كافة مقرات ميليشيات “سرايا السلام” التابعة له، مستثنيا محافظات النجف وكربلاء وصلاح الدين وسامراء وبغداد.

 

ويريد الصدر بهذا الإجراء أن يقدم نفسه كزعيم دولة، وأنه على هذا الأساس ليس بحاجة إلى ميليشيات، وأنه يزمع في حال تولي تياره السلطة أن يقوم بحل “سرايا السلام” كليا أو دمجها في القوات المسلحة العراقية.

 

وتخشى الميليشيات الولائية التابعة لإيران أن تكون هذه الخطوة بمثابة تمهيد لكي يجبرها على عمل الشيء نفسه لكي يتم حصر كل السلاح بيد الدولة.

 

وكانت ميليشيات الحشد الشعبي رفضت هذا المنهج، قائلة إنها يجب أن تبقى كقوة موازية “للدفاع عن سيادة العراق” ولمواجهة عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

 

وتتطلع الأحزاب والجماعات الموالية لإيران إلى أن يحظى الحشد الشعبي بالمنزلة ذاتها التي يتمتع بها الحرس الثوري الإيراني، إلا أنها تواجه معضلة هي أن الحرس الثوري الذي أنشأه روح الله الخميني المرشد السابق لإيران كان بمثابة بديل لحماية الثورة الإسلامية من جيش إيران الرسمي الذي كان يخشى من استمرار ولائه لنظام الشاه الذي سقط في العام 1979.

 

في حين أن الجيش العراقي ركيزة دفاعية راسخة، كما أن وظيفة الحشد مع تراجع نشاط تنظيم داعش تكون قد انتهت، لاسيما أن إنشاء الحشد تم بفتوى لمواجهة هذا التنظيم وليس لبناء تنظيم مسلح مواز للجيش العراقي.

 

وكانت الحكومة العراقية قررت ضم الألوية التابعة لمرجعية النجف إلى الجيش وفك ارتباطها بالحشد الشعبي، وهو ما يسحب غطاء فتوى السيستاني عن الحشد الشعبي.

 

الصدر أعلن التبرؤ من أحد قيادات تياره بسبب الشبهات التي تلاحقه بتنظيم تعيينات غير مشروعة بوزارة الكهرباء

 

غير أنها ظلت تفرض نفسها كقوة عسكرية مستقلة تتزود بأسلحة إيرانية، وتعتبر علي خامنئي قائدها الأعلى رغم أنها تقبض رواتبها من ميزانية الدولة العراقية.

 

ويقول مراقبون إن الصدر يستطيع أن يستصدر فتوى من المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني تسحب الغطاء عن الحشد، لاسيما وأن “ميليشيات المرجعية” ترفض اعتبار نفسها جزءا منه.

 

وهو ما يتوازى مع تطلعات مرجعية النجف إلى تقليص الارتباط بإيران واحترام سيادة الدولة العراقية.

 

وتشكل الخطوة التي اتخذها الصدر ضغطا على الأحزاب الولائية التي ما تزال تهدد بمنافسته على تشكيل الكتلة الأكبر التي تُخوّل بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. ويحاول الصدر من خلالها أن يظهر كقوة قادرة على قيادة دولة. وليس على غرار تلك الأحزاب التي جمعت بين الأمرين ولم تخدم إلا ميليشياتها على حساب سلطة الدولة.

 

وكان الصدر قد لوح في وقت سابق باتخاذ خطوات صارمة لوقف التدخل الواضح في شؤون العراق مشددا على أنه سيتم فتح حوار عالي المستوى مع دول الجوار التي تتدخل في الشؤون العراقية السياسية والأمنية وغيرها لمنع التدخلات مطلقا.

 

واعتبر الصدر الذي حاز تياره السياسي على أعلى مقاعد في البرلمان “أنه في حال استجابت تلك الدول” التي لم يسمها فإنه سيرحب بالأمر، أما في حال استمرت في التدخل فعندها “سيلجأ إلى الطرق الدبلوماسية والدولية المعروفة لمنع ذلك”.

 

وحذر من أن أي فعل يعتبر مساسا بالسيادة العراقية “سيكون بابا لتقليص التمثيل الدبلوماسي أو غيره من الإجراءات الصارمة المعمول بها دوليا وإقليميا”، مؤكدا أنه سيعمل على حماية الحدود والمنافذ والمطارات والتشديد في التعامل مع تلك الدول، ما يشير بوضوح إلى إيران وتركيا.

 

واتخذ الصدر خطوة أخرى بإعلانه التبرؤ من أحد قيادات تياره بسبب الشبهات التي تلاحقه بتنظيم تعيينات غير مشروعة في وزارة الكهرباء.

 

ومنع بيان نُشر بتوقيع الصدر التعامل مع المسؤول الصدري السابق محمد الكعبي، مؤكداً عدم جواز التعامل معه على أنه جزء من التيار، قائلا “إنه لا يمثلنا في وزارة الكهرباء، فيمنع التعاطي معه على الإطلاق، ويُنظر في الشبهات الواردة حوله في وزارة الكهرباء من تعيينات وغيرها”.

 

ويقول موالون لتيار الصدر إن هذه الخطوة هي بداية حملة لتطهير صفوف التيار من المتهمين بقضايا فساد، واستغلال مناصبهم الحكومية لأغراض الإثراء غير المشروع. وإن الصدر يريد أن يبدأ بتياره مكافحة الفساد والمحسوبية والبيروقراطية الفاشلة.

 

ولكن الانطباع السائد هو أن “العربونات” التي يقدمها الصدر ما تزال مجرد استعدادات مبدئية في مقابل تولي السلطة. وأنه في حال لم يستطع أن يحصل على ما يريد، فإنه سيعود ليقلب الطاولة من جديد، كما فعل عدة مرات من قبل، فالميليشيات التي يقودها تم حلها، كما تم تغيير اسمها عدة مرات وفي مناسبات مختلفة، ولكنها عادت لتتشكل من جديد مع كل منعطف أراد الصدر أن يفرض نفسه فيه كقوة سياسية لا يمكن تجاوزها.