القرار الحاسم بيد الشعب
البرهان يلجأ إلى التهدئة لتخطي عاصفة الاحتجاجات في السودان
وصفت أوساط سودانية متابعة للوضع الميداني بأنه خطر، لكنها لفتت إلى أن قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان يتعاطى مع الاحتجاجات بهدوء ويلعب على الوقت لأجل أن تمر العاصفة ويجد الوقت لتشكيل حكومة تحوز على قبول أوساط داخلية وخارجية.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن مقياس القيادة العسكرية في السودان بالدرجة الأولى هو ردود الفعل الخارجية التي أظهرت مراوحة بين رفض ما تسمّيه بالانقلاب وبين القبول به، وهو هامش يستطيع قائد الجيش أن يتحرك فيه خصوصا بعد أن قابل الاحتجاجات بأسلوب سلمي عكس ما كان يتوقع خصومه من المكوّن المدني.
وقالت الولايات المتحدة، التي تدعو إلى إعادة الحكومة التي يقودها المدنيون إلى الحكم، إن رد فعل الجيش سيكون اختبارا لنواياه.
وحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قوات الأمن السودانية على احترام حقوق الإنسان، مضيفا أن أيّ عنف مع المتظاهرين السلميين "غير مقبول".
كذلك، حضّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجيش السوداني على "ضبط النفس" خلال التظاهرات.
وقال خلال مؤتمر صحافي في روما "أدعو العسكريين إلى إظهار ضبط النفس وعدم التسبب بسقوط المزيد من الضحايا. يجب أن يُسمح للناس بالتظاهر سلميا".
وخرج الآلاف من السودانيين، السبت، في شوارع الخرطوم وبعض المدن الأخرى للمطالبة بعودة الحكومة المدنية، في وقت يحاول فيه البرهان أن يجد طريقا للتفاهم مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي عاد إلى منزله الثلاثاء حيث يخضع لحراسة مشددة من قوات الأمن السودانية.
وأكدت وزيرة الخارجية السودانية المقالة مريم الصادق المهدي، السبت، أن حمدوك "لن يكون جزءا من مهزلة الانقلابيين" ودعت إلى "إبطال كل الإجراءات" التي أنهت الشراكة مع المدنيين.
وأوضحت المهدي في مقابلة أجرتها معها وكالة الصحافة الفرنسية عبر الهاتف من القاهرة، أنه لا أساس من الصحة للتقارير الصحافية التي تتحدث عن إمكانية تعاون جديد بين حمدوك والبرهان.
وبدت الأجهزة الأمنية حريصة على تحمل الاستفزاز وعدم الانجرار وراء سيناريو العنف لصعوبة السيطرة على الحركة في الشارع.
ويقول مراقبون محليون إنه مثلما يمتلك المدنيون أنصارا قد دفعوا بهم إلى الشارع للتظاهر، فإن البرهان يمتلك أنصارا ربما بنفس الحجم أو أكثر، وإنه قد يلجأ لاستعراض الشوارع لإظهار مشروعية ما قام به، لافتين إلى أن الأزمة سببها الصراعات السياسية التي عطلت عمل الحكومة ومنعت تحقيق مكاسب على الأرض، وأن اللجوء إلى خيار تدخل الجيش ظرفي وهدفه إعطاء فرصة جديدة لحوار سوداني - سوداني بعيدة عن تقاسم السلطة من أجل تحقيق التقدم المفقود.
وكان البرهان قال إنه أقال الحكومة لتفادي نشوب حرب أهلية بعد أن أجّج سياسيون مدنيون العداء للقوات المسلحة.
ويقول إنه لا يزال ملتزما بالانتقال الديمقراطي بما في ذلك إجراء انتخابات في يوليو 2023.
ويستفيد البرهان من الخلافات بين الأطراف المدنية وغموض مواقفها، فهناك من يميل إلى الانتظار لمعرفة نتائج ما جرى، وهناك من يعتقد أن موقعه مع المؤسسة العسكرية يضمن له مزايا أكبر خاصة بعد أن خبر رغبة المكون المدني الشريك في الحكومة السابقة في السيطرة على السلطة.
وقال القيادي البارز في الحزب الشيوعي صديق يوسف لـ"العرب" إن صعوبة التواصل بين القوى السياسية فيما بينها قلّل من فرص التنسيق، لكنّ المواطنين الذين خرجوا بكثافة بعثوا برسائل مفادها أنهم من سيقررون المستقبل والذهاب بعيدا، وأن الحديث عن الاستعانة برئيس الوزراء عبدالله حمدوك مرة أخرى لتهدئة الشارع لن يقبل به الرجل ولا الشارع أيضًا.
وكشفت أحداث السبت أن الشارع السوداني هو من سيحسم نتيجة هذه الأزمة، فلدى كلّ من طبقة العسكريين والمدنيين أوراق قوة تمكن من عدم ميل الكفة تماما لأيّ منهما، ما يحول دون كسب أيّ طرف لهذه الجولة وإعلان فوزه مقابل هزيمة الآخر.
وأشار المحلل السياسي خالد الفكي في تصريح لـ"العرب" أن مظاهرات المدنيين أحرزت هدفا في مرمى العسكريين وعليهم استيعاب دروسها بشكل إيجابي لاستكمال هياكل السلطة الانتقالية والوصول إلى الانتخابات.
ويخشى متابعون من أن تُلحق عملية الضغط السياسي المستمر التي يمارسها المدنيون بعد انقلاب البرهان الأذى بجميع القوى لأن الحفاظ على سلمية الثورة السودانية وسط تراكم الاحتقان ربما يكون من الصعوبة ضمانه، وهو ما يعيد إلى الأذهان فصولا سابقة وقع فيها ضحايا من المدنيين في بداية الثورة ولم تندمل جراحها حتى الآن.
ويعد فلول الرئيس السابق عمر البشير وعناصر حزب المؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية عموما من أكبر المستفيدين من حالة التأزم الكبيرة بين العسكريين والمدنيين، وقد يعملون على إشعال الشارع عبر اندساس محسوبين عليهم لزيادة الغضب ومنع الوصول إلى تفاهمات بين الطرفين.
وأحيت الأزمة الحالية آمال منتسبين إلى النظام السابق للمشهد العام، وقد تتراجع خطوات عزلهم سياسيا ويمكن أن يصبحوا عنصرا فاعلا في حسم الأزمة لصالح أحد الطرفين.