الأزمة أكبر من حمدوك

مقترح البرهان لاستبدال حمدوك: ترشيح حمدوك

الخرطوم

استبق قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان مظاهرات السبت، بطرح اسم رئيس الوزراء المقال عبدالله حمدوك ليرأس الحكومة الجديدة، في خطوة تهدف إلى مغازلة القوى الشبابية التي مازالت تقنع بأهمية الدور الذي لعبه حمدوك في المرحلة الانتقالية باعتباره طرفا توافقيا محسوبا على الثورة، وهو نفس موقف قوى خارجية تحاول لعب دور الوساطة حاليا بعد أن صعّدت من ضغوطها.

 

وأكد البرهان الجمعة أن حمدوك “أول المرشحين لمنصب رئيس الوزراء”، متعهدا بإكمال هياكل السلطة الانتقالية في أقرب وقت.

 

وشدد على أن هياكل السلطة ستضم ممثلين من كافة الولايات دون انتماءات حزبية أو جهوية أو قبلية، يكون القاسم المشترك بينهم هو خدمة وحب هذا الوطن.

 

وأعلنت “تنسيقية لجان المقاومة” بالسودان الجمعة عن سبعة مطالب خلال مظاهرات السبت، أبرزها “إسقاط الانقلاب العسكري وتسليم السلطة كاملة للمدنيين، وتسليم جميع أعضاء المجلس الانقلابي لمحاكمات عاجلة وفورية بتهمة الانقلاب العسكري”.

 

ويوم الجمعة المقبل هو تاريخ الإعلان عن الحكومة الجديدة، كما حدده البرهان، والذي حاول إثبات جديته في التعاون مع القوى المدنية التي شاركت في الثورة من خارج تحالف الحرية والتغيير، وقدم وعودا جديدة بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية وإجراء انتخابات حرة نزيهة.

 

ويعول الجيش السوداني على نجاح الوساطة التي تقودها رموز سياسية من أطراف متباينة يقودها الصحافي محجوب محمد صالح، ومدير جامعة الأحفاد للبناء بأم درمان قاسم بدري، ورجل الأعمال أنيس حجار، في الضغط على حمدوك للقبول بتولي المنصب مجددا، بمشاركة أوسع للمكونات المدنية والشباب في هياكل الفترة المقبلة.

 

وقالت مصادر سودانية مطلعة لـ”العرب” إن الوساطة التي تتولاها سبعة شخصيات عامة تتضمن تشكيل مجلس الدفاع العام برئاسة البرهان، وتعيين حمدوك رئيسا للحكومة مع وزراء تكنوقراط، إلى جانب تشكيل المجلس التشريعي بنسبة تمثيل تصل إلى 40 في المئة من الشباب، وتشكيل مجلس شيوخ ليكون بديلا لمجلس السيادة ويتكون من 100 شخصية سياسية ومدنية وعسكرية.

 

وأضافت المصادر ذاتها أن الأمور تتجه للتوصل إلى تسوية سياسية بما يضمن إرضاء المكون العسكري عبر إبعاد القوى الحزبية من العمل التنفيذي، والاستجابة لمطالب الشباب بتشكيل حكومة مدنية وإنهاء الإجراءات الاستثنائية المتبعة والإفراج عن المحبوسين وتشكيل حكومة بعيدة تماما عن أي توجهات للمكون العسكري.

 

وهدف البرهان من طرح اسم حمدوك إلى ضرب عدة عصافير بحجر واحد، حيث يحتفظ لنفسه بانتصار محدود على مستوى ضمان استمراره على رأس السلطة إلى حين إجراء الانتخابات، وإنهاء الواقع القائم منذ أغسطس من العام 2019 وحتى يوم اتخاذ قراراته الأخيرة في الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري، وسيكون بذلك قد نجح في تمرير مخططه الساعي للإمساك بزمام أمور المرحلة الانتقالية بعيدا عن القوى السياسية التي شكلت تهديدا له.

 

ويمثل هذا الطرح استجابة لمطالب المجتمع الدولي الذي يتمسك بعودة حكومة انتقالية يقودها مدنيون، دون أن تكون هناك إشارات إلى العودة إلى الوضع السابق أو الحديث عن التمسك تماما بالوثيقة الدستورية، التي مازالت تشكل هدفا لقوى الحرية والتغيير وغالبية القوى السياسية المحسوبة على الثورة.

 

وقال عضو تحالف الحرية والتغيير، جناح الميثاق الوطني، البشرى الصائم إن حمدوك مازال يحظى بإجماع كبير وأظهر توازنا خلال الفترة الماضية جعله ينال رضاء المكون العسكري، والاستنجاد به ليشكل أضمن الطرق لدفع الشباب نحو العودة إلى منازلهم والتخلي عن سلوك الاحتجاج والعصيان المدني في الشارع.

 

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن عودة حمدوك تعني حل 50 في المئة من الأزمة السودانية، وأن البرهان قدم جملة من الضمانات بعدم التدخل في اختياراته أو رؤيته للتعامل مع المشكلات الراهنة، غير أن المشكلة أن حمدوك يشكو من أوضاع صحية نتيجة المعاناة التي تعرض لها على مدار العامين الماضيين، ولديه التزامات مع أحزاب تحالف الحرية والتغيير ولن يستطيع أن يتخلى عن مطالبها في الفترة الراهنة.

 

وتعهد القائد العام للجيش السوداني بعدم التدخل في اختيار الوزراء، وأن من يتولى اختيارهم سيجري التوافق عليه من مختلف قطاعات الشعب السوداني “ولن نتدخل في من يختاره”، في محاولة لاستمالة حمدوك الذي يرفض التجاوب.

 

وعقد البرهان اجتماعا مع مجموعة تحمل اسم “تجمع حراك ثوار ديسمبر المستقلين وتحالف الكتل الثورية” الخميس، واتهم أطرافا لم يسمها بالضغط على حمدوك لعدم قبوله بتولي المنصب، مشيرا إلى “أنه كان متفقا معنا في أن هذه الحالة لا تقود إلى الأمام، ولكن حدثت تدخلات من بعض الأطراف عطلت هذا الأمر، ولما رأينا أن الوضع لا يحتمل، سرنا وحدنا”.

 

وما يُصعّب من موقف حمدوك أن الحاضنة السياسية التي عمل معها طوال الفترة الماضية لم تتوحد حول رؤية واحدة للحل، إذ إن مجموعة الحرية والتغيير الأصل والمعروفة باسم المجلس المركزي تصر على عودة الحكومة السابقة بكامل هيئتها، والإفراج عن المعتقلين والعودة إلى الوثيقة الدستورية، ثم الحديث عن مشاورات سياسية.

 

وتعول تلك المجموعة على مظاهرات السبت كإحدى أدوات الضغط على المكون العسكري والتأكيد على قدرتها في حشد الشارع، ولديها اعتقاد بأنها تملك حلفاء كثرا في الشارع لهم كلمة الحسم الأخيرة.

 

وتتخذ المجموعة الثانية، المعروفة بـ “الميثاق الوطني”، خطا داعما للوساطة الحالية، وتؤكد استعدادها للتفاوض مع باقي مكونات الحرية والتغيير باستثناء ثلاثة أحزاب هي: حزب المؤتمر السوداني وحزب البعث العربي والتجمع الاتحادي، ولديها مطالب أساسية تتمثل في التحول الديمقراطي وضمان الحريات الأساسية والعودة إلى الوثيقة الدستورية وتنفيذ السلام واستكمال بنوده وتطوير الشراكة القائمة، والتأكيد على مبدأ الحوار بين الشركاء إلى جانب نقد التجربة السابقة.

 

وأكد متابعون لـ”العرب” أن مليونية السبت لا تعبر عن الأحزاب السياسية التي خسرت جزءا كبيرا من شعبيتها جراء فشلها في المرحلة الانتقالية، إنما تعبّر عن تجمع المهنيين وتنسيقيات لجان المقاومة وقوى الشباب الذين أضحوا يشكلون رقما لا يمكن تجاوزه في معادلة الحل الراهنة.

 

وأثبت الشارع السوداني قدرته على التعامل مع تصاعد موجات العنف الأيام الماضية التي أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من المواطنين، وما زال يثبت أنه لن يتخلى بسهولة عن مطالب الوصول إلى الحكم المدني الديمقراطي، ما يرغم جميع الأطراف وعلى رأسها المكون العسكري على تقديم المزيد من التنازلات.