هناك علاقة معروفة بين بدانة الأطفال وتدخين الأم أثناء الحمل

كيف تتفاعل مورثات وخلايا البدن مع المؤثرات البيئية؟

لندن

قام فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة باللغة الإنكليزية في مركز التثقيف الصحي المستمر في لندن.


مكّن التقدم في علم الأحياء الجزيئي الباحثين من النظر في التفاعلات الفعلية بين العوامل البيئية والجينات المورثية. من المفيد أن نتذكر دائماً أن التفاعلات البيئية يمكن أن تكون خاصة بالتركيب الجيني الفريد للفرد إذ ليس كل من يتعرض لمواد كيميائية سامة من محيطه البيئي الحيوي يحدث في بدنه نفس التأثير الإمراضي. 


بشكل عام، يمكن تقسيم التفاعلات بين العوامل البيئية والجينات إلى نوعين رئيسيين. النوع الأول هو التفاعلات التي تنطوي على ضرر جسدي فعلي على شكل طفرة في جين ما، مثل التغيرات المسرطنة التي يسببها التعرض المباشر للإشعاعات المؤينة والبنزين.


 والنوع الثاني يسمى عادةً التغييرات اللاجينية Epigenetic Changesالتي تسببها العوامل البيئية الخارجية التي تدخل الخلايا وتوثر من خلالها على فعالية المفاتيح التي تعمل على تشغيل الجينات المختلفة وإيقافها أحياناً، والتي في بعض الأحيان تؤدي إلى تشغيلها بشكل مفرط وباستمرار. هذه العوامل البيئية الخارجية تسمى عادة "العوامل اللاجينية".


على سبيل المثال، يعتقد الباحثون بشدة بأن تدخين الأم عامل لاجيني مفرط الأهمية. فهناك علاقة معروفة بين بدانة الأطفال وتدخين الأم أثناء الحمل، لكن الآلية الدقيقة غير معروفة بعد. فنحن نعلم أن تدخين الأم يقيد تدفق الدم من الأم إلى المشيمة، وبالتالي يقلل من إمدادات الأكسجين والتغذية المتاحة للطفل النامي. 

 

ومن المعروف أيضاً أنه عندما لا يحصل الطفل النامي على ما يكفي من التغذية من أمه، يمكن للبيولوجيا البنيوية في خلايا الطفل أن تستجيب بتشغيل مفتاح جيني أو مجموعة من المفاتيح التي تدفع للطفل النامي إلى زيادة في التقاط السعرات الحرارية وتخزينها للنجاة من هذه المحنة.


 إذا توقف هذا المفتاح الجيني عند وضع التشغيل بعد الولادة، فقد يتسبب ذلك في استمرار تراكم السعرات الحرارية المتاحة على شكل دهون زائدة، مما يؤدي إلى السمنة وارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب والسكري مع نمو الطفل. أي أنه من خلال تقليل توافر التغذية للطفل النامي، من المحتمل جداً أن يؤدي تدخين الأم إلى آلية تكيفية جينية للبقاء على قيد الحياة تؤدي إلى السمنة وارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب ومرض السكري في السنوات اللاحقة.


علاوة على ذلك، هناك تغييرات لاجينية يمكن أن يكون لها آثار مدمرة على الجسم. على سبيل المثال، يمكن لمشتقات البلاستيك مثل الفثالات، والبيسفينول أ، والمواد الكيميائية الأخرى المسببة لاضطرابات الغدد الصماء أن تتلاعب بالمفاتيح الجينية التي تؤثر على الجهاز الدماغي والتناسلي للطفل النامي. 


إذ قد تتسبب مسارات الإشارات الهرمونية المشوشة في حدوث مشكلات في الهوية الجنسية في مرحلة الطفولة، ونقص الانتباه، والسلوكيات العدوانية، وانخفاض عدد الحيوانات المنوية لدى الذكور البالغين، والعقم، والبلوغ المبكر، والعديد من المشكلات الأخرى داخل الجهاز التناسلي.


وتشمل الأمراض التي يُشتبه في تأثرها جزئياً بالتعرضات البيئية المبكرة خلال مراحل ما قبل الولادة والطفولة المبكرة للمواد السمية البيئية مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، والخرف، ومرض باركنسون، والسرطان. تمثل نظرية الأصول النمائية لأمراض البالغين امتداداً للملاحظات التاريخية التي أدلى بها البروفيسور ديفيد باركر وزملاؤه في جامعة ساوثهامبتون بالمملكة المتحدة، والذين وجدوا أن البيئة الغذائية قبل الولادة يمكن أن تؤثر على الصحة طوال فترة الحياة.


وإن زيادة معدلات الإصابة ببعض أنواع السرطان وكذلك مرض باركنسون ومرض الزهايمر هي مصدر قلق كبير لجميع الكوادر الصحية على المستوى الكوني.


 هذه المعدلات المتفاقمة بشكل سريع جداً لا يمكن أن تكون ذات أصل جيني محض هو عبارة عن خلل مورثي عفوي حدث خلال مراحل تخلق حيوات أولئك المصابين. حيث تثير النتائج احتمال أن يكون التعرض البيئي - بما في ذلك التعرض في حياة الجنين وما بعد الولادة مباشرة - مساهماً في قسط كبير من معدلات الإصابة بالأمراض غير السارية في حياة البالغين، وحتى في سن الشيخوخة القصوى.


تتمثل إحدى الآليات المحتملة التي تربط بين التعرض المبكر والتأثيرات المتأخرة في أن التعرض المبكر قد يبدأ سلسلة من التغييرات داخل الخلايا يمكن أن تؤدي في النهاية إلى ورم خبيث أو يمكن أن تقلل عدد الخلايا العصبية في المناطق الحرجة من الدماغ إلى مستويات أقل من تلك المطلوبة للحفاظ على الوظيفة لمواجهة التقدم في السن.


 قد تتم بعض هذه التغييرات بسبب التعديل اللاجيني Epigenetic Change  للتعبير الجيني بواسطة المواد الكيميائية السامة الذي أشرنا إلى آليته أعلاه، أومن خلال التعرضات البيئية لمواد السمية تحدث فعلاً تخريبياً داخل خلايا البدن بطرائق أخرى مثل إحداث تشوهات بنيوية في وظيفة الخلايا سواء عبر إحداث طفرة مورثية في إحدى الخلايا أو في إعاقة وظيفية بعض الخلايا كما في تراكم مركبات البلاستيك الصِغَرِيَّة في النوى القاعدية والجسم المخطط في الدماغ عند مرضى ألزهايمر بمستويات أكثر بكثير من أقرانهم غير المصابين بذلك المرض.