الأطباء يشهدون احتضار مصابين يومياً

روسيا أسوأ الدول تضرراً من الجائحة في أوروبا

موسكو

أصبحت روسيا بؤرة جائحة كورونا في أوروبا، إذ سجلت عدداً قياسياً جديداً للوفيات المرتبطة بالفيروس أمس (السبت)، لليوم الخامس على التوالي، في دلالة على حدة الموجة الوبائية التي تشهدها البلاد. وبحسب حصيلة يومية نشرتها الحكومة الروسية، أصيب 37678 شخصاً بالفيروس في الساعات الـ24 الماضية، وتوفي 1075.

ومنذ يونيو (حزيران)، تتفشى في البلاد موجة جديدة من الوباء بسبب ظهور متحورات أكثر فتكاً، في ظل انخفاض الامتثال لوضع الكمامة وبطء حملة التطعيم. ومنذ بداية الوباء، توفي 229528 شخصاً بكوفيد في روسيا، بحسب الحصيلة الرسمية للسلطات، وهو أعلى رقم في أوروبا، لكن الحصيلة الفعلية قد تكون أعلى بكثير. ويشير معهد الإحصاءات «روستات» من جهته، إلى أكثر من 400 ألف وفاة، في نهاية أغسطس (آب).

وتم تطعيم 32 في المائة فقط من سكان روسيا بالكامل حتى الآن بلقاح «سبوتنيك»، بحسب الأرقام الرسمية، بسبب تخوّف السكان من اللقاحات. وأمام الموجة الفتاكة الحالية، كان رد الحكومة بطيئاً في فرض تدابير صحية، خوفاً من إضعاف الاقتصاد المتعثر بالفعل. وطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء، إعطاء إجازة مدفوعة بدءاً من 30 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي حتى 7 نوفمبر (تشرين الثاني)، للسكان في روسيا، لمحاولة كبح الموجة المميتة من وباء «كوفيد - 19».

وستغلق موسكو، بؤرة الوباء الرئيسية في البلاد، لمدة أحد عشر يوماً جميع المحلات غير الأساسية، بدءاً من 28 أكتوبر، كما قرر كثير من المناطق فرض تصاريح صحية. وأكد بوتين أن الأوروبيين يتوافدون إلى روسيا لتلقي لقاح سبوتنيك، بدلاً من اللقاحات المعترف بها من قبل الاتحاد الأوروبي.

في غضون ذلك، يشهد أطباء موسكو احتضار مصابين بـ«كورونا» بلا توقف. وقال الطبيب يفغيني ريابكوف إنه يشهد، منذ نحو عشرين شهراً، احتضار مرضى «كوفيد - 19» في المستشفى الذي يعمل فيه بموسكو، حيث يسجل الوباء انتشاراً كبيراً كما في جميع أنحاء روسيا، ويؤكد أن كثيراً من المصابين يعبرون عن ندمهم لرفضهم تلقي اللقاح ضد كورونا.

وقال الطبيب لوكالة الصحافة الفرنسية خلال زيارة قبل أيام لوحدة كوفيد التابعة له في معهد سكليفوسوفسكي بوسط العاصمة الروسية: «عادة ما يبحثون عن أعذار ويقولون إنهم كانوا يريدون القيام بذلك غداً». وأضاف: «لسوء الحظ، غداً حل اليوم».

وفي مواجهة الموجة الرابعة للوباء منذ الصيف مع انتشار المتحورة دلتا، تأخرت السلطات في التحرك. لكن السلطات الحكومية ما زالت حالياً ترفض قيوداً أكبر خوفاً من إضعاف الاقتصاد. وفي شوارع موسكو التي تعد بفارق واسع، أكبر بؤرة لانتشار المرض في روسيا، ما زالت الحانات والمطاعم مفتوحة. ولا يلتزم السكان بوضع كمامات ولا تشرف السلطات على هذا الجانب. أما التطعيم فيتقدم ببطء شديد في مواجهة الحذر التقليدي للروس. وتلقى بالكاد ثلث الروس اللقاح عندما طرح «سبوتنيك» أول لقاح وطني في ديسمبر (كانون الأول) 2020. وفي مواجهة هذا الوضع، لا يخفي الطبيب يفغيني ريابكوف الذي يقف في الخطوط الأمامية منذ أيام، شعوره بالإحباط. ويقول الطبيب البالغ من العمر 54 عاماً: «عندما أقوم بجولة بالسيارة أرى أشخاصاً بلا كمامات، كباراً وصغاراً، وهذا يثير غضبي لأنني أعمل معهم. للأسف هم لا يفهمون». ويضيف: «في هذه الحالات أشعر برغبة في الصراخ». وقد خسر هو نفسه خمسة من زملائه أودى كورونا بحياتهم.

ويؤكد رئيس وحدة العناية المركزة في المستشفى ألكسندر تشاكوتكو ثقته في جدوى اللقاح. ويقول إن «التطعيم وحده قادر على التغلب على المرض»، مؤكداً: «نحن بحاجة إلى مسؤولية اجتماعية». واعترفت مريضة عالجها، المهندسة المعمارية أولغا ريجكو (51 عاماً)، بأنها أرجأت تلقيها لقاحاً مرات عدة مع أنها ليست من معارضي التطعيم، مؤكدة أنها مدينة بحياتها إلى الأبد لأطبائها. وقالت: «ما كنت هنا لو لم ينقذوني». ولم يسعف الحظ آخرين، فجارتها في الغرفة توفيت قبل يومين.

وفي غرفة العناية المركزة مريض آخر يدعى أناتولي بولياكوف، وهو شرطي متقاعد نقل إلى المكان قبل أسبوعين،هو أيضاً لم يتلقَ اللقاح. وقال إنه كان ينتظر مع زوجته وصول لقاح «قوي». وأضاف بأسف: «انتظرنا وانتظرنا طويلاً، وهذا ما جنيناه». وأقسم بأنه إذا غادر المستشفى حياً فسيبلغ «الجميع» بضرورة أخذ اللقاح في أسرع وقت ممكن.

ويرفض الأطباء المنهكون في وحدة كوفيد هذه إطلاق تكهنات حول النهاية، في محاولة ليستمدوا بعض القوة. ويتذكر ألكسندر تشاكوتكو أخصائي الإنعاش: «خلال الموجتين الأولى والثانية قلنا لبعضنا إنه علينا الصمود لفترة أطول قليلاً، ثم سنعود إلى حياة طبيعية». وأضاف: «لكننا لم نعد نفكر في الأمر الآن، لأن هذه حياة طبيعية الآن بالنسبة لنا».