الرئيس قيس سعيد يوجه انتقادات لاذعة للقضاة.

إصلاح القضاء أولوية لإنجاح مسار مكافحة الفساد في تونس

تونس

وجه الرئيس التونسي قيس سعيد مساء الخميس سيلا من الانتقادات للقضاة في بلاده مشيرا إلى تدخل السياسة المتزايد في هذا القطاع الحساس، في خطوة تعكس سعيا لإصلاح القضاء كي يقوم بمهامه خاصة في مكافحة الفساد.

وهذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها الرئيس سعيد انتقادات لاذعة للقضاة خاصة أن هناك العديد من الملفات الحساسة التي لا تزال حبيسة رفوف المحاكم في تونس منذ سنوات.

وقال قيس سعيد في كلمة له خلال افتتاح مجلس الوزراء الثاني إن “على القضاء أن يتحرك في المشروع الوطني لا أن يترك البعض يتحرك في كل مكان يجولون دون أي ملاحقة”.

وأوضح أن “وزيرة العدل تعرف الكثير عن عدد من الأشخاص والممارسات وهؤلاء أيضا لا مكان لهم في القضاء أن يحكموا ويجلسوا على أرائك القضاة، تسللت السياسة منذ 2012 إلى قصور العدالة، نريد قصورا للعدالة لا نريد قصورا لتسوية الحسابات أو ليتسلل إليها المتسللون من وراء الستار وكيف يرتبون حتى الحركة وحتى توزيع المسؤوليات، لا بد من مراجعة ويجب أن يحاسبوا فليس هناك أحد فوق القانون”.

وبالرغم من أن الرئيس سعيد يشير بكلامه إلى المجلس الأعلى للقضاء الذي يُعد الجهة الأساسية في تنظيم قطاع القضاء بحسب ما ينص عليه الدستور التونسي الذي صدر في عام 2014 إلا أن مراقبين يستبعدون أن يتجه إلى حل المجلس.

ونفى القاضي حاتم العشي عزم قيس سعيد على حل المجلس الأعلى للقضاء قائلا إنه “لا يوجد حتى الآن أي مؤشر على أن الرئيس سعيد سيحل هذا المجلس، هو يرى أن الحركة القضائية لا تتضمن أي محاسبة خاصة للقضاة الذين تورطوا مع أحزاب سياسية”.

وأردف العشي لـ”العرب” أنه “لذلك لم يمض على الحركة القضائية وتعيين رئيس محكمة التعقيب، في المستقبل هو سيحاول تكريس المحاسبة، هو طالب في وقت سابق بتطهير القضاء وهو مطلب في الواقع رفعه القضاة منذ 2011، لمقاومة الفساد يجب تطهير القضاء ومحاسبة القضاة المتورطين مع أحزاب سياسية”.

وبالفعل ألمح الرئيس سعيد إلى ذلك حيث ذكر خلال اجتماع مجلس الوزراء أن “الحصانة التي منحها القانون للقضاة ليعملوا دون ضغوط خارجية لا ليتحولوا إلى أشخاص فوق القانون”.

ويواجه القضاء التونسي منذ قيام الثورة التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي اتهامات بعدم الاستقلالية خاصة بعد تولي القيادي في حركة النهضة الإسلامية نورالدين البحيري قيادة وزارة العدل إبان حكم الترويكا، حيث عزل العديد من القضاة وحل محلهم آخرون في سياق ما أسماه وقتها بتطهير القضاء.

وترى أوساط قضائية تونسية أن الحل يكمن في إصلاح القضاء لإنجاح مسار مكافحة الفساد الذي بدأته تونس بعد إقرار جملة من الإجراءات الاستثنائية في الخامس والعشرين من يوليو الماضي وسط تحذير من حل مجلس القضاء.

وقال القاضي عمر الوسلاتي إن “حل المجلس الأعلى للقضاء خطوة فيها مجازفة ومخاطرة كبيرة إذا أقدم عليها الرئيس سعيد لأن المجلس والهيئات الدستورية ركائز حقيقية للديمقراطية، أتمنى ألّا يلجأ إلى هذا الخيار لأنه سيعيدنا إلى مربع الوصاية على القضاء”.

وتابع الوسلاتي في تصريح لـ “العرب” أنه “يجب وضع آليات تضمن استقلالية القضاء من حيث الانتداب والتقييم وإسناد الوظيفة القضائية وتكريس نظام المساءلة، هل يسائل القضاة عن الخطأ؟”.

وشدد على أن “مشكلة القضاء أحيانا تكون مشكلة تخصص مثلا، وحتى المحاكم في تونس ككيان إداري لا تُعرف تبعيتها لمن، لذلك يجب إصلاح القضاء بمعالجة هذه الإشكاليات، القطب المالي مثلا فيه 4 أفراد وغير متكونين، هناك مشاكل هيكلية في إدارة العدالة في تونس”. 

وتُساير كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة التونسيين السابقة الوسلاتي في رأيه حيث تؤكد ضرورة إصلاح القضاء، مشيرة إلى أنه يجب البدء بالتفقدية العامة لوزارة العدل المعنية بملفات القضاة، فهي خطوة أولى نحو الإصلاح.

وأضافت كنو في تصريح لـ”العرب” أنها لا تعتقد أن “نية رئيس الجمهورية متجهة نحو حل المجلس الأعلى للقضاء، يمكن أن يدفع نحو إعادة النظر في قانون المجلس وطريقة انتخاب أعضائه كتوصية فقط، لأن حل المجلس وإعادة الانتخاب بنفس القانون لا يحلان الإشكال”.

وخلُصت إلى أن “هناك بطءًا كبيرا في فض ملفات الفساد، وهو بطء ناجم عن نقص القضاة والكتبة وغيرهم؛ فإصلاح المؤسسة القضائية يشمل العنصر البشري وتكوين القضاة وغير ذلك”.

وتعاني تونس منذ 2011 من تفاقم ظاهرة الفساد التي طالت العديد من القطاعات رغم الحملات التي أطلقت لمكافحته، علاوة على العديد من الملفات الحساسة التي يُنتظر أن يبت فيها القضاء على غرار الاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد بعد ثورة الرابع عشر من يناير.