بين ترامب وأوروبا.. حرب باردة جديدة
مرحلة تصعيد علني تدخلها إدارة دونالد ترامب مع أوروبا، لتحول بذلك خلافات عميقة ومستعصية حول ملفات عديدة إلى سياسة خارجية رسمية.
وهذه الخطوة، حسب موقع أكسيوس الأمريكي، تُبرز تحول النزاعات التقليدية إلى صدام استراتيجي على مستوى السياسة الخارجية، حيث بات الاتحاد الأوروبي يُنظر إليه وفق استراتيجية الأمن القومي الجديدة كخصم جيوسياسي لإدارة ترامب.
حرب باردة
ووفقا للتقرير، فقد أشعلت الغرامة التي فرضها الاتحاد الأوروبي، والبالغة 140 مليون دولار، على منصة إكس المملوكة لإيلون ماسك فتيل النزاع.
وجاء ذلك بعد اتهام السلطات التنظيمية المنصة بتضليل المستخدمين وإخفاء معلومات مهمة عن الإعلانات ومنعت الباحثين من الوصول إلى البيانات العامة.
ورد ماسك بغضب، متهمًا الاتحاد الأوروبي بـ"قمع حرية التعبير عبر الطغيان البيروقراطي"، وجذب وراءه قادة أقصى اليمين وملايين المتابعين.
ولم يتأخر الرد الأوروبي، حيث رد وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكوريسكي قائلاً: "اذهب إلى المريخ، لا يوجد رقابة على التحيات النازية هناك"، في إشارة حادة إلى دفاعه عن سيادة السياسات الأوروبية.
وفي واشنطن، انضم كبار المسؤولين الأمريكيين إلى الحملة، حيث وصف وزير الخارجية ماركو روبيو الغرامة بأنها "هجوم على جميع المنصات الأمريكية والشعب الأمريكي".
فيما وصف نائب الرئيس فانس، المعروف بمواقفه الأوروبية المتشددة، الغرامة بأنها "قمامة" ناتجة عن رفض موقع إكس قبول "الرقابة" الأوروبية.
ويأتي النزاع في سياق رؤية أوسع لأمن ترامب القومي والتي تتهم أوروبا بـ"التضييق التنظيمي" و"تقويض العمليات الديمقراطية"، مع تركيز خاص ملف على الهجرة الجماعية.
فالبيت الأبيض يرى أن النخب الأوروبية فتحت الحدود مسببة تغيّرات ديموغرافية كبيرة، في حين قامت بقمع الأصوات المنتقدة لتداعيات هذه التغييرات.
ودعم ماسك وفانس هذه المواقف أمام العالم، بما في ذلك خلال خطابهما الحاد بمؤتمر ميونخ للأمن، ودعم أحزاب أقصى اليمين في أوروبا، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا.
ويشير محللون إلى أن استراتيجية ترامب للأمن القومي لم تعد مجرد رؤية سياسية، بل صارت خطة للتدخل في السياسة الداخلية للدول الأوروبية، حيث تدعو إلى "تعزيز المقاومة" داخل دول الاتحاد الأوروبي كحل لما وصفته الإدارة الأمريكية بـ"محو الحضارة الأوروبية"
بعد استراتيجي
على المستوى الاستراتيجي، تشكك إدارة ترامب في قدرة بعض الحلفاء الأوروبيين على البقاء أعضاء موثوقين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) بسبب التغيرات الديموغرافية، وتعلن نهاية ما وصفته بـ"إدراك الناتو كتحالف دائم التوسع".
ورحبت روسيا بالانقسام عبر الأطلسي، إذ صرح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأن "التعديلات التي نشهدها تتوافق إلى حد كبير مع رؤيتنا"، وهو ما يعكس اتفاق البيت الأبيض والكرملين على شكوكهما حول قوة أوروبا وقيمتها الاستراتيجية.
وخلص التقرير إلى أن التطورات الأخيرة تُشير إلى انفصال عميق عن النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.
ويأتي هذا في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لأوروبا، فقد اجتمع قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن، خوفًا من أن يفرض ترامب اتفاق سلام بشروط لا يمكن لأوروبا قبولها.
ويزيد تجاهل البيت الأبيض لـ"التوقعات المفرطة" لأوروبا بشأن الحرب من المخاوف من تهميش القارة في المفاوضات المتعلقة بأمنها الاستراتيجي، ما يضع أوروبا في مواجهة مباشرة مع إدارة أمريكية ترى مصالحها الخاصة فوق أي اعتبار للتحالفات التقليدية.