منوعات
أوروبا تتصدر سباق تبنّي الذكاء الاصطناعي.. دول الشمال في المقدمة
تتسارع وتيرة تبنّي الذكاء الاصطناعي حول العالم، لكن القارة الأوروبية تبدو اليوم في طليعة هذا التحول الرقمي.
ومنذ ظهور منصة "تشات جي بي تي" في عام 2022، تغيّر المشهد التكنولوجي العالمي بشكل جوهري، إذ استخدم أكثر من 1.2 مليار شخص أدوات الذكاء الاصطناعي حتى الآن، في معدل انتشار أسرع من الإنترنت والحاسوب الشخصي والهاتف الذكي خلال سنوات إطلاقها الأولى.
ونقل موقع "يورو نيوز" عن أحدث تقرير صادر عن مايكروسوفت، إن دول الاتحاد الأوروبي تشهد مستويات غير مسبوقة من الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية والعمل، لا سيما الدول الأكثر ثراءً وتقدماً من حيث البنية التحتية الرقمية. وتأتي إيرلندا في صدارة دول الاتحاد، حيث يستخدم 41.7% من السكان أدوات الذكاء الاصطناعي بانتظام، سواء لأغراض مهنية أو شخصية.
وهذا الانتشار الواسع يعكس، بحسب الخبراء، ديناميكية الأسواق الأوروبية التي تسعى لاعتماد التكنولوجيا كأداة لتعزيز الكفاءة والإنتاجية، خاصة في قطاعات الخدمات المالية والتكنولوجيا والإعلام. كما أنه يعكس الدور المتنامي للاتحاد الأوروبي في وضع أطر تنظيمية للذكاء الاصطناعي، مثل "قانون الذكاء الاصطناعي" الذي بات مرجعاً عالمياً في السياسات التنظيمية.
تفاوت كبير داخل القارة
ورغم الصورة المتقدمة للمشهد الأوروبي، فإن التفاوت بين دول الاتحاد لا يزال لافتاً. ففي حين تتصدر إيرلندا، تأتي رومانيا واليونان في ذيل القائمة. ولا يستخدم الذكاء الاصطناعي سوى 15.3% من الرومانيين و17.7% من اليونانيين، وهي نسب تُعد الأدنى ضمن دول الاتحاد الأوروبي.
ويربط التقرير هذا التباين بعوامل متعددة، أبرزها الفجوة بين الدول من حيث البنية التحتية الرقمية، ومستوى الدخل، ووتيرة التحول الرقمي في القطاعين العام والخاص. فالدول ذات الاقتصادات الأقل تقدماً لا تزال تواجه تحديات تتعلق بسرعة الإنترنت، وتوافر خدمات الحوسبة، ومستوى الوعي الرقمي لدى السكان.
وعند النظر إلى دول أوروبا خارج الاتحاد، يتضح أن القارة ككل تتقدم بوتيرة أسرع من غيرها. فقد سجلت النرويج أعلى معدل استخدام في أوروبا بنسبة 45.3%، ما يجعلها من بين أكثر دول العالم استخداماً للذكاء الاصطناعي. وتأتي المملكة المتحدة أيضاً ضمن الدول المتقدمة في هذا المجال، بنسبة استخدام تبلغ 36.4%.
ويرى محللون أن هذه الأرقام تعكس القوة الاقتصادية لدول شمال وغرب أوروبا، إلى جانب استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية والتعليم التقني، مما يسمح بتسارع تبنّي التكنولوجيا الجديدة.
ارتباط وثيق مع الاقتصاد
ويوضح تقرير مايكروسوفت أن أحد أكثر المؤشرات ارتباطاً بتبنّي الذكاء الاصطناعي هو قوة الاقتصاد الوطني. فالدول الغنية في "الشمال العالمي" تسجل نسب اعتماد تبلغ نحو 23%، بينما لا تتجاوز النسبة 13% في "الجنوب العالمي". ويعني ذلك أن الفجوة الاقتصادية العالمية تنعكس مباشرة على قدرة الشعوب في الوصول إلى الأدوات الذكية واستخدامها في حياتهم اليومية.
كما أن البنية التحتية -من كهرباء مستقرة إلى شبكات اتصال سريعة وحلول حوسبة متقدمة- تشكل عاملاً حاسماً في هذا السياق. إذ لا يزال نحو أربعة مليارات شخص حول العالم يعيشون في مناطق تفتقر إلى هذه المقومات الأساسية، مما يحد من فرص الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة.
ويؤكد التقرير أن الفجوة الرقمية لا ترتبط فقط بإتاحة الأدوات، بل تمتد إلى التعليم واللغة والمهارات التقنية. فالبلدان التي لديها معدلات أمية رقمية أعلى، أو التي تغيب عنها المحتويات التكنولوجية بلغاتها المحلية، تواجه تحديات أكبر في مواكبة الثورة الرقمية.
ومع توسّع استخدام الذكاء الاصطناعي وتزايد اعتماده في الوظائف اليومية، يتوقع الخبراء أن تستمر أوروبا—ولا سيما دول الشمال—في قيادة هذا التحول خلال السنوات المقبلة، مدفوعة باستثمارات قوية وسياسات تنظيمية متماسكة، فيما تواجه دول أخرى تحديات حقيقية في اللحاق بهذا الركب التكنولوجي المتسارع.