اخبار الإقليم والعالم
حكومة لوكورنو والحزب الاشتراكي.. طوق نجاة أم بداية تحول سياسي بفرنسا؟
كيف سيعبر رئيس الوزراء الفرنسي ساباستيان لوكورنو الأزمة الحالية التي توصف بأنها أكثر المراحل حساسية في الحياة السياسية الفرنسية؟
خبراء سياسيون فرنسيون اعتبروا أن الحزب الاشتراكي الفرنسي بات يشكل طوق النجاة السياسي لحكومة لوكورنو، حيث يقترب البرلمان من مناقشة موازنة عام 2026 وسط انقسامات حادة بين اليمين واليسار.
فمع تصاعد التوتر حول إصلاح نظام التقاعد وموجة الجدل حول بنود الموازنة، يجد لوكورنو نفسه مضطرًا إلى البحث عن دعم داخل المعارضة اليسارية، وخاصة الحزب الاشتراكي الذي أظهر استعدادًا للتفاوض دون الانخراط في سياسة "إسقاط الحكومة مهما كان الثمن".
في معركة برلمانية حاسمة مع اقتراب تمرير موازنة 2026، يقف الحزب الاشتراكي الفرنسي، في قلب المشهد السياسي كأحد العناصر الفاصلة التي قد تنقذ حكومة ساباستيان لوكورنو أو تطيح بها.
وأمس الثلاثاء، أعلن أوليفييه فور، الأمين العام للحزب الاشتراكي، في مقابلة مع "بي إف إم" التلفزيونية الفرنسية أنه "لم يشتر الموازنة"، لكنه سيقاتل "من قدم إلى قدم" لكل مادة، مضيفًا: "سنرى من بين اليمين واليسار من سيحظى بالرضا مادة بمادة".
ورغم أن الحزب الاشتراكي أعلن رسميًّا أنه لن يصوّت على اقتراح حجب الثقة الحالي، إلا أن القرار يُظهر ترددًا مدروسًا: من جهة، رفض فور لسياسات تيار أقصى اليمين، ومن جهة أخرى حرصه على عدم ذهاب البلاد إلى حلّ برلماني قد يُعقّد الأوضاع على الجميع.
في سياقٍ متصل، أعلن رئيس الوزراء لوكورنو أن تعديل قانون التقاعد المقترح في موازنته سيُعلّق حتى الانتخابات الرئاسية، وهو ما مثل خطوة اعتُبرت تلبية لمطلب الاشتراكيين.
كلوي موران، أستاذة العلوم السياسية في جامعة باريس قالت لـ" العين الإخبارية" إن موقف الحزب الاشتراكي يعكس حنكة سياسية.
وأضافت: "الاشتراكيون يقدمون أنفسهم في دور الوسيط بين السلطة والمعارضة، مستعيرين مفهوم التوازن الحكومي بدلاً من الانقضاض على السلطة في وقت غير ناضج انتخابيًا".
وأشارت إلى أن دعم الاشتراكيين المشروط قد يكون طوق نجاة لِلوكورنو، "لكن بشرط أن تكون هناك خطوات فعلية ملموسة".
وقالت إن "الاشتراكيين يقرأون الواقع السياسي الفرنسي بعيون براغماتية، مضيفة "أنهم يدركون أن التسرع في إسقاط الحكومة دون بديل جاهز سيُضعف صورة اليسار المعتدل ويفتح الباب لتيار أقصى اليمين؛ لذا فهم يراهنون على كسب الوقت لإعادة تشكيل كتلتهم السياسية استعدادًا لمعركة الرئاسة عام 2027".
واعتبرت أن هذا التموضع قد يمنح الحزب الاشتراكي فرصة تاريخية لإعادة تعريف هويته بعد سنوات من التراجع، لكنه في الوقت نفسه اختبار صعب لمصداقيته الأخلاقية والسياسية.
بدوره، حذر المحلل السياسي الفرنسي فيليب مورو شيفورليه في تصريحات لـ"العين الإخبارية" من أن هذا الموقف قد يُعمّق أزمة الهوية داخل الاشتراكيين.
وقال إنه "حين تصبح مسألة البقاء السياسي على كف السلطة أهم من مبادئ الحزب، فإنك تدخل دائرة الازدواجية. الدعم لِلوكورنو مشروط، ولكن إذا لم تُنفَّذ التنازلات، فإن الشقاق داخليًا سيكون أعنف من الخلاف الخارجي".
وبين الغموض السياسي والانقسامات الداخلية التي تعصف بالمعارضة، بدا أن الحزب الاشتراكي الفرنسي قد يكتسب موقعًا مفصليًا في مستقبل حكومة لوكورنو.
ففي مقاربة نادرة بين المعارضة والحكومة، يُلقي الاشتراكيون سقف مطالبهم أمام البرلمان — لا دعمًا بلا شروط، ولا معارضة مطلقة — بل تحالفًا مؤقتًا على أساس جدول أعمال محدد.
ورفض أوليفييه فور، خلال ظهوره الإعلامي، الانضمام إلى سياسة رفض مسبق للموازنة، قائلاً إنه سيقاتل مشروع الحكومة مادة بمادة؛ تأكيد منه أن الأمر ليس تجانسًا كاملًا بل تفاوض مستمر.
في المقابل، أعلن لوكورنو أن مشروع التقاعد الذي أثار احتجاجات واسعة سيتم تأجيله حتى الانتخابات، وهو تنازل كبير أشاد به بعض أوساط اليسار، لكن الكثير ما يزال متحفظًا على ما إذا كان هذا سيكون كافياً لتثبيت السند البرلماني.