اخبار الإقليم والعالم

نوبل تخذل ترامب: الجائزة ليست رشوة للحكام

وكالة أنباء حضرموت

لم تكن جائزة نوبل للسلام يوماً بعيدة عن الجدل. فمنذ أن أسسها ألفريد نوبل في وصيته عام 1895، وهي تحمل في طياتها سؤالاً دائماً: من يستحق أن يُكرَّم باعتباره رمزاً للسلام؟ هذا السؤال يتجدد كل عام، لكنه يكتسب زخماً خاصاً حين يتعلّق بشخصيات سياسية مثيرة للجدل، مثل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان يعتقد أنه يستحق الجائزة، لكنه وجد نفسه خارج دائرة التكريم.

ترامب، الذي اعتاد أن يقدّم نفسه باعتباره صانع صفقات كبرى، رأى في بعض مبادراته الدبلوماسية ـ مثل اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية ـ سبباً كافياً ليُدرج اسمه في قائمة المرشحين. بل إن بعض أنصاره أطلقوا حملات إعلامية للترويج لفكرة أن “الرجل الذي أوقف الحروب يستحق نوبل”. لكن لجنة الجائزة في أوسلو لم ترَ الأمر كذلك، فذهبت الجائزة إلى من اعتبرتهم أكثر استحقاقاً، تاركة ترامب في مواجهة خيبة أمل شخصية وسياسية.

نوبل ليست جائزة ترضية الخيبة هنا ليست مجرد مسألة شخصية، بل تكشف عن سوء فهم لطبيعة الجائزة نفسها. فـ”نوبل” لم تُصمم لتكون رشوة للحكام أو مكافأة على صفقات سياسية آنية، بل لتكريم من يترك أثراً عميقاً في مسار السلام العالمي. صحيح أن السياسة حاضرة بقوة في قرارات اللجنة، لكن الجائزة ليست أداة دبلوماسية بقدر ما هي اعتراف رمزي بقيمة أخلاقية وإنسانية.

لجنة نوبل قد تخطئ أو تصيب، لكنها تظل متمسكة بفكرة أن السلام ليس مجرد غياب للحرب، بل بناء لثقافة جديدة من التعايش والعدالة

ترامب، الذي اعتاد أن يقيس الإنجازات بالأرقام والصفقات، ربما لم يدرك أن نوبل تعمل بمنطق مختلف: منطق الرمزية والتأثير بعيد المدى. فالجائزة لا تُمنح لمن يوقّع اتفاقاً فحسب، بل لمن يغيّر البيئة السياسية والفكرية التي تجعل السلام ممكناً.

تاريخ من الجدل لكن الإنصاف يقتضي القول إن تاريخ الجائزة نفسه ليس نقياً من الجدل. فقد مُنحت في مناسبات عديدة لسياسيين أثاروا انقساماً واسعاً حول أحقيتهم. جائزة هنري كيسنجر عام 1973، مثلاً، ما زالت تُذكر بوصفها واحدة من أكثر القرارات إثارة للجدل، إذ مُنحت له رغم دوره في حرب فيتنام. كذلك، حين حصل باراك أوباما على الجائزة عام 2009 بعد أشهر قليلة من توليه الرئاسة، تساءل كثيرون: ما الذي أنجزه فعلياً ليستحق هذا التكريم المبكر؟

هذه الأمثلة تكشف أن لجنة نوبل ليست محصّنة ضد الحسابات السياسية أو الرمزية. فهي أحياناً تمنح الجائزة لتشجيع مسار سياسي أكثر مما تكافئ إنجازاً قائماً. لكن حتى في هذه الحالات، يبقى هناك حدّ فاصل بين من يُنظر إليهم كرموز أمل، وبين من يُنظر إليهم كأصحاب مصالح شخصية أو صفقات عابرة.

في حالة ترامب، بدا أن اللجنة لم تقتنع بأن مبادراته تحمل بعداً إنسانياً أو أخلاقياً يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة. فالتطبيع الذي رُوّج له باعتباره “سلاماً تاريخياً” لم يكن في نظر كثيرين سوى إعادة ترتيب لمصالح إقليمية، بعيداً عن جوهر القضية الفلسطينية التي تبقى محور الصراع في الشرق الأوسط.

هنا تكمن المفارقة: ترامب أراد أن يُسجَّل في التاريخ كصانع سلام، لكن التاريخ لا يُكتب بالتصريحات ولا بالصفقات وحدها. نوبل، بما تمثله من رمزية، رفضت أن تتحول إلى أداة لتلميع صورة زعيم مثير للجدل، وفضّلت أن تمنح جائزتها لمن رأت فيهم التزاماً أعمق بقيم السلام.

ما حدث مع ترامب يعيدنا إلى جوهر النقاش حول نوبل: هل هي جائزة أخلاقية أم سياسية؟ الحقيقة أنها مزيج من الاثنين. فهي لا تستطيع أن تنفصل عن السياسة، لكنها تحاول أن تضع معياراً أخلاقياً فوق الحسابات الآنية. وهذا ما يجعلها أحياناً تُتهم بالمثالية، وأحياناً أخرى بالانحياز.

لجنة نوبل قد تخطئ أو تصيب، لكنها تظل متمسكة بفكرة أن السلام ليس مجرد غياب للحرب، بل بناء لثقافة جديدة من التعايش والعدالة.

اللجنة لم تقتنع بأن مبادراته تحمل بعداً إنسانياً أو أخلاقياً يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة
لجنة نوبل للسلام لم تقتنع بأن مبادراته تحمل بعداً إنسانياً أو أخلاقياً يتجاوز الحسابات السياسية الضيقة
الدرس الأوسع الدرس الذي يمكن استخلاصه من خيبة ترامب هو أن الشرعية الأخلاقية لا تُشترى ولا تُفرض بالقوة. قد ينجح زعيم في عقد صفقات أو فرض وقائع على الأرض، لكن ذلك لا يعني أنه سيُكرَّم رمزياً كصانع سلام. فالجائزة، في نهاية المطاف، ليست رشوة للحكام ولا وساماً للسلطة، بل شهادة تقدير لمن يضع الإنسانية فوق الحسابات الضيقة.

ولعل هذا ما يجعل نوبل، رغم كل جدلها، تحتفظ بقيمتها الرمزية. فهي تذكير دائم بأن السلام ليس مجرد شعار سياسي، بل مسؤولية أخلاقية تتجاوز حدود الدول والزعماء.

خذلت ترامب، نعم، لكنها في الحقيقة لم تخذله وحده، بل خذلت فكرة أن السلام يمكن أن يُختزل في صفقة أو يُشترى بالمال والنفوذ. لقد أرادت أن تقول للعالم إن الجائزة ليست رشوة للحكام، بل تكريم لمن يزرع بذور الأمل في أرضٍ أنهكتها الحروب.

وإذا كان ترامب قد خرج من سباق نوبل بخيبة أمل، فإن الجائزة هذا العام ذهبت إلى “حليفته” في المعارضة الفنزويلية، ماريا كورينا ماتشادو، التي واجهت الإقصاء السياسي. في بلد يرزح تحت التضخم المفرط، وانهيار الخدمات، وهجرة الملايين، جسّدت كورينا فكرة أن التغيير ممكن دون عنف، وأن رفع الصوت أبلغ من رفع السلاح.

ويرى مراقبون أن منحها الجائزة يحمل رسالة مزدوجة: دعم واضح للمعارضة الفنزويلية، وتذكير بأن السلام لا يعني غياب الحرب فقط، بل قيام العدالة والكرامة السياسية.
 

مكاسب محتملة لسوريا من اتفاق أمني مع إسرائيل لكن المخاطر كبيرة


اليمن يضبط 3 آلاف قطعة تدخل في صناعة المسيرات


هل يوقف الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر وعلى إسرائيل بعد اتفاق غزة


نتائج المونديال لا تهم.. البرازيل تحسم مستقبل أنشيلوتي