اخبار الإقليم والعالم

اتفاقية الغاز الإماراتية - الهندية ركيزة في الإستراتيجية الأميركية لمواجهة الصين

وكالة أنباء حضرموت

أدرك الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الأولى أن هناك احتمالًا كبيرًا باستحالة إجبار إيران على التخلي عن طموحاتها النووية، أو فرض عقوبات عليها.

وكان من الواضح له، وفقًا لمصادر قانونية وأمنية رفيعة المستوى، تحدثت إلى منصة “أويل برايس” الأميركية في ذلك الوقت، أنه سيتعين اتخاذ إجراء مباشر في مرحلة ما لإزالة أكثر المنشآت النووية تهديدًا على الفور.

وقد اتضح أيضًا أن إسرائيل، التي كانت على وشك الزوال جراء هذا التهديد، بحسب ما أشار إليه المحلل الاقتصادي سيمون واتكينز في تقرير على أويل برايس، أصبحت أكثر استعدادًا للعمل بمفردها لتحييد القدرات النووية الإيرانية المُتنامية.

وأكد مصدر قانوني أميركي رفيع المستوى: “كان من المفهوم (من قِبل ترامب ومستشاريه الرئيسيين) أن أي هجمات مباشرة مستمرة من إسرائيل على إيران قد تُشعل صراعًا أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط، مما يؤدي في النهاية إلى دفع الصين وروسيا إلى معارضة مباشرة للولايات المتحدة”.

وأضاف المصدر لأويل برايس التي لم تشر إليه اسمه، خلال إفصاح حصري لأسبوع الماضي: “هنا برزت فكرة الاستفادة من العلاقة بين الإمارات والهند.”

سيمون واتكينز: أدركت واشنطن أن علاقة الإمارات فريدة مع الهند

وشهدت الأسابيع الأخيرة تطورات رئيسية أخرى في هذا السياق، إذ شهد الأسبوع الماضي إعلانًا جديدًا هامًا بين أبوظبي ونيودلهي يتعلق تحديدًا بالطاقة، ولكن كما هو الحال غالبًا في هذا القطاع، له آثار جيوسياسية أوسع نطاقًا بكثير.

وكانت الصفقة المُعلنة عبارة عن اتفاقية بيع وشراء لمدة 15 عامًا بين شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) ومؤسسة النفط الهندية (آي.أو.سي) لتوريد مليون طن سنويًا من الغاز المسال، مصدرها الرئيسي مشروع الرويس الإماراتي.

وتتيح شروط الاتفاقية تسليم شحنات أدنوك إلى أي ميناء في الهند، وفقًا لتوجيهات مؤسسة النفط الهندية، أكبر شركة طاقة متكاملة ومتنوعة.

ومع توسع الأعمال بين الشركتين، من المقرر أن تصبح المؤسسة الهندية أكبر عميل للغاز المسال لأدنوك بحلول عام 2029، وفقًا لتصريحات الجانبين.

وستبلغ الكمية الإجمالية التي ستشتريها 2.2 مليون طن سنويًا، منها 1.2 مليون طن سنويًا من عمليات أدنوك في جزيرة داس ومليون طن سنويًا من مشروع الرويس للغاز بحلول ذلك الوقت.

وتُعد الاتفاقية جزءًا من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الأوسع نطاقًا، الموقعة بين الإمارات والهند عام 2022، والتي تهدف إلى تعزيز وتعميق التعاون الثنائي في مجال التجارة والطاقة.

كما أوضح نائب الرئيس الأول لأدنوك، راشد المزروعي: “تُؤكد هذه الاتفاقية طويلة الأمد مع شركة النفط الهندية على متانة العلاقات في مجال الطاقة بين الإمارات والهند.”
وأضاف: “من خلال مشروع الرويس عالمي المستوى، ستواصل أدنوك توفير المزيد من الغاز منخفض الكربون لتلبية الطلب العالمي المتزايد، وتوفير الوقود للصناعات، وتوفير الكهرباء للمنازل.”

وهذا تحديدًا ما أرادته الولايات المتحدة في الولاية الرئاسية الأولى لترامب. وكان من حوله يعلمون أن الصين، على وجه الخصوص، وروسيا أيضًا، توسّعان نفوذهما بشكل كبير في الشرق الأوسط.

وقال واتكينز: “لقد ظهر ذلك منذ انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من خطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يُعرف باسم ‘الاتفاق النووي’ مع إيران في مايو 2018.”

ورغم أن مبررات ترامب للخروج كانت سليمة وهي أن إيران كانت تستغل تخفيف العقوبات لتعزيز مواردها المالية لتسريع طموحاتها النووية، إلا أن النتيجة العملية تركت طهران بلا رقابة فعلية، وفق المحلل.

وعزز هذا قدرتها على نشر نفوذها في المنطقة، مدعومةً بموقعها كزعيمة “هلال القوة الشيعي” وبدعم قوي من بكين وموسكو، كما حلله واتكينز بالتفصيل في كتابه حول نظام سوق النفط العالمي الجديد.

وكان ذلك ترياق واشنطن لهذا التراجع في نفوذها في الشرق الأوسط ولمنع هجمات إسرائيلية مباشرة قد تكون كارثية على إيران، هو الخطة الإماراتية – الهندية.

ويرى واتكينز أنه كان هناك ولا يزال عنصران رئيسيان لهذه الإستراتيجية، بحسب واتكينز، أبرزها ترسيخ الهند كقوة موازنة حقيقية لقوة الصين المتنامية باستمرار في جميع أنحاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وقد جاءت نعمة لهذه الفكرة بعد 15 يونيو 2020 عندما خاضت القوات الهندية والصينية معارك في وادي جالوان، وهي أول مواجهة عسكرية مميتة بين البلدين منذ عام 1975.

الإماراتواعتقدت واشنطن أن هذه المناوشات المماثلة التي اندلعت عبر المنطقة المتنازع عليها قد تمثل إستراتيجية رد فعل جديدة من الهند ضد سياسة الصين المتمثلة في السعي إلى زيادة تحالفاتها الاقتصادية والعسكرية من خلال “مبادرة الحزام والطريق.”

كما ظنت أن هذا الحزم العسكري قد يتردد صداه أيضًا في رغبة الهند الاقتصادية في إحراز تقدم ملموس أخيرًا في سياسة “الجوار أولاً” كبديل لطريق الحرير وكان الأمر الحاسم في هذا السياق.

وبالإضافة إلى ذلك، بدا ذلك أنه مواتٍ للغاية لواشنطن، هو أنه كان من المتوقع أن يؤدي التطور الاقتصادي السريع للهند إلى توسع هائل في طلبها على النفط والغاز.

وفي الواقع، توقعت وكالة الطاقة الدولية آنذاك أن تستحوذ الهند على الحصة الأكبر من نمو الطلب على الطاقة بنسبة 25 في المئة خلال العقدين المقبلين.

كما أدركت واشنطن، وهو أمرٌ ربما يكون غريبًا على الكثيرين، أن الإمارات تتمتع بعلاقة وثيقة فريدة مع الهند في مجال الطاقة، كما أوضحه واتكينز بالتفصيل في كتابه الأخير بعنوان “نظام سوق النفط العالمي الجديد وكيفية التداول به” والصادر عام 2023.

وكانت الإمارات العنصر الرئيسي الثاني في إستراتيجية الولايات المتحدة. فبموقعها الجغرافي المتميز بجوار السعودية وسلطنة عمان، وامتلاكها سواحل مطلة على الخليج العربي وخليج عمان، تُشكل مركزًا مثاليًا للطاقة بين الغرب والشرق.

ويدعم ذلك وفرة موانئها ومرافق التخزين المنتشرة في أنحاء البلاد ولهذا السبب أيضًا، اختارت الصين الإمارات.

شروط الاتفاقية تتيح تسليم شحنات أدنوك إلى أي ميناء في الهند، وفقا لتوجيهات مؤسسة النفط الهندية، أكبر شركة للطاقة

وكان محور اهتمام القسم الشرق أوسطي من مشروع الصين متعدد الأجيال للاستحواذ على السلطة، مبادرة الحزام والطريق، عندما أطلقها الرئيس شي جينبينغ عام 2013.

كما عزز موقع البلد الخليجي بشكل مميز النفوذ الهائل الذي تمكنت بكين من ممارسته على ما يحدث في الخليج العربي ومضيق هرمز من خلال “اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين” لمدة 25 عامًا.

ومن خلال صفقات مماثلة أخرى في المنطقة، تتمتع الصين أيضًا بسيطرة على مضيق باب المندب، الذي يتم من خلاله شحن النفط الخام صعودًا عبر البحر الأحمر باتجاه قناة السويس قبل الانتقال إلى البحر الأبيض المتوسط ثم غربًا.

وتحرص الإمارات للغاية على تعزيز عائداتها من النفط والغاز بعد الأضرار التي لحقت باقتصادها إلى جانب اقتصادات جميع الدول المصدرة للطاقة في الشرق الأوسط بسبب حرب أسعار النفط التي قادتها السعودية بين عامي 2014 و2016.

وعلاوة على ذلك، كانت هناك أيضًا علاقة الطاقة القوية القائمة بين الهند والإمارات لاستخدامها كأساس لهذا التوسع.

وبعد منح الإمارات الرقعة البرية رقم 1 لشركة بهارات بتروليوم الهندية في مايو 2019، أكد الرئيس التنفيذي لأدنوك، سلطان الجابر، أنه يتطلع إلى استكشاف الشراكات بين شركات البلدين.

وأكد حينها أنه يريد أن يشمل ذلك توسيع النطاق التجاري ونطاق شراكة الاحتياطيات البترولية الإستراتيجية ذات الأهمية الحيوية للهند. وكان هذا يتماشى مع كون أدنوك بالفعل الشركة الأجنبية الوحيدة المسموح لها بتخزين النفط الخام في الاحتياطي الاستراتيجي.

كما سمحت الهند لشركة أدنوك بتصدير هذا النفط للسماح لها بمرونة تشغيلية أكبر عبر سلسلة صفقات تم التخطيط لها في ذلك الوقت مع الشركات الهندية في الإمارات.

وأكد الجابر نهاية عام 2020 على أهمية هذه الشراكة بقوله “تمثل الشركات الهندية اليوم بعضًا من أهم شركاء أبوظبي في الامتيازات والاستكشاف، وبينما نواصل العمل معًا، أرى فرصًا جديدة وهامة لتعزيز الشراكات، لاسيما في قطاع المصب.”

وأضاف: “لقد أطلقنا خطة طموحة لتوسيع قاعدتنا من الكيماويات والبتروكيماويات والمشتقات والصناعات في أبوظبي، وأتطلع إلى استكشاف شراكات مع المزيد من الشركات الهندية عبر سلسلة القيمة الهيدروكربونية لدينا.”

وأصبحت خطة واشنطن الإماراتية – الهندية أكثر وضوحًا عندما أُعلن في 13 أغسطس 2020 أن البلد الخليجي قد وقع اتفاقية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في صفقة توسطت فيها الولايات المتحدة.

وتزامن ذلك مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليق خطط ضم المزيد من مناطق الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل خلال حرب الأيام الستة عام 1967.

وكان هذا أول برنامج ضمن “اتفاقيات إبراهيم” في الشرق الأوسط التي ظهرت في رئاسة ترامب الأولى، وكانت محاولة من الولايات المتحدة لإعادة إبراز قوتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وأوضح ترامب خلال حملته لولايته الثانية أنه يفضل استئناف اتفاقيات إبراهيم، بما في ذلك الاتفاقية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.

ورغم العديد من التقارير التي تشير إلى عكس ذلك، فإن الإمارات لم تلغِ أبدًا اتفاقيتها حتى مع تداعيات الحرب بين إسرائيل وحماس، وفق واتكينز.

وبالتالي، كلما زادت فوائد العلاقة المتجددة بين الولايات المتحدة والإمارات، زاد احتمال دعم أبوظبي لمثل هذه الصفقة التاريخية بين السعودية وإسرائيل، من وجهة نظر واشنطن.

وتتناسب أحدث صفقة كبيرة طويلة الأجل للغاز بين الإمارات والهند تمامًا مع هذا التصميم الأميركي لتجسيد خططها الإستراتيجية في هذا المضمار.

إسرائيل تفتح أبواب الجحيم على مدينة غزة


وفد برلماني كيني يشيد بالنموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية للمغرب


"قوة طمأنة".. الغرب يرتب تسوية الحرب الأوكرانية – الروسية


أي خيارات لمصر في التعامل مع أزمة سد النهضة