اخبار الإقليم والعالم
نفوذ خفي ينخر الديمقراطية.. هكذا «فخّخ» الإخوان كندا
لم يكن مشروعهم آنيا بل صاغوه على امتداد السنوات ونفذوه على مدى عقود من الزمن واندسوا بمفاصل الدولة وصناعة القرار لبناء نفوذ خفي.
وكما في كل مكان وطئته أقدامهم، حمل الإخوان معهم مشروعا لتدمير المجتمعات من الداخل، عبر التغلغل فيها تحت واجهات مختلفة، وحين يحكمون سيطرتهم، تسقط الأقنعة ليظهر الوجه الحقيقي.
خطر الإخوان يُقلق كندا.. مدّ التطرف يعبر أوروبا لأمريكا الشمالية
وفي كندا، لا يختلف السيناريو كثيرا عما حصل ويحصل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا، حيث تحولت هذه الأرض التي دخلوها تحت عنوان لاجئين إلى منصة لمشروع خفي يهدد الديمقراطية.
ويرى خبراء سياسيون فرنسيون أن كندا باتت ميدانًا مفتوحًا أمام تمدد مشروع الجماعة في ظل غياب مواجهة حقيقية من الدولة لهذا التغلغل الإيديولوجي المتصاعد، والذي يستغل أدوات الديمقراطية لبناء نفوذ خفي يهدد بنية الدولة الليبرالية.
وبحسب تقرير لشبكة فرنسية، أظهرت وثيقة سرية كتبت قبل أكثر من ثلاثة عقود أن الإخوان خططوا لـ«غزو» أمريكا الشمالية، وهو ما يتجسد بالفعل حاليا من خلال تصاعد مثير للقلق في الخطاب المتطرف والحوادث المرتبطة بالإرهاب.
وفي خضم كل ذلك، يبرز اسم الإخوان مجددًا كلاعبٍ خفي يحكم قبضته على مفاصل ناعمة داخل المجتمع الكندي.
فبينما تنشغل السلطات الكندية بملفات حقوق الإنسان والتعددية الثقافية، تحذر تقارير بحثية واستخباراتية من اختراق واسع تقوده الجماعة، عبر واجهات دينية وخيرية تعمل على تنفيذ ما تصفه وثائقها بـ"الفتح الحضاري" للغرب، وهو ما سبق أن تطرقت إليه «العين الإخبارية» نقلا عن شبكة "سي نيوز" الفرنسية.
«خارطة اختراق»
الباحث جان بيير فيليو، أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية بباريس، قال إن "الوثيقة الداخلية التي صاغها الإخوان عام 1991 بعنوان "المشروع الإخواني الحضاري الجهادي"،هي خريطة طريق حقيقية لاختراق المجتمعات الغربية عبر المؤسسات، وهي الآن قيد التنفيذ في كندا".
وأضاف فيليبو، وهو مختص في الحركات الإسلامية، لـ"العين الإخبارية"، أن "ما نراه اليوم هو تطبيق مباشر لتلك الرؤية التي تسعى إلى تقويض الديمقراطيات من الداخل عبر سياسة التغلغل الناعم والازدواجية الاستراتيجية".
وأشار إلى أن "الإخوان يستغلون مناخ الانفتاح الليبرالي في كندا، وضعف يقظة الدولة تجاه التغلغل الأيديولوجي، لبناء شبكات نفوذ تربط بين المؤسسات التعليمية والمنظمات غير الحكومية والمراكز الدينية".
وحذر من أن جميع تلك الشبكات "تعمل على شرعنة الخطاب السياسي الإخواني في شكل ديني غير مُدان قانونياً".
وبحسب الخبير ذاته، فإن "السلطات الكندية ما زالت مترددة في خوض معركة مباشرة مع الإخوان، رغم الأرقام الصادمة حول تصاعد الحوادث المعادية للسامية وزيادة عدد المتهمين في قضايا مرتبطة بالإرهاب".
لكنه لفت إلى وجود "وعي شعبي متنامٍ، ولكن على المستوى الحكومي، لا توجد مؤشرات جدية حتى الآن لتجفيف منابع التأثير الإخواني".
"التمويه الاستراتيجي"
من جهتها، قالت الباحثة فلورانس برجيه-رونال، خبيرة الإسلام السياسي: "من الناحية السوسيولوجية، كندا تمثل بيئة مثالية لتغلغل مشروع الإخوان لأنها دولة متعددة الثقافات تعتمد خطاب الاندماج غير الصدامي".
وأوضحت برجيه-رونال، مديرة الأبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي لـ"العين الإخبارية"، أن هذا ما يسمح للجماعة بتطبيق ما يُعرف بـ"التمويه الاستراتيجي"، أي "تقديم وجه معتدل ظاهريًا، فيما تُدار أجندة راديكالية في الخلفية"
وترى أن التنظيمات المرتبطة بالإخوان في كندا باتت تُجيد استغلال الهوامش القانونية والدستورية التي تتيح حرية التنظيم والدين، لتأسيس مؤسسات تعمل كواجهات دينية وخيرية، لكنها في الحقيقة تشكّل محاور تمويل وتأطير فكري لشبكة إخوانية عابرة للقارات.
وحذرت قائلة: "نحن أمام مشهد يُذكّرنا بتجربة التنظيم في أوروبا، خاصة في ألمانيا وفرنسا، حيث تمكّنوا من بناء إمبراطوريات مؤسساتية، من دون أن تصنّفهم الحكومات رسميًا كتنظيمات تهديدية.
وشددت الباحثة الفرنسية على أنه "إذا لم تتحرك كندا الآن فستجد نفسها قريبًا في مواجهة واقع موازٍ تُدار فيه شؤون الجالية المسلمة من قبل جماعة تسعى إلى فرض مشروع شمولي على المجتمع المفتوح".
هل تتحرّك كندا فعليًا؟
رغم التحذيرات المتكررة من تقارير بحثية ومراكز دراسات كندية ودولية، مثل معهد دراسة معاداة السامية والسياسات العالمية، والتي نبّهت من الارتفاع الحاد في الحوادث المعادية لليهود بنسبة 670% خلال عام واحد، وتسجيل أكثر من 80 قضية إرهابية خلال عام واحد أيضًا، إلا أن الرد الحكومي الكندي ما زال محدودًا.
ويرجح أن يواجه الملف ضغطًا سياسيًا خارجيًا، خصوصًا من الولايات المتحدة، حيث سبق أن دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الضغط على كندا لإدراج الجماعات المرتبطة بالإخوان ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، خاصة تلك التي تتخفى تحت عباءة العمل الخيري والديني.
ودخلت كندا عمليًا في نطاق المشروع "الإخواني الحضاري الجهادي"، وفق وثائق الجماعة، وإن لم تتّخذ إجراءات مؤسساتية وتشريعية حازمة، فإنها ستتحوّل في غضون سنوات إلى نقطة ارتكاز إخوانية رئيسية في الغرب، تُدار منها الحملات الأيديولوجية العابرة للحدود.