اخبار الإقليم والعالم
تعزيز حقوق المرأة العراقية لا يتم فقط بالتشريعات
لا تميز التشريعات والقوانين العراقية بين المرأة والرجل في مختلف المجالات، سواء في تولي المناصب القيادية أو المراكز العليا في سلم السلطة، إلا أن العوامل الثقافية الاجتماعية لا تزال محددات رئيسية لتلك الأدوار، ويعود ذلك إلى البنية الاجتماعية القبلية والثقافة العشائرية وموروثها الأبوي في المجتمع العراقي.
ويرى مسؤولون حكوميون وخبراء في شؤون المرأة، أن المرأة العراقية تمثل ركيزة أساسية في مسيرة بناء الدولة وتعزيز المجتمع، مشددين على أهمية دعم حضورها في مواقع صنع القرار وتوسيع مشاركتها في جميع القطاعات. ويؤكد الخبراء أن تعزيز حقوق المرأة لا يتم فقط بالتشريعات، بل أيضًا بتهيئة بيئة مؤسساتية ومجتمعية تحتضن إمكاناتها المتنوعة وتتيح لها أداء دورها الريادي الكامل.
وقال وكيل الشؤون الإدارية والمالية في ديوان الوقف السني، محمد صالح رشاد لوكالة الأنباء العراقية “إن المرأة العراقية أسهمت وما زالت تواصل الإسهام في ترسيخ بناء الحضارة الإسلامية المعاصرة، عبر أدوارها الفاعلة في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.”
المادة 49 من الدستور العراقي تدعو إلى تمثيل عادل للنساء، لكن تطبيقها يواجه عراقيل بسبب الأعراف الاجتماعية والتفسيرات المجحفة للقوانين
وأوضح، أن الوقف السني وضع برامج ريادية تهدف إلى تعزيز الدور القيادي للمرأة في مختلف دوائر الدولة وميادين الحياة، لخدمة دينها وبلدها وشعبها.
وأضاف، أنه على المرأة أن تثبت أهليتها للدور العظيم الذي أناطه الإسلام بها، إذ خلقها الله متساوية في الأصل والتكليف والمصير مع الرجل، وكلاهما يتكامل في بناء الأسرة والمجتمع والدولة، منوها بأن بناء الحضارات يبدأ من أسرة متماسكة تقودها أم نجيبة وأب مسؤول، ولهذا فإن “المرأة ليست فقط نصف المجتمع، بل قوامه وروحه.”
من جانبها، دعت مستشارة رئيس مجلس النواب لشؤون المرأة، لمى عامر، إلى إقرار تشريعات جديدة تضمن توسيع مساحة أداء المرأة العراقية، وتمكنها من أداء أدوار أكبر في بناء المجتمع، مؤكدة، أن المرأة نصف المجتمع، وتربي النصف الآخر، وبالتالي فإن تمكينها ضرورة وطنية.
وأوضحت عامر، أن الدستور العراقي راعى ظروف المرأة الأسرية، وهناك حاجة فعلية إلى تشريعات تنظم عملها وتدعم مشاركتها المجتمعية، مشددة على أن “المرأة العراقية أثبتت حضورها العلمي والعملي محليًا وإقليميًا وعالميًا، لكنها لا تزال تواجه تحديات أبرزها التغييب السياسي والإقصاء من المناصب القيادية.”
وأضافت، أن الإحصائيات أظهرت ضعف تمثيل المرأة في المناصب العليا من درجة مدير عام فما فوق، رغم أنها أكثر التزامًا وأقل فسادًا، وتؤدي مهامها بكفاءة دون الإخلال بمسؤولياتها الأسرية.
وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2023، تشغل النساء في العراق أقل من 15 في المئة من المناصب القيادية في القطاعين الحكومي والخاص، مقارنةً بمتوسط عالمي يبلغ 31 في المئة. ورغم جهود تعزيز المساواة، إلا أن التقدم لا يزال بطيئًا، ما ينعكس على تحقيق التنمية المستدامة في العراق. وتتمثل أبرز التحديات التي تواجه المرأة العراقية للوصول إلى مراكز القرار في التمييز على المستويين القانوني والاجتماعي، حيث أن المادة 49 من الدستور العراقي تدعو إلى تمثيل عادل للنساء، لكن تطبيقها يواجه عراقيل بسبب الأعراف الاجتماعية والتفسيرات المجحفة لبعض القوانين. كذلك يشكّل نقص البرامج التدريبية والتطويرية لفائدتهن، عائقًا، إذ تشير دراسة صادرة عن منظمة تمكين المرأة العراقية لعام 2022 إلى أن 72 في المئة من النساء القادرات على القيادة يعانين من غياب التدريب والتوجيه المهني. ينضاف إلى كل ذلك، العنف السياسي ضد المرأة الذي يشكل تهديدًا كبيرًا، حيث وثّقت هيومن رايتس ووتش تعرض العديد من النساء السياسيات لحملات تشويه وتهديدات تحد من مشاركتهن الفعالة في الفضاء العام.
وتدعم هيئات ومنظمات دولية حق المرأة العراقية التي مازالت تسيطر عليها أفكار السلطة الذكورية التي تحرمها من المشاركة في اتخاذ القرار وفي الحصول على مكانتها المرموقة. ورغم أن النظرة الدونية المعززة بمعتقدات عشائرية ودينية مازالت تلاحق المرأة العراقية إلا أنها أثبتت أنها رقم صعب في المعادلة الاجتماعية، ففرضت نفسها في الكثير من جوانب الحياة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية.
وأشادت مديرة قسم شؤون المرأة في ديوان الوقف السني، ضحى داود العبيدي، بكفاءة المرأة العراقية، مؤكدة أنها أثبتت جدارتها في المجالات الصناعية والخدمية والمهنية، وأسهمت في بناء العراق الحديث عبر مبادرات فردية ومؤسساتية.
وقالت العبيدي في حديثها لـوكالة الأنباء العراقية “قدرات المرأة العراقية أكبر من أن تُحصر في الوظائف الحكومية، فهناك سيدات أعمال أنشأن مصانع وورشًا ومؤسسات أهلية وفّرت منتجات غذائية ودوائية وألبسة وسجاد، وأسهمن في تنمية المجتمع اقتصاديًا.”
وأضافت، أن المرأة العراقية تمتلك طاقات استثنائية، فهي فاعلة في الميادين المعرفية والجمالية، وناشطة اجتماعية قادرة على صنع الفارق، مثمنة دور الوزارات التي أتاحت للنساء فرصًا قيادية ومواقع تنفيذية ضمن المشاريع الصغيرة التي تدعم الاستقلال الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة.
ويرى الخبراء أن تعزيز مشاركة المرأة العراقية في القيادة يساهم في بناء مجتمع مستدام ومتوازن، فالمرأة تمتلك القدرة على إحداث تغيير إيجابي في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والبيئة، وغيرها من المجالات التي تؤثر في حياة المواطن العراقي. لذلك، يشدد الخبراء على ضرورة مواصلة العمل من أجل ضمان تمثيل النساء في جميع مجالات الحياة، وإشراكهن في صياغة السياسات واتخاذ القرارات، مما يساهم في بناء عراق قوي ومزدهر يستطيع مواجهة تحديات المستقبل.