اخبار الإقليم والعالم
كتائب حزب الله العراقية تراقب الحرب الإسرائيلية - الإيرانية ولا تتحرك
يعكس إعلان كتائب حزب الله العراقية استعدادها لاستئناف الهجمات ضد القوات الأميركية في حال تدخلت واشنطن عسكريًا في الحرب بين إيران وإسرائيل، موقفًا رمزيًا أكثر من كونه تموضعًا فعليًا في جبهة الإسناد، ما يؤكد تعطل أجنحة الحرب بالوكالة.
وقال الأمين العام لكتائب حزب الله أبوحسين الحميداوي في بيان أمس الأحد إن الكتائب تراقب تحركات الجيش الأميركي بالمنطقة، مضيفا أنه إذا تدخلت واشنطن في الحرب فإن الكتائب ستتحرك ضد مصالحها وقواعدها بالمنطقة.
ورغم اللهجة التصعيدية ربطت الكتائب تحركها بشرط تدخل أميركي مباشر، في وقت تقوم فيه الولايات المتحدة أصلًا بدور إسنادي واضح لإسرائيل، سواء عبر الدعم اللوجستي أو الحماية السياسية في المحافل الدولية.
ويقول محللون إن هذا الشرط، الذي قد يبدو للوهلة الأولى خطًا أحمر، يفتقد للمعنى الواقعي، إذ إن الدعم الأميركي لإسرائيل ليس خفيًا أو مؤجلًا، بل يتم بشكل حثيث ومعلن منذ بداية التصعيد. وقد شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الأميركي دونالد ترامب صراحة على هذا الدعم.
الكتائب ربطت تحركها بشرط تدخل أميركي مباشر، في وقت تقوم فيه واشنطن بإسناد إسرائيل عبر الدعم اللوجستي
ويوضح المحللون أن تهديد الكتائب يُفهم على أنه محاولة للحفاظ على الحضور ضمن مشهد “محور المقاومة”، دون الانخراط المباشر في كلفة الحرب، وهو ما ينسحب على باقي الأذرع الإيرانية المنهكة التي يبدو أنها تكتفي حاليًا بتسجيل موقف وتثبيت ولاء، أكثر من رغبتها في فتح جبهات جديدة قد تزيد من هشاشتها.
ويرى سيتف ج. فرانزمان، الزميل المشارك في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، أن “هذه التهديدات تأتي في سياق محاولات الجماعة لتسجيل موقف سياسي أكثر من كونها استعدادًا فعليًا للانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة.”
ويرى مراقبون أن هذا النمط من التهديدات يسهم في ترميم صورة المحور الإيراني بعد الضربات التي تلقاها مؤخرًا، دون أن يؤدي إلى تغيير قواعد الاشتباك فعليًا. فكما هو الحال مع الحوثيين الذين يطلقون الصواريخ الباليستية من اليمن تجاه إسرائيل منذ أشهر في عمليات رمزية ذات تأثير ميداني محدود، تلجأ كتائب حزب الله إلى خطاب التهديد كأداة لتعزيز الانتماء إلى المحور، مع الإبقاء على هامش المناورة دون انخراط عسكري حقيقي.
ومع تصاعد حدة المواجهة بين إسرائيل وإيران أعلن الحوثيون في اليمن المدعومون من طهران أمس الأحد عن إطلاق صواريخ باليستية فرط صوتية على أهداف وصفت بـ”الحساسة” في منطقة يافا (تل أبيب)، مؤكّدين أن الهجوم جاء بالتنسيق مع الجيش الإيراني والحرس الثوري.
ورغم أن هذا الإعلان يحمل في طياته تصعيدا عسكريا ظاهريا، إلا أن أبعاده السياسية تبدو أكثر وضوحاً، حيث يسعى الحوثيون إلى تثبيت حضورهم ضمن “محور المقاومة” من خلال تسجيل موقف يُظهر الولاء لطهران، دون الدخول في مواجهة مفتوحة قد تجرّ ردود فعل إسرائيلية واسعة ومكلفة.
وبالنظر إلى البعد الجغرافي بين اليمن وإسرائيل، فإن الحوثيين يتمتعون بهامش مناورة أوسع نسبياً من الأذرع الإيرانية الأخرى، ما يمكنهم من تنفيذ تحركات تكتيكية تحافظ على دورهم داخل “محور المقاومة”، دون دفع ثمن عسكري باهظ قد يعرّضهم لخسائر فادحة.
ويرى الباحث في شؤون الجماعات المسلحة نادر الجبوري أن “الحوثيين يفضلون تسجيل موقف سياسي أكثر من المشاركة الفعلية في المعارك، خصوصاً أن بعد المسافة يمنحهم مجالاً أكبر للتصرف والتراجع دون خسائر كبيرة.”
ويبدو أن الحوثيين، كما هو حال كتائب حزب الله وغيرها من أذرع إيران في المنطقة، لا يسعون حالياً إلى الدخول في صراع مفتوح مع إسرائيل، وإنما إلى تثبيت موقعهم السياسي ضمن “محور المقاومة” عبر مواقف ورسائل تحمل طابعاً إعلامياً وتصعيدياً محدود الأثر الميداني.
وهذا يعكس بشكل عام حالة التراجع أو على الأقل الاحتفاظ بهامش ضيق للحركة، في ظل الصراع الأكبر الدائر بين إيران وإسرائيل، حيث تستأثر طهران بالأدوار الفعلية، وتترك لوكلائها تسجيل المواقف السياسية والحضور الرمزي.
وفي الوقت الذي يشهد فيه الصراع تبادلاً مكثفاً للضربات بين إيران وإسرائيل، تظل أذرع إيران الإقليمية في مرحلة من التحفظ الحذر، تحاول من خلالها الحفاظ على توازنات دقيقة، تجنّبها الوقوع في مواجهة مفتوحة قد تزيد من هشاشتها وتستنزف قدراتها في حين أنها في أشد الحاجة إلى التماسك الداخلي وتجنب الانزلاق نحو مواجهة غير محسوبة النتائج.
الحوثيين، كما هو حال كتائب حزب الله وغيرها من أذرع إيران في المنطقة، لا يسعون إلى الدخول في صراع مفتوح مع إسرائيل
ويقول الباحث السياسي جمال إبراهيم إن “التصريحات الأخيرة تكشف عن واقع أن أذرع إيران الإقليمية منهكة ولا تمتلك القدرات الكافية لخوض معارك واسعة، وهذا يفسر التركيز على إرسال رسائل سياسية وإعلامية أكثر من العمليات العسكرية الواسعة.”
وتواجه أذرع إيران الإقليمية، مثل كتائب حزب الله في العراق وجماعة الحوثي في اليمن وحزب الله في لبنان، عدة معوقات تحد من قدرتها على التدخل الفعلي والمباشر في الحرب القائمة بين إسرائيل وإيران.
وتعاني هذه الجماعات من إرهاق عسكري ولوجستي نتيجة انخراطها المستمر في صراعات متعددة في المنطقة، مثل الحرب في سوريا والصراع في اليمن، ما يقلص جاهزيتها للانخراط في مواجهة جديدة واسعة النطاق مع إسرائيل.
وبالإضافة إلى ذلك تحد القيود الجغرافية والسياسية من قدرة هذه الأذرع على التحرك بحرية؛ فالحوثيون في اليمن يواجهون بعداً جغرافياً كبيراً عن مسرح العمليات الإسرائيلي، بينما يواجه حزب الله في لبنان ضغوطاً سياسية داخلية ودولية تمنعه من التصعيد المباشر، خاصة في ظل استمرار الاضطرابات في سوريا وتأثيرها على المنطقة.
وعلى الصعيد العسكري تتمتع إسرائيل بتفوق تكنولوجي واضح يجعل أي تصعيد مباشر من قبل هذه الأذرع مخاطرة كبيرة، حيث قد تتعرض لخسائر فادحة في البنى التحتية والقوة البشرية، الأمر الذي يدفعها إلى التريث في تصعيد المواجهة. كما أن وجود القوات الأميركية في المنطقة والدعم الغربي المكثف لإسرائيل من الناحيتين اللوجستية والاستخباراتية يفرضان قيوداً إضافية على تحركات أذرع إيران، فكل تصعيد محتمل قد يؤدي إلى رد أميركي مباشر، وهو ما لا يطيقه الوكلاء.
وبالإضافة إلى ذلك تخشى هذه الأذرع من الردود الإسرائيلية المكثفة التي لطالما استهدفت مقراتها وقواعدها وقادتها، ما يجعلها تتصرف بحذر شديد لتجنب خسائر جسيمة تزيد إضعافها.
ولذلك، على الرغم من التصريحات التصعيدية والتهديدات الإعلامية المتكررة، يبقى التدخل الفعلي لأذرع إيران في الحرب محدوداً وضئيلاً، ويقتصر غالباً على تسجيل حضور رمزي أو إرسال رسائل سياسية أكثر من فتح جبهات جديدة على الأرض.